د.أيمن عمر*
يشير مفهوم العقد الضائع الإسرائيلي إلى الفترة التي أعقبت حرب تشرين عام 1973، وما تسبّبت من تداعيات اقتصادية كبيرة على الكيان الإسرائيلي وضياع 10 سنوات من الازدهار والنمو الاقتصادي وتدهور مستوى المعيشة، حيث تفاقم العجز الحكومي الناجم عن الإنفاق العسكري بين 1973 و1975 ليصل إلى 150% من الناتج المحلي، وازداد معدل التضخم إلى 500%. ولم يخرج الكيان الإسرائيلي من أزماته تلك سوى بالمساعدات الأميركية والاستعانة بمتخصّصين من الخارج ساعدوا على صياغة إصلاحات جذرية، أدّت إلى خفض الإنفاق الحكومي واستقرار الشيكل وجذب الاستثمار الأجنبي وتنشيط الاقتصاد.
ويشهد الاقتصاد الإسرائيلي حالياً منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 مزيداً من التآكل والأزمات مع استمرار الحرب واشتداد حدّتها وتوسّع رقعتها والخوف من تكرار "العقد الضائع". لذلك يخشى الإسرائيليون من تكرار السيناريو نفسه بل حدوث سيناريو أسوأ مما حدث في السبعينيّات، بسبب طول مدة الحرب واشتداد حدّتها وامتدادها لتشمل عمق الكيان الإسرائيلي وعصب الاقتصاد فيه، إذ طالت عمليات القصف حيفا وتل أبيب. ويطالب بعض الاقتصاديين الإسرائيليين بتخفيض الإنفاق الحكومي الدفاعي لما لذلك من تداعيات سلبية على القطاعات الاقتصادية وعلى النمو الاقتصادي والتضخم المالي.
الاقتصاد الضائع
انكمش الناتج المحلي الإسرائيلي في الأشهر الثلاثة الأولى التي تلت عملية طوفان الأقصى بنسبة 5.6% وهي من أسوأ النسب خلال تاريخ الكيان الإسرائيلي، مع نمو اقتصادي بنسبة 0.2% في الربع الثاني من عام 2024، ومع توقّف تام للماكينة الاقتصادية والنمو الاقتصادي في المناطق الحدودية التي أُخليت. وقد خفّضت وزارة المال الإسرائيلية توقّعاتها للنمو لهذا العام، إذ توقّعت أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.1٪، انخفاضاً من توقّعات سابقة بلغت 1.9٪، وفي تموز (يوليو)، خفّض "بنك إسرائيل" توقعاته للنمو إلى 1.5% لعام 2024 ونمو الاقتصاد بنسبة 2% في عام 2023 بعد أن نما بوتيرة سريعة بلغت 6.5% في عام 2022. وخفّضت وكالة التصنيف العالمية "ستاندرد آند بورز" التصنيف السيادي للكيان للمرة الثانية هذا العام إلى A من A+ وحافظت على نظرة سلبية، بينما خفّضت توقّعاتها للنمو إلى 0% لعام 2024 و2.2% في عام 2025 من 5% سابقاً.
وفي خطوة أكثر صرامة، خفّضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني للكيان الإسرائيلي بمقدار درجتين، من A2 إلى Baa1، مشيرة إلى الافتقار إلى "استراتيجية خروج" للصراع العسكري وزيادة عدم اليقين بشأن الأمن وآفاق النمو على المدى الأطول.
وتقدّر شركة "كوفاس بي دي آي" وهي شركة تحليلات أعمال كبرى في الكيان أن 60 ألف شركة إسرائيلية ستغلق أبوابها هذا العام، ارتفاعاً من متوسط سنوي يبلغ نحو 40 ألف شركة، ومعظم هذه الشركات صغيرة تضم ما يصل إلى خمسة موظفين. وقد ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" وفقًا لشركة معلومات الأعمال "CofaceBDI" أن نحو 46 ألف شركة أُجبرت على الإغلاق منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر).
نازحون ضائعون
أفادت التقارير أن قرابة 69 ألف من السكان، ومعظمهم من الشمال، ما زالوا غير مقيمين في منازلهم، وأن ما يقرب من 100 ألف نازح تم إجلاؤهم منذ بداية الحرب، وقد كلّفوا الدولة مليارات الشيكلات، إذ كلّفت عمليات الإجلاء 8.648 مليار شيكل (2.3 ملياري دولار)، بما في ذلك 5.466 مليارات شيكل (1.453 مليار دولار) ثمن نفقات الفنادق حيث تم حجز نحو أربعة ملايين غرفة بتكلفة 13.5 مليون شيكل (3.590 ملايين دولار) كثمن إقامة لليلة واحدة. ومن بين 143 ألف فرد مؤهلين للإخلاء من منازلهم لا يزال 22,800 يقيمون في الفنادق، وتمكّن 54 ألفاً من العودة إلى ديارهم، ويستمر 66,200 في العيش في أماكن إقامة مؤقتة أو مجتمعات بديلة. وتعدّ هذه المجموعات السكانية النازحة من بين الأكثر تضرراً، حيث أُجبر العديد منهم على ترك منازلهم والتدهور في مستوى معيشتهم. وقد قامت وزارة المال بدفع نحو 3.2 مليارات شيكل (851.063 مليون دولار) على شكل منح للإقامة، حيث توفّر هذه المنح صافياً شهرياً بقيمة 18 ألف شيكل (4,787 دولاراً) لعائلة مكوّنة من شخصين بالغين وطفلين، وقد تلقّت 53,113 عائلة هذه المنح وفقاً للوزارة.
تحدّيات جمّة يواجهها الاقتصاد الإسرائيلي والمالية العامة الإسرائيلية تجعله يتعرض ليس لعقد ضائع واحد بل لعقدين ضائعين، نظراً للخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تعرضت لها القطاعات الاقتصادية الأساسية مثل السياحة والتكنولوجيا، وخاصة في ظل فقدان الكيان الإسرائيلي عنصر الثقة الدولية كجاذب للاستثمارات الأجنبية، وتهشيم صورته الدولية كدولة أمن ورفاهية واستقرار في المنطقة.
*أكاديمي وباحث اقتصادي