افتتحت الخميس الدورة الـ 58 لمهرجان قرطاج الدولي في تونس، وأحيا الفنان التونسي لطفي بوشناق حفل الافتتاح الذي كان تحت عنوان "عايش لغناياتي"، وشهد حضوراً جماهيرياً كبيراً، وقد نفدت تذاكر الحفل قبل أيام من موعده.
وانطلق الحفل بعرض شريط وثائقي قصير لخّص مسيرة 50 عاماً من العطاء للفنان التونسي الذي ولد عام 1954، واستطاع أن يحقق نجاحاً متواصلاً طيلة هذه العقود، تجاوز صداه تونس، ليصبح واحداً من أشهر الأسماء الفنية في العالم العربي.
وفي مفاجأة لهذه السهرة، استضاف بوشناق الفنانة اللبنانية ميشلين خليفة التي غنّت معه الأغنية التي اشتهرا بها سابقاً على المسرح ذاته قبل أكثر من 10 سنوات "العين الي ما تشوفيكشي".
عرض متنوع
وتنوعت أغاني حفل بوشناق بين الطربي والتونسي وحتى الشعبي الذي ألهب مدارج المسرح، فاهتزت تحت تصفيق الجمهور المتنوع ورقصه.
وعلى امتداد 3 ساعات تنقّل بوشناق بين أغاني ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته وصولاً إلى آخر انتاجاته، بداية بـ "يا شاغلة بالي" وصولاً إلى "نوار اللوز" مروراً بـ"احنا الجود احنا الكرم" و"ريتك ما نعرف وين" و"انت شمسي" و"يا نسايا و"هذي غناية لهم" و"عشاق الدنيا". ولفلسطين غنى أغنيته الجديدة "خليك صامد يا فلسطيني".
وأشرف على إخراج عرض بوشناق ابنه المخرج عبد الحميد بوشناق، الذي اضفى عليه بعداً جمالياً من خلال توظيف عناصر سينوغرافية.
وقال بوشناق في مؤتمر صحافي بعد الحفل إنه ثمرة مسيرة انطلقت في سبعينات القرن الماضي.
ولطفي بوشناق هو خريج مدرسة الراشيدية وهي احدى أشهر المدارس الموسيقية في تونس التي درس فيها أشهر فناني البلد، كما أقام في مصر فترة طويلة في بداياته، ما ساهم في نحت شخصيته الفنية.
وبوشناق سفير النوايا الحسنة للأمم المتحدة منذ عام 2004، وقد تعامل مع كبار الفنانين والملحنين العرب أمثال سيد مكاوي وأحمد صدقي.
واعتُبر حفل الافتتاح ناجحاً فنياً وجماهيرياً رغم كل ما سبقه من جدل حول رفض الفنان السماح ببثه مباشرة على التلفزيون الرسمي التونسي كما هي عادة المهرجان.
برمجة ضعيفة
لكن نجاح حفل الافتتاح لا يخفي الكثير من الانتقادات التي وُجّهت إلى برمجة الدورة الحالية، والتي تُعتبر دورة استثنائية، إذ يُحتفى فيها بمرور 60 عاماً على تأسيس المهرجان في عام 1964.
ويرى كثير من النقاد ومعهم شق واسع من الجمهور، إن الدورة الحالية ضعيفة لا يرتقي برنامجها الى قيمة المهرجان.
وتتضمن الدورة الحالية مجموعة من العروض المتنوعة التي تتواصل حتى 17 آب (أغسطس) المقبل، من تونس وخارجها، من بين أبرز ضيوفها الفنان العراقي كاظم الساهر والفنان اللبناني وائل كفوري والفنانة السورية اصالة نصري التي ستختم الحفل، وقد نفدت تذاكر هذه الحفلات منذ طرحها للبيع رغم غلاء أسعارها، حتى أن بعضهم صار يبيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة.
كما سيُسجّل حضور كل من المغربي أمين بودشار وحمزة نمرة والفنانة المصرية آمال ماهر، التي اعتلت مسرح قرطاج سنة 2015.
ويضمّ برنامج المهرجان عرضين للسيرك على الجليد من بريطانيا وعرض للفنان السنغالي يوسو ندور وآخر لموسيقى الفلامنكو تحييه الفنانة الإسبانية سارا باراس.
ويأخذ نقاد على هيئات المهرجان استضافة أسماء يعتبرون أنها لا تستحق الصعود على مسرح قرطاج، فيما يتساءل كثيرون عن سبب غياب أسماء عالمية كتلك التي كان المهرجان يستضيفها سابقاً.
وفي رأي هؤلاء، فَقَد المهرجان الكثير من صيته وبريقه لمصلحة مهرجانات عربية منافسة حديثة التأسيس بسبب هذا التوجّه.
"برمجة لا تليق بتاريخ المهرجان"
وترى الصحافية المتخصصة في الشأن الثقافي جيهان التركي لـ"النهار العربي" إن الدورة الحالية لا تليق بستينية المهرجان، قائلة: "كنا نتوقع الاحتفال بهذا الحدث من خلال برمجة عروض كبرى لنجوم عالميين لأن المهرجان هو مهرجان دولي".
وتتابع: "نتمنى أن يحافظ المهرجان على قيمته ومكانته، فعلى هذا المسرح صعد فنانون كبار من العالم والعالم العربي مثل شارل أزنافور وجو كوكر ووردة ونجاة الصغيرة".
وتضيف: "نحن جيل اكتشف الباليه والأوبرا عن طريق مهرجان قرطاج". وتلفت إلى أنه كان من المتوقع أن تكون البرمجة في قيمة تاريخ وعمر قرطاج الذي كان الصعود على مسرحه حلماً لأغلب النجوم.
وتنفي أن يكون لضعف الدورة الحالية علاقة بالموازنة، مؤكدة أن مهرجانات أخرى نجحت في تقديم برمجة جيدة بموازنة أقل.
وترى أنه كان من الأجدر حجب الدورة الحالية بدل برمجة عروض لا ترتقي إلى مستوى الاحتفال بستينية المهرجان، وتنظيم دورة العام المقبل في دورة استثنائية تليق بالحدث.
وسبق أن صعد على مسرح مهرجان قرطاج فنانون عالميون، كما كان المهرجان وراء نجاح الكثير من النجوم العرب أمثال جورج وسوف وماجدة الرومي وراغب علامة.
مشاكل مادية
وكثيراً ما دافعت إدارات المهرجان المتعاقبة، خصوصاً خلال العشرية الأخيرة عن خياراتها، مؤكّدة أن ضعف الموازنة المخصّصة للمهرجان يُعتبر من أبرز أسباب عدم استضافته نجوماً عالميين والاكتفاء بتكرار استضافة بعض الأسماء العربية.
ودفع ضعف الموازنة مقارنة بارتفاع أجور الفنانين، إدارة الدورة الحالية إلى تقليص عدد العروض المبرمجة والاكتفاء بـ18 سهرة، فيما تراوح عدد السهرات في الدورات الماضية بين 28 و32 سهرة.
وأدّت الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس منذ عام 2011 إلى تقليص مخصصات وزارة الثقافة، التي تُعتبر الممول الرئيسي لأغلب مهرجانات تونس، ما ألقى بظلاله على قدرتها على استضافة أسماء لامعة.