الصويرة : كريم السعدي
يتفق المتتبعون لفن "كناوة" على أن مهرجان "كناوة وموسيقى العالم" بالصويرة المغربية يتميز بكونه "مختبراً للتجريب الموسيقي واستوديو مفتوح على الهواء"، حيث تتم دعوة الفنانين الموهوبين لالتقاء اندماجي مع معلمي "كناوة"، ليخلقوا معاً لحظات متميزة من الارتجال الموسيقى في أبهى حلله.
ومن بين الأسماء التي فرضت نفسها، وأكدت جدارتها، على مدى العقدين الماضيين، بشكل خاص، نجد عبد السلام عليكان، الذي يقوم بمهمة المدير الفني للمهرجان، وحميد القصري ومحمد كويو وحسن يوصو ومصطفى باقبو وعبد الكبير مرشان وعبد المالك القادري وعبد الرحيم أوغسال وعبد النبي الكداري.
ولأن المستقبل يبدو زاهياً أمام هذا اللون الموسيقي، فإن سؤال الخلف لا يدعو إلى الكثير من القلق، في ظل بروز مواهب يتنبأ لها العارفون بمستقبل كبير، بينها مهدي الناسولي وحسام غينيا.
وسبق للباحث المغربي محمد الطوزي، أن كتب تحت عنوان: "الصويرة الكناوية من شكوى المنفِي إلى النشيد الكوني"، أن مهرجان "كناوة" نشأ، سنة 1998، مُحدثاً تفرعاً معيناً ضمن السيناريو المستقبلي الذي اقترحه الباحثون للصويرة، قبل أن يقر بالحدس الخصب للباحث الأنثروبولوجي جورج لابساد، الذي "قام بمقابلات تقودنا، اليوم، إلى مظاهرة موسيقية من أروع المظاهرات في العالم؛ مظاهرة مؤسسة على شعارات التآلف، والحوار بين الثقافات".
وجاءت إشارة الطوزي إلى ما كتبه لابساد، بعد شروعه في إنجاز تشخيص حيوي لـ"مدينة الرياح"، حيث كتب: "منذ سنة 1972 بدأ يحدث شيء جديد؛ إذ أصبحت الصويرة بوتقة ثقافة جديدة سنجد، فيما بعد، عناصرها... بعض (مْعلمي) الصويرة ليسوا على ما يبدو منحدرين من أصل سوداني. والتقينا شباناً ليسوا زنوجاً، في طور التكوين عند (مْعلم)، يهيئون (أطروحتهم التطبيقية في التكناويت)، حسب قولهم.
إن (معلمي كناوة) الممارسين حالياً (1975) بالصويرة، هم شبان تتراوح أعمارهم بين خمس وعشرين وثلاثين سنة: علال، محمود، ومولاي عبد السلام. والرابع، الملقب (باكو) لم يعد يمارس كـ(معلم) كناوي منذ أن انضم إلى فرقة (ناس الغيوان)، التي بادرت بإطلاق الحركة الجديدة للموسيقى والأغنية المغربيتين".
منذ ذلك الحين، جاء المهرجان وخلَّف "لمْعلمين" الأربعة، عشرات "لمْعلمين": عبد الكبير مرشان، عبد السلام عليكان، الإخوة باقبو، عزيز ومصطفى، أحمد العياشي، بوسو حميدة وحسن، حميد القصري، و"مْعلمين" آخرين لموسيقى "كناوة"، يقيمون حفلات غنائية في أكبر المسارح العالمية، وتمكنوا من إبداع موسيقى جديدة.
عالم "كناوة" الذي ظل "حكرا" على الرجال، خصوصا على مستوى مهرجان الصويرة، أخذ، على مدى السنوات القليلة الماضية، يفتح المجال أمام النساء لأخذ نصيبهن من "تكناويت".
ضمن هذه الدينامية المحمودة، تسلحت أسماء حمزاوي بالكثير من الشجاعة والجرأة والمثابرة لتقتحم وتفرض ووجودها ضمن عالم "كناوة"، المنحصر على الرجال فقط؛ قبل أن تتمكن من فتح الأبواب ورسم الطريق لشابات أخريات ليتبعن نهجها.
وتعد حمزاوي، اليوم، إحدى النساء القليلات اللائي يمارسن فن "كناوة"، بقيادتها لمجموعة "بنات تومبوكتو"، بعد أن تمكنت من فرض نفسها سفيرة لهذا للفن في صيغته النسوية.
كان خلف أسماء رجل شجعها وهيأ لها سبل الانخراط في هذا الاختيار الموسيقي؛ حيث أنها ورثت شغفها وحبها لهذا التراث الأصيل من والدها "المعلم" رشيد حمزاوي، التي كانت ترافقه في حفلاته، قبل أن تتمكن، في سن مبكر، من إتقان العزف على آلة (الكنبري) الوترية.
وتستوحي فرقة "بنات تومبوكتو"، بقيادة أسماء حمزاوي، ألحانها من التقاليد "الكناوية"، وتقارب مواضيع اجتماعية كالمعاناة والغربة وذاكرة إفريقيا.
وتمكنت الفرقة، مع مرور الوقت، من كسب ثقة جمهور واسع، ومن فرض إبداعها على منظمي التظاهرات الفنية، لتشارك سنة 2017، ولأول مرة، في فعاليات مهرجان "كناوة وموسيقى العالم". وقد كانت تلك المشاركة استثنائية، اعتبارا لندرة النساء العازفات على آلة (الكنبري).
وخلال دورة السنة الماضية لهذا المهرجان، ستحيي أسماء حمزاوي وفرقتها، التي أسستها سنة 2012، حفلا مبهرا، إلى جانب فرقة "أمازونيات إفريقيا"، المكونة من فنانات قادمات من بلدان إفريقية مختلفة.
أمس، في ثاني أيام مهرجان "كناوة"، في دورته الخامسة والعشرين كان الموعد، مرة أخرى، مع أسماء حمزاوي وفرقتها، في حفل ناجح، استمتع خلاله جمهور منصة "باب مراكش"، بأداء موسيقي رائع، بلمسة أنثوية، أكد أن مجال الفن متاح للجميع، شرط التوفر على الموهبة مع القدرة على العطاء والصبر لتطوير التجربة، قبل أي شيء آخر.
واليوم، تشعر أسماء حمزاوي بالفخر، وهي تقود فرقة نسائية خالصة تزين بمشاركاتها الناجحة برامج مهرجان بصيت عالمي ومشاركين مكرسين، مع أمل في أن يساهم نجاحها في فتح المجال أمام مزيد من النساء لإغناء ممارسة فنية فرضت الاحترام وطنيا وعالميا.