العميد المتقاعد أنور يحيى*
بتاريخ 6/5/2006 وداخل بستان ليمون في محلة البرج الشمالي (صور)، عُثر على جثة رجل مجهول الهوية مذبوحاً بسكين مخصص لقطع الموز مُلقى بقرب الجثة. حضر إلى مكان الجثة النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي عوني رمضان وقاضي التحقيق الأستاذ حسن شحرور، والمقدم يوسف أبو خليل آمر مفرزة صيدا القضائية، إضافة إلى ضباط درك صور الذين تولوا التحقيق الأولي بإشارة النائب العام، وتبين أنها للعامل السوري صبحي الذي يعمل في بستان موز هناك ويقيم فيه مع زوجته ماجدة ودون أولاد.
حضر عناصر مكتب حوادث الجنوب وضبطوا سكيناً مغمساً بالدم... أخذوا عينات عنه للاستثمار وتعذر رفع بصمات عن قبضته الخشبية. كما حضر الطبيب الشرعي الذي كشف على الجثة وحدّد وحشية أسلوب تنفيذ الجريمة ذبحاً، والتي هزّت المجتمع الصوري كله!
أحال النائب العام الاستئنافي الجريمة إلى مفرزة صيدا القضائية لكشف الخفايا وتوقيف الجناة بأسرع وقت والعمل بإشرافه، فترأس المقدم أبو خليل دورية من المفرزة وانتقلوا إلى البستان حيث يعيش المغدور وتبين لهم وجود علاقة عاطفية بين الزوجة ماجدة وعامل سوري آخر يدعى علي يقيم في صيدا ويحضر للعمل في بستان الموز. داهمت دورية من التحري غرفته في محلة الشواكير، صيدا، وكان يلف يده اليسرى بقطعة قماش وتبينت إصابة سبابته بجرح عميق. أنكر أي معرفة بالضحية، لكن رجال التحري فتشوا منزله وعثروا على سكينين غير صالحين للاستعمال ورسائل غرامية موجهة من زوجة القتيل، ماجدة، إليه وصور لها، إضافة إلى منديل في جيب بنطاله عليه بقايا دم ناشف. كما عثر عناصر الأدلة الجنائية على بقايا ملابس محترقة حديثاً في قبو قريب من غرفة المشتبه فيه علي وأنكر معرفته بها تماماً... لكن تم اقتياده إلى مفرزة صيدا القضائية حيث تمت مواجهته بالأدلة لوجود علاقة عاطفية مع زوجة المغدور، فأصر على إنكاره. تطابقت فئة دم الضحية مع تلك المتبقية على المنديل الذي ضُبط في جيب علي، أما الزوجة فاعترفت بوجود علاقة معه وكان يلاطفها، فيما زوجها يقسو عليها ولديها شكوك بوجود علاقة عاطفية بينه وبين نساء غيرها!!
تابع المقدم أبو خليل ودورية التحري في مفرزته التحقيق بجدارة وحرفية عالية مع الزوجة وعشيقها علي، فاعترفت بعلاقتها الجنسية معه وكانت تنوي الزواج منه فور طلاقها من زوجها صبحي، لكن العشيق استعجل التخلص منه بعدما فاتحها زوجها المغدور بوجود العلاقة الغرامية مع بلال، وأنه سيتخلص منه قريباً، فأخبرت العشيق، الذي استعجل القضاء على صبحي.
اعترف بلال أخيراً، وخلال 48 ساعة من وقوع جناية القتل في البستان، بإقدامه على التخطيط للتخلص من صبحي، بذبحه بسكين مخصص لقطع الموز، وهو سكين يُسلّم إليه بدايةَ كل يوم عمل في البستان. وخوفاً من إقدام الزوج على قتله بعدما عَلِم بعلاقته مع زوجته ماجدة، أقدم بلال على الغدر به وتعاركا، فتمكن بلال منه وذبحه وتركه ينزف مستغيثاً دون مساعدة حتى مات قرب سيارته في البستان، وفّر هو إلى صيدا حيث أقام وكأن كل شيء عادي، كما أقدم على حرق ملابس كان يرتديها وعليها بعض من دم الضحية!
حضر العميد أنور يحيى، قائد الشرطة القضائية، إلى المفرزة واستمع إلى أقوال بلال ودوافع الجريمة الوحشية، وأقوال زوجة المغدور الموقوفة في نظارة المفرزة بقرار النيابة العامة، ونوّه في وحدة الشرطة القضائية بجدارة المقدم أبو خليل ودوريته بكشف الجريمة الغامضة وسرعة توقيف الجناة.
أشرف النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي عوني رمضان على مراحل التحقيق كافة لا سيما التحقق من أسباب القتل والتخطيط له من قِبل العشيق. وأشاد بحرفية التحري وسرعة كشف خفايا الجريمة المروعة التي طالبت الصحافة بسرعة كشفها وطمأنة المجتمعين الصوري واللبناني الذي هزّتهما وحشية طريقة تنفيذ جناية القتل داخل بستان الموز في منطقة آمنة!
مثّل الجاني، بلال، جريمته بقتل مواطنه السوري، صبحي، في منطقة صور بحضور القاضي الأستاذ رمضان وقاضي التحقيق الأستاذ شحرور، وضباط من الدرك والشرطة القضائية والصحافة اللبنانية والأجنبية، وشرح النائب العام دوافع الجريمة والوسائل المستخدمة لاقترافها وسرعة توقيف القاتل وزوجة المغدور التي بسببها أقدم الجاني على قتل الزوج، وجدارة عناصر التحري والطب الشرعي وتقارير الخبرة لدى قسم المباحث العلمية في الشرطة القضائية، بحيث تعاونت كلها لكشف هوية الجاني وسرعة توقيفه وطمأنة الناس لقدرات التحري وأجهزة الدولة الشرعية بمكافحة الجريمة والتصدي لها ضمن مهامها كضابطة عدلية تعمل بإشراف النيابة العامة المختصة، فارتاح المجتمع الصوري، ونوهت الصحافة بسرعة كشف الجريمة الوحشية وتوقيف الجناة.
نقترح على الحكومة السهر على تجهيز هذه القوى الأمنية والعسكرية الشرعية بالعديد والوسائل الضرورية لتنفيذ المهام المطلوبة منها ومتابعة إخضاعها لتدريب يواكب تطور الجريمة نوعاً وتقنيات، وإنصاف عناصر القوى المسلحة (جيش، أمن داخلي، أمن عام وأمن دولة) بالتقديمات المالية الضرورية لإبقاء المرافق العامة جاهزة، لخدمة أمن الناس، كل الناس، وتأمين السلامة العامة ونشر الطمأنينة في كل الوطن.
*قائد سابق للشرطة القضائية