إنها "ملكة البوب" و"الفنّانة الداهية" و"فاتنة الشباب". سواء أحببتها أو لم تحبّها، فأنت بالطبع تعرفها. ليست تايلور سويفت نجمة "بوب" فحسب، بل هي ظاهرة ثقافيّة بحقّ. ومع مبيعاتها التي تخطّت الأرقام القياسيّة، وديسكوغرافيّتها المتنوّعة، وقدرتها الفريدة على التواصل مع المعجبين، أثبتت مكانتها، وباتت واحدة من أكثر الفنّانين تأثيراً في القرن الحادي والعشرين.
ما أسباب هذه الشعبيّة الكبيرة؟ وكيف وُلدت "الظاهرة السويفتيّة"؟ ثمة عوامل مختلفة من مسيرة الفنّانة، التي دخلت مؤخّراً نادي أصحاب المليارات، تستحقّ التوقّف عندها وإعادة النظر فيها، بعدما تضافرت حتّى وَلَّدت نجاحاً هائلاً، يتمظهر تارةً في التأثير على الاقتصادات الكبرى، وطوراً في توليد حفلاتها أنشاطة زلزاليّة؛ تارةً في نظريات المؤامرة التي تُحاك حولها، وطوراً في إعلان مجموعة إعلاميّة حاجتها إلى صحافي متفرّغ لتغطية أخبارها، وصولاً إلى تحوّلها رقماً صعباً في الانتخابات الأميركيّة.
منقذة بايدن والاقتصاد الأميركيّ؟
حين نشرت تايلور سويفت رسالةً على "إنستغرام" في أيلول (سبتمبر) الماضي، دعت فيها متابعيها الـ272 مليوناً (283 مليوناً حتى تاريخ النشر) إلى التسجّل على اللوائح الانتخابيّة، أحصت منظّمة Vote.org أكثر من 35 ألف اسم جديد تسجّل في ذلك اليوم، بارتفاع قدره 23 في المئة مقارنة باليوم نفسه في العام السابق.
مع نهاية عام 2023، كان يُنظر إلى سويفت أنّها المنقذة المحتملة للرئيس الأميركي جو بايدن، والقوّة الوازنة التي قد تُرجح كفّة السياسة الأميركيّة مع تراجع شعبيّة الرئيس الديموقراطي قبل رئاسيّات 2024. كانت إيرادات جولتها "ذي إيراس تور" قد تجاوزت بالفعل - للمرّة الأولى في تاريخ الموسيقى - عتبة المليار دولار في 60 حفلة من آذار (مارس) إلى تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، وبدت نجمة البوب، التي بدأت مسيرتها بموسيقى الكانتري المحبّبة لدى محافظي أميركا، قادرةً على تعبئة الناخبين الديموقراطيّين، ولا سيّما الـ"سويفتيز" الذين يقطنون الضواحي السكنيّة بشكل رئيسيّ.
تايلور سويفت في حفل "غرامي" (أ ف ب)
تزامن ذلك مع حديث رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي في نيويورك عن مساهمة ما وصفه بـ"عامل تايلور سويفت" في تحفيز الاقتصاد الأميركي من خلال إنفاق الـ"سويفتيز" على الحفلات والفنادق. ففي لوس أنجليس وحدها، لاحظت الخبيرة الاقتصادية ماريا سيلو، من جامعة برمنغهام البريطانية، أنّ حفلات سويفت الستّ التي أقيمت في آب (أغسطس) أدّت إلى زيادة قدرها 320 مليون دولار في الناتج المحلّي الإجمالي للمقاطعة. هذا إلى جانب المبيعات المسبقة لتذاكر فيلم "Taylor Swift: The Eras Tour" الذي صُوِّر خلال الجزء الأول من جولة "ذي إيراس تور"، والتي تجاوزت 100 مليون دولار في مختلف أنحاء العالم، قبل أسبوع من انطلاق عروضه، في حصيلة شكّلت رقماً قياسيّاً لإيرادات فيلم طويل عن حفلة موسيقيّة.
صحافيّ لتغطية أخبارها!
إذا كانت ديانا سبنسر واحدةً من أكثر الشخصيّات التي التُقطت لها صور فوتوغرافيّة (أكثر من 20 ألف مرّة في سنة واحدة) وكُتب عنها أكثر من مليون مقال في جميع أنحاء العالم، منذ خطوبتها للأمير تشارلز في عام 1981 حتى وفاتها في عام 1997، فإنّ مجموعة "غانيت" الإعلاميّة الأميركيّة، التي تُعَدّ الأبرز في مجال الصحافة المناطقيّة، نشرت في أيلول (سبتمبر) إعلاناً عن حاجتها إلى صحافيّ "نشيط، ذي خبرة وميّال إلى الفيديو، وقادر على فهم التأثير الموسيقي والثقافي لتايلور سويفت"، ليتولّى حصراً تغطية أنشطة النجمة - الظاهرة على المستويَيْن الموسيقي والثقافي.
تايلور سويفت خلال حفل إيراس في البرتغال (أ ف ب)
يُشيد النقّاد بأغنيات سويفت، لجودتها السردية غالباً، إذ تمتلك موهبة فريدة في نسج تجاربها الشخصيّة في كلماتها بطريقة تتردّد بعمق في نفوس المستمعين. فإن أغنيات مثل "All Too Well" ، و"Love Story" و"Cardigan" أمثلة دالّة على قدرتها على تأليف قصص مقنعة تلتقط المشاعر المشتركة عند ملايين المستمعين. تلك المَلَكة الراسخة في نفسها، والتي جعلتها واحدة من أعظم فنّاني جيلها، دفعت بجامعة بلجيكيّة إلى إنشاء مقرّر أدبي يتطرّق إلى المراجع الأدبيّة الأنغلو-ساكسونيّة التي استندت إليها سويفت في كلمات أغنياتها.
