النهار

شرق أوسط الدم الجديد
المصدر: النهار
إن كنت "شاطراً" أيها اللبناني أفشل مخططات إسرائيل بالسلم. جسِده بوحدتك وتكوين دولتك بمؤسساتها وحسن اختيار علاقاتك الدولية. شبابك يا لبنان جنود أشاوس في حرب السلام. هم البناؤون والمعلم الأميركي يعرف هذا.
شرق أوسط الدم الجديد
شابة لبنانية تلتقط صوراً لدمار خلفته غارة إسرائيلية على بعلبك (أ ف ب)
A+   A-

زاهي جبرائيل*


في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من 500 مليون إنسان (مرجح للارتفاع 50% حتى سنة 2050) في مجتمع فتي قليل العمل (بينهم 47% من الفئة العمرية بين أقل من سنة وأربع وعشرين سنة) يعيشون على رقعة أرض مساحتها 11,5 مليون كيلومتر مربع بناتج محلي إجمالي حالي يلامس الـ8 تريليونات دولار. في هذه المنطقة 59% من الاحتياطي النفطي المحقق في العالم و45% من احتياطي الغاز المحقق، و30% من الاحتياطي العالمي للمعادن الضرورية في التكنولوجيا الحديثة وصناعة الشرائح. في هذه المنطقة صناديق سيادية تحرك 85% من صفقات استثمار سنوي بمبلغ يزيد عن 7 تريليونات دولار، بدأ قسم كبير منها في السنين الأخيرة يتجه نحو آسيا وشرقها. 

في العالم، وبالرغم من أن الجميع يتكلم عن اتباع معايير بيئية صارمة لكبح جماح الاحتباس الحراري، فإننا نرى الشركات النفطية العملاقة ما زالت تستثمر بوفرة في تطوير حقولها النفطية عبر العالم. في العالم الجديد القوة هي لمن يسيطر على التكنولوجيا الجديدة في الشرائح وما يتصل بها من تكنولوجيا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والكهرباء وشبكاتها والسيارات الكهربائية وبطاريات تخزين الطاقة، وهذه التكنولوجيا لا تكون دون وجود المعادن التي تمتلكها هذه المنطقة.

وفي العالم ارتباك في محافظ الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة وتطورها ومحافظ الصين تتحرك بمرونة أكثر من غيرها. ولا يغيب عن بالنا أن في الشرق الأوسط يتكلم التاريخ وتفوح رائحة القداسة وكلها لها دلالات رمزية في ذهنية الغرب.

يمتد الشرق الأوسط من سهل الدانوب وسلسلة جبال البلقان في أوروبا حتى صحراء ليبيا ويتضمن تركيا، إيران، العراق، سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين، شبه الجزيرة العربية، مصر وإسرائيل. هو اللوحة المشرقية بغالبيتها العربية سواء على الصعيد الجغرافي والإنساني (عرب 52,11%- فرس 12,29% - أتراك 17,1% - كردي 7,52% - أزري 3,44% - إسرائيليون 1,57% - أقليات 5,98%). إنه قلب العالم الإسلامي تتشابك على أرضه طوائف ومذاهب (سنة 63,4% - شيعة 29,1% - دروز 0,25% - مسيحيون 3,55% - يهود 1,57% - علويون 0,88% - أقليات 1,04%). كيف يتكون الشرق الأوسط "الدم" الجديد؟ برؤيةٍ هادئة.

مركز القوة العالمي، وإن شهد بعض التغيرات في النهج، فهو باق للولايات المتحدة لفترة أقلهاحتى العام 2050. صحيح أن الصين  تزاحم لمكانِ متقدم لها، لكنها لن تجلس مع أميركا على الكرسي نفسه لأسباب أهمها القدرة الكبيرة للولايات المتحدة في أبحاثها العلمية المتقدمة وتخبّط الصين في نظام إداري دون المستوى، إضافةً إلى شبكة العلاقات لكل منهما مع دول العالم. هذا لا يدفع الدولتين لخصام عميق بل إنهما ترتبان علاقاتهما التنافسية لا على أساس العقائد بل الاقتصاد، والجيل الجديد من هذه الفلسفة.

لنعد لشرق أوسط الدم، الجديد، فتواريخ ثلاثة لها دلالاتها على الحقبة الجديدة: 2-8-1990 (غزو صدام حسين للكويت)، 11-9-2001 (هجوم القاعدة على أبراج نيويورك) و 7-10-2023 (طوفان الأقصى). التواريخ الثلاثة رسخت اليد الأميركية باستلام الشرق الأوسط دون منازع. السيناريو الأكثر ترجيحاً أن الولايات المتحدة للثلاثين سنة المقبلة هي سيدة على الشرق الأوسط مباشرة والكل يلعب في ملعبها. هي لعبة الفوتبول الأميركي. إدارة الفريق ومدربه  يُدخلون لاعبين ويخرجون لاعبين بحسب حاجة الساعة فلكل لاعب اختصاصه وعين مسؤول الفريق هي فقط على عارضة المرمى، هدفه أن تتخطى الكرة العارضة، وما همّ كم من اللاعبين يخرجون من اللعبة مهشمين أو نازفي الدم. مراكز أبحاثها وصنَاع القرار لديها يعيدون ترتيب الشرق الأوسط، يخلطون كل الأوراق، يمحون هنا ويرسمون هناك. لا كبير يتمرد على أميركا في الشرق الأوسط، حتى إسرائيل. مراكز أبحاثها وجدت أن هذه الشعوب المتناحرة ما عرفت أن تحكم ذاتها. لا طبقت قانون ولا اعتمدت شفافية، ورغم الموارد الكثيرة لم يحصل التقدم اللازم. لذلك ولمصلحة شعوب المنطقة (!) أن يأتي انتداب ببذلة وربطة عنق وتصفيفة شعر لمَاع  يساعد هذه الشعوب على العيش ويدير خيراتها. الخرزة الأساسية في العمود الفقري لمركز القوة العالمي للعقود الآتية. المركز الإقليمي للإدارة هو بيروت ولن تقوى إسرائيل على تبديل هذا مهما فعلت ومهما شوهت بصورة اللبناني، فالولايات المتحدة تعرف أبناء هذا الوطن وتعرف طباعهم ونخبة منهم تعلموا في معاهدها وثقافتها هي السائدة حتى بين من يكرهونها. التغيرات في الشرق الأوسط لن تطال فقط دول "الهلال الخصيب" بل إن ظلالها ستترامى على كل أرجاء الملعب الشرق أوسطي، والأيام آتية.

    في  الختام حرب الثور الإسرائيلي الهائج على لبنان بعباءة إيران الحمراء صحيح أن سببه أن تزيل إسرائيل بعض العقبات لكنها هي تستغل هذه الحرب لضرب كل لبنان. هي لا تريد للبنان في حقبة السلام الآتي أن يكون المركز الُمُختار من الولايات المتحدة لإدارتها للمنطقة. لو دخلنا العقل الصهيوني السري لوجدنا في لائحة الأهداف لضرباته في لبنان الجامعة الأميركية وجامعة القديس يوسف والجامعة اللبنانية وكل الجامعات والمعاهد، ولرأينا المطار والمرفأ والمصانع والمستشفيات والمنتجعات السياحية، ولرأينا في لائحة اغتيالاتها النخب اللبنانية في كل العالم (اغتيالات جسدية ومعنوية)، ولرأينا في مخططها ضرب وسط بيروت وكتل البناء على شواطئ ضبيه ولرأينا أسماء مهمة لتطوعها عملاء لها ولرأينا خطط توزيع سلاح على لبنانيين والدفع بإيجاد الجو الملائم ليقتتلوا في ما بينهم وينتهي بلدهم من فكر أميركا والفكر العالمي، لكنها للآن لا تستطيع. ليس مسموح لها تخطي دورها فيأتي قتلها وتهديمها انتقائياً، لا لوجستياً عاماً، تحقيقاً لطموحاتها. لذلك إن كنت "شاطراً" أيها اللبناني أفشل مخططات إسرائيل  بالسلم. جسِده بوحدتك وتكوين دولتك بمؤسساتها وحسن اختيار علاقاتك الدولية. شبابك يا لبنان جنود أشاوس في حرب السلام. هم البناؤون والمعلم الأميركي يعرف هذا. لا تدع إسرائيل تجرك إلى الحرب القذرة. هدموا بيتك. انصب خيمة وعش تحتها  وتزاوج وأنجب وعلِّم وربِّ واعمل وانشد السلام وقل للعالم أنا هنا. عقلك المرن استعمله وستجد كل العالم يحتضنك وأولهم الولايات المتحدة وليغلي عدوك في دمه، واتكل على الرب وثق به فهو المعين.

*إختصاصي في الدراسات البترولية منذ 1983

اقرأ في النهار Premium