مارون الياس مرهج
تبحث "العنجهية" دائماً عن الإنسان ضعيف النفس، فترى لها طريقاً سالكاً. تدخل إلى نفسه وتسكنها، فيفرح لأنها تجعله يحسّ بقوة استعلاء على غيره من البشر، فيملكه حب السيطرة على الأشخاص الذين من حوله. وبذلك يعوّض عن ضعفه وعدم ثقته بنفسه. غير أنه، ما إن تدخل العنجهية إلى فكره، وتسيطر على تصرفاته، حتى تدخل معها خلسةً صاحبتها والتي لا تنفصل عنها، "الجبانة".
يسكنون سويةً داخل هذا الإنسان الضعيف والذي يحسب نفسه قوياً. وإذا جاء يوم، وأدخلته الحياة في بعض من مصاعب تجاربها، واستطاع أن يعود إلى صوابه، فأصبح لطيفاً، قنوعاً، عزيز النفس، واثقاً من خطواته، عندها يطرح العنجهية خارج داره. وما إن يتخلّص منها، وينفض عنه غبارها ورائحتها الكريهة، حتى يرى أن الجبانة قد خافت على حالها من وحدتها، فهرعت هاربة إلى البعيد. عندها يقضي بقية حياته في صفاء نفسه وطمأنينة عقله، فرحاً من جراء تناغمه مع الناس ومع الطبيعة.
أما الذي لم ترَ الحياة فيه أهلاَ لكي يستحق أن يُشفى من هذه المشاكل النفسية، فيمضي قسماً كبيراً من حياته في التكبّر والغطرسة. ولكن لا أحد يعرف متى تأتي الساعة التي تلفّه فيها كآبة عميقة، فتصبح أيامه بلا حنان ولياليه معذبة طويلة أكثر من كل العمر.
وخير دليل على هذا الوصف، أنه يوجد بعض الزعماء الكبار، المتكبّرون في بلادنا، والذين يعتبرون أنفسهم أنّهم فوق كل الناس، وعنجهيّتهم وتكبّرهم، لا يسمح لهم بأن يُنفّذوا ما يطلبه منهم شعبهم. ولكن جبانتهم وارتهانهم، سيجبرهم مع الوقت أن ينفّذوا كلّ الأوامر التي ستأتي من الخارج.
أنا أدعوكم يا أخوتي، وأتمنّى عليكم بأن تبقوا أقوياء بنفوسكم، وضيعي القلب، بغض النظر عن المراكز والنجاحات التي ستصلون إليها في حياتكم.
انتبهوا جيداً أن لا تقعوا في الفخ.