تأثير ثقافيّ وأزمة مناخيّة
لم تكن الموسيقى شغل سويفت الشاغل فحسب، إذ استخدمت منصّاتها للدفاع عن قضايا اجتماعيّة وسياسيّة مختلفة. كانت صريحة في مسألة حقوق الفنانين، وتحدّت بشكل صريح شركة "آبل ميوزك" بشأن التعويض العادل للفنّانين، وأعادت تسجيل ألبوماتها السابقة لاستعادة السيطرة على حقوقها الأصلية.
خلال عطلة نهاية أسبوع في حزيران (يونيو) 2015، تصدّت سويفت لتلك الشركة، ونجحت. كانت "آبل" في صدد إطلاق خدمة بثّ موسيقي جديدة في نهاية ذلك الشهر، وتقديم فترة تجريبيّة مجّانيّة للمستخدمين مدّتها ثلاثة أشهر. خلال تلك الفترة، كانت تخطّط لعدم دفع أيّ مبلغ للفنّانين تعويضاً عن بث أغانيهم. بعد الواقعة بنحو ثماني سنوات، صنّفت الشركة سويفت بـ"فنّانة آبل ميوزك للعام 2023".
إلى جانب ذلك، لاقت تأييدات سويفت السياسيّة ونشاطها في قضايا مثل حقوق المهمّشين والمساواة بين الجنسَيْن صدًى عند كثيرين، معزّزة مكانتها بصفتها شخصيّة عامّة مؤثرة، فيما كانت تواجه حرب أخبار زائفة ونظريّات مؤامرة رأت في علاقتها بلاعب كرة القدم ترافيس كيلسي قصة حب ملفّقة ترمي إلى تمهيد الطريق لإعلان سويفت دعمها بايدن قبل الانتخابات الرئاسيّة المرتقبة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
ملصق تذكاري يحمل صورة تايلور سويفت في مكسيكو سيتي (أ ف ب)
الواضح أنّ ترامب أدرك تماماً نفوذها الشعبي وحاول التودّد لها مراراً، معتبراً إيّاها "جميلة بشكل غير عادي"، وإن يكن شكّك في صحة آرائها السياسية الليبراليّة.
غير أنّ رحلات سويفت في الطائرات الخاصة محطّ انتقادات بيئيّة واسعة، وينبّه ناشطون مناخيّون إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن كلّ رحلة، والتي تساهم في احترار الكوكب. فبشكل عام، وخلال شباط (فبراير) وحده، ونتيجة لسفرها في طائرتها الخاصة لأداء عروض "إيراس"، كانت سويفت مسؤولة عن انبعاثات ضخمة تصل إلى 393 طنّاً متريّاً من ثاني أكسيد الكربون، فيما يُعتَبَر متوسّط الانبعاثات لكل شخص في الولايات المتحدة نحو 16 طنّاً أو 14 طنّاً متريّاً سنويّاً.
يمتدّ تأثير سويفت في الثقافة الشعبية إلى ما هو أبعد من الموسيقى. فقد ألهمت عدداً لا يُحصى من الـ"ميمات" والاتجاهات الثقافيّة وحتى الدراسات الأكاديميّة، ودفع تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الكبير جامعة ملبورن في أستراليا إلى إقامة ندوة عنها بمشاركة باحثين من مختلف التخصّصات، تناولت الظاهرة من زواياها كافّة، الاجتماعية منها والتجارية والثقافية، وحتى الطبية، فيما كان العالم تحت صدمة تطوّر تقنيّة "التزييف العميق" والقذارة التي تتغذّى على النجاحات.
ففي كانون الثاني (يناير) المنصرم، أعرب البيت الأبيض عن قلقه في شأن تداول صور إباحية ملفقة لسويفت على نطاق واسع - عبر منصّة "إكس" بشكل أساسيّ - ابتُكرت باستخدام الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ، وأثارت غضباً واسعاً في أوساط الطبقة السياسيّة الأميركيّة وجمهور المغنّية. شوهدت إحدى الصور أكثر من 47 مليون مرة عبر الشبكة، وذكر إعلام أميركيّ أنّها بقيت منشورة أكثر من 17 ساعة قبل أن تُحذف، وتُصبح واحدة من 113 ألف مادّة فيديو مماثلة لأشخاص كثيرين، جرى تحميلها في المواقع الإباحيّة الرئيسيّة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، وفق مجلة "وايرد".
ربما تعزى شعبيّة تايلور سويفت الهائلة إلى موسيقاها المتنوّعة، وبراعتها في السرد، وإنجازاتها القياسيّة، وعلاقتها العميقة بالمعجبين، ونشاطها المؤثر. تبدو ملكة "البوب" أكثر من أيّ وقت مضى قادرة على التطوّر مع البقاء وفيّة لرؤيتها الفنّية، ما يضمن لها تربّعاً بعيد المدى على عرش الشخصيّات المحبوبة في المشهد الموسيقيّ المتغيّر باستمرار. وبينما تواصل عبور الحدود وتحطيم الأرقام القياسيّة، ودفع ضرائب النجاح، تظهر بمظهر صاحبة الإرث الثقافيّ المُقدّر له أن يستمرّ لأجيال، وهي التي توجّه رئيس الوزراء الكنديّ جاستن ترودو إليها مباشرة في رسالة مفتوحة عبر "إكس" ("تويتر" آنذاك) حقّقت انتشاراً واسعاً، ضمّنها كلمات من أغنيات المغنّية الأميركيّة، آملاً من خلالها في أداء حفلة من حفلات "إيراس" في كندا، لئلّا "تجعل من هذا الصيف صيفاً قاسياً آخر".