"في عدستي تنبض الحياة بجمالها الخفي، تروي قصصاً لا يحكى عنها بالكلمات، تتجسد اللحظات العابرة وكأنها أعمال فنية تترك بصمتها العميقة في قلوبنا".
هذا ما تراه فاطمة الموسى المصورة الإماراتية من خلال عدسة الكاميرا. تعلقها بعالم التصوير بدأ منذ الطفولة، ترجمت الصور ومعانيها في مخيلتها، حولت كل هذا الحب والشغف إلى مهنة ثابتة وتخصصت في التصوير الفني بشكل رئيسي في الشارع.
"في بداياتي مع التصوير لم تكن الكاميرا مجرد جهاز تقني" تقول الموسى لـ“النهار العربي" بل ممر يفتح أمامها عالماً من الإبداع والتعبير.
أول كاميرا امتلكتها كانت Leica Q عام 2015، هنا بدأت رحلتها في تعلم تقنيات التصوير الحديثة والتعامل مع الضوء، فاستغلت كل وقتها لتطوير مهاراتها وتعلم كيفية استخدام الأدوات لإنتاج صور فنية تعبر عن أفكارها ومشاعرها. وبعد سنة من الإصرار والتصميم شاركت بمعارض عدة في دول عدة.
أما اللحظة التي تبرز خاصة في مسيرتها المهنية فكانت عام 2023 عندما اختيرت ممثلة رسمية عالمية لإطلاق كاميرا Leica M11 Monochrome وعرضت مشاريعها الفنية التي تعتمد على الأبيض والأسود والتي تجسد تراث الإمارات وثقافتها على المستوى الدولي، وتم تكريمها بجائزة الشخصية الفوتوغرافية الواعدة.
نجحت في أن تنقل طموحها عبر الصور الجيدة عن المجتمع العربي أو الخليجي خاصة، ونقل الثقافة الحقيقة إلى العالم الخارجي عبر الصورة الفوتوغرافية، وبهذا يمكن المصور أن ينتج ويكون خير السفراء لخير الأعمال الهادفة والمبنية على الخير والتسامح والاحترام المتبادل مع مختلف ثقافات الشعوب في العالم.
في رحلة فاطمة لتصوير التراث، واجهت سلسلة من التحديات. أولاً، كان عليها التعامل مع إضاءة غير متوقعة، من شدة الشمس إلى ضعف الضوء. ثم جاء تحدي التكوين البصري، حيث كان عليها العثور على الزوايا المثالية التي تعكس جمال الماضي بعيداً عن الحضارة الحديثة. التقاط اللحظات المناسبة كان أيضاً صعباً، بخاصة في حياة الشوارع المتقلبة. بالإضافة إلى ذلك، واجهت صعوبة في التفاعل مع الناس والحصول على موافقات للتصوير. وأخيراً، كان الطقس الحار في الصيف يشكل عائقاً إضافياً. لكن عزيمتها وشغفها جعلاها تتجاوز هذه الصعوبات، لتروي قصص التراث بنجاح.
في بدايات مسيرتها، كانت فاطمة الموسى تلتقط أي منظر جميل يظهر أمام كاميرتها، لكن مع مرور الوقت وتراكم الخبرة، أصبحت تدرك أن لكل صورة هدفاً ومعنى أعمق. اليوم، بعدما نضجت في عالم التصوير، لم يعد الزر مجرد أداة لالتقاط الصور، بل أصبح وسيلة لنقل رسائل ذات أهداف سامية وقيم فنية عالمية. أصبحت الآن تركز على مشاريع تحمل في طياتها رسالة قوية وقيمة فنية تستحق أن تُروى.
تعتبر فاطمة الموسى الصور بالأبيض والأسود جزءاً أساسياً من تجربتها الفنية. وعلى رغم جمال الألوان وتنوعها، إلا أن الصور بالأبيض والأسود تتيح لها رؤية مختلفة، حيث تزيل عوامل التشتيت التي قد تكون موجودة في الألوان. يساعد هذا النمط على التركيز على جوانب أخرى من الصورة مثل الموضوع والأشكال والأنماط والملمس والتكوين. كما أن استخدام الأبيض والأسود يعزز الإحساس والهدف الأساسي للصورة، ما يمنح المشاهد تجربة بصرية أكثر عمقاً.
السر ليس في الأدوات، بل في العقل والإبداع نصيحة للمقبلين على التصوير؛ إنه فن يتطلب رؤية وشعوراً عميقاً. وبينما الكاميرا متاحة للجميع، تأتي القدرة على التقاط صور مميزة من الجهد والإحساس، والتفاعل مع الجمهور، والممