قد تطول الحرب وربما لا تطول، لكن هذا ليس هو الأساس اليوم. فالحرب ستنتهي يوماً ما. ويبقى السؤال الأساسي: هل تنتهي مع انتهاء الحرب معضلة بناء الدولة في لبنان وتحقيق نهائية الكيان كوطن وحيد جامع لكل أبنائه؟ السؤال الأوحد والأساسي الذي يجب أن نناقشه اليوم ماذا نريد من لبنان اليوم التالي؟ هل نريد إعادة التجارب السابقة السيئة في بناء الدولة على قاعدة المحاصصة والطائفية والفساد والازدواجية والاستنسابية وشريعة الغاب والسلاح المتفلت، وهي حتماً ستدخلنا في المجهول والصراعات؟ أم نغتنم هذه الفرصة الذهبية، وربما الوحيدة منذ ما بعد الاستقلال، لبناء الدولة المدنية الحديثة العادلة الديموقراطية والقوية؟
قد أكون سريالياً أو حالماً أو حتى منفصلاً عن الواقع إذا توقعت أن الطبقة السياسية من أحزاب ودولة عميقة ومفكرين، في صدد التفكير جدياً وبتجرد في هذا السؤال الوحيد الذي يحدد مسار لبنان للأجيال المقبلة. والتفكير أيضا في لبنان ما بعد الحرب، وإيجاد الجواب النهائي عن هوية الوطن النهائي الحاضن لجميع التناقضات والمحاور، وطبعاً عقده الاجتماعي بين جميع المكونات على قاعدة المساواة في الحقوق والوجبات.
لقد اعترفنا نحن اللبنانيين بأننا لم نتمكن من بناء الدولة منذ الاستقلال حتى يومنا هذا. والتجارب خير دليل على ذلك. ولكن، رغم كل فشل التجارب السابقة منذ التأسيس، يبقى الفشل الأهم والأخطر أننا لم نستفد ولم نتعلم من التجارب السيئة السابقة. ولعل أخطر ما في هذه التجربة الفاشلة هو النظام الطائفي الزبائني الذي أمعن في استغلال المؤسسات والدولة، واحتكر السلطة عبر العنف والمال، مستنداً إلى قوة الأحزاب والميليشيات وسطوة السلاح وضعف الدولة.
المشهد الحالي مخزٍ ومقزز. الجميع في لبنان اليوم منغمس في تحليلات وتوقعات تشبه إلى حد كبير النقاشات التي كانت تدور في أوروبا العصور الوسطى حول طبيعة الملائكة.
ألم يحن الوقت لجميع المجموعات الطائفية، على اختلافاتها، لتعيش في سلام تحت ظل الدولة، وليس تحت حماية الطائفة أو الحزب أو الراعي الإقليمي أو الدولي؟ ألم يأتِ الوقت لتقبّل لبنان بتعدديته، واختلافاته، وتعقيداته كوطن نهائي لجميع أبنائه؟ ألم يحن الوقت اليوم للاستفادة من الديموقراطية الوحيدة في هذا الشرق، وتثبيتها تحت ظل الدولة؟ ألم يحن الوقت لتحويل لبنان من "بلد" إلى "وطن" ؟ إذا لم ينضج الوقت اليوم على جثث شهداء كل الطوائف، فمتى يحين هذا الوقت؟
وإن كان "حزب الله" هو المسؤول مباشرة عن الحرب وفترة ما قبلها، فهل هذه التجربة التي يسعى إليها من خلال الحرب والدمار والخراب والاغتيالات والتهجير، وخصوصا بعد العزلة الدولية العربية، وتخلي الراعي الإيراني عنه؟ الفرصة ذهبية اليوم لجميع الأحزاب والطوائف للعودة إلى لبنان، وفي مقدمها "حزب الله". في الماضي، رفع الموارنة شعار "لبنان أولاً"، ثم جاء دور السنّة عقب اغتيال رفيق الحريري. ألم يحن الوقت اليوم لاكتمال هذا الثالوث من خلال اقتناع الطائفة الشيعية بشعار "لبنان أولاً"، وما يعنيه من ضرورة بناء الدولة والمؤسسات والجيش القوي؟