د. جيرار ديب
أفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الخميس 31 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بأن "هناك ضغطاً لتحقيق تسوية في لبنان قبل الأوان، والواقع أثبت العكس"، مشيراً إلى أننا "نغير وجه الشرق الأوسط لكننا ما زلنا في عين العاصفة وأمام تحديات كبيرة ولا أقلل من شأن أعدائنا مطلقاً"، مؤكداً أن المهم "في التسوية في لبنان إمكانية تحقيق الأمن والعمل ضدّ التسلح".
خرج البعض متفائلاً من اللقاء بين الرجلين على اعتبار أن هناك هدنة على الأقل تلوح في الأفق، وأن الأمور ذاهبة إلى ترتيب التسوية طالما وافق الحزب على تطبيق القرار 1701، وعلى تراجع قواته إلى شمال الليطاني. وما رفع من منسوب التفاؤل إصرار رئيس الحكومة اللبناني، نجيب ميقاتي، الذي أكدّ في مقابلته على إحدى القنوات المحلية، الأربعاء 30 تشرين الأول (أكتوبر)، إنّ حكومته قادرة على نشر الجيش في الجنوب وتطبيق كامل القرار بحذافيره.
غريب ميقاتي، كيف تبدّلت مواقفه خلال أشهر، من موقف "اللا قادرة" حيث اعتبر أن "حكومته لا تستطيع أن توقف الحرب لأنّ المهمة مستحيلة والقرار ليس بيدها"، إلى موقف "القادرة" من خلال الإصرار على أنها قادرة على إنجاز مهمتها. لكنّ الأغرب في الأمر، ليس ما جاء على لسان ميقاتي، الذي في مكان ما حصل على ضوء أخضر من الحزب للتصرّف، إلا أنّ الغرابة تكمن عند ليونة نتنياهو التي ظهرت في مواقفه الأخيرة، لاسيما وأنها تدرجت من الإصرار على تدمير "حزب الله" إلى طرح الحلول ومنها انسحابه إلى ما بعد شمال الليطاني.
يدرك البعض أن زيارة هوكشتاين لن تقدم الحلول، مع دخول الولايات المتحدة زمن الانتخابات الرئاسية. هذه الزيارة بالواقع لا توضع في خانة التوصل إلى تسويات، لأنّ اهتمام هوكشتاين لم يعد في إيجاد الحلول، بقدر ما باتت أولوياته تأمين وظيفة له في إحدى الشركات بعد انتهاء مهامه كمبعوث خاص للرئيس جو بايدن. يدرك نتنياهو اللعب في الوقت البدل عن ضائع، مستغلًا حاجة كلا المرشحين (للانتخابات الأميركية) إلى ما يحدث في الشرق الأوسط، تحديداً في لبنان. ففي حين يحتاج المرشح ترامب لاستمرار الحرب على الجبهات كافة، تحديداً الشمالية لفلسطين المحتلة، لأنّ في ذلك تأثيراً على الصوت العربي لاسيما في ولاية ميشيغان التي تضم أكبر جالية مسلمة في أميركا، إذ يقيم فيها أكثر من 300 ألف مسلم يتحدرون في معظمهم من الشرق الأوسط، تجد إدارة بايدن، أن استمراريتها لا يصبّ في مصلحة كامالا، لهذا تسعى إلى "شحذ" ولو موقف من نتنياهو يبدي فيه مرونة لفتح المجال للتوصل إلى تسويات.
يلعب نتنياهو دوراً رئيسياً في إيصال المرشح إلى البيت الأبيض، إن كان من خلال اللوبي الصهيوني الداعم لمواقفه والتي توافق على مشروعه في المنطقة، أو عبر تأثيره على الرأي العام المتأرجح في بعض الولايات الأميركية، ولو بشكل غير مباشر، وهذا يرتبط بقدرة المرشحين على لجم هذا الرجل من جرّ المنطقة إلى الحرب الكبرى.
تأخذ إدارة بايدن منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 قرار مساندة نتنياهو في حربه على غزة ولبنان، حتى ذهبت معه بعيداً في تأييده لتنفيذ ضربات محددة ودقيقة على إيران، وعملت على تشكيل حلف لضرب جماعة الحوثي في البحر الأحمر. اعتبرت هذه الإدارة أن في موقفها هذا، تستطيع أن تكسب إلى صفوفها أصوات الأميركيين اليهود في البلاد، دون أن تلتفت إلى الأصوات الرافضة للحرب، لا بل اعتمدت القمع بحق المظاهرات الطلابية التي اجتاحت الجامعات رفضاً لسياسة بايدن الممولة والمشاركة في الحرب.
ما لم يلتفت إليه بايدن، شكل "هدية" مجانية إلى ترامب، الذي رغم إهدائه الكثير من الصفقات لنتنياهو سابقاً، لكنه رجل متبدّل المزاج، إذ لا يستطيع نتنياهو أن يضمنه إلى جانبه طيلة فترة تواجده في البيت الأبيض. لهذا يقف لبنان في مرمى هذه الانتخابات، التي استغلت حربه ورفعت من حظوظ نتنياهو في تلقي دعم المرشحين، لكنّ المؤكد أن الحرب مستمرة إلى آذار (مارس) بعد تسلم الإدارة الجديدة، وقد تستمر أكثر إلى أيلول (سبتمبر) المقبل موعد الانتخابات الإسرائيلية، وما سيترتب على ذلك من مصير نتنياهو السياسي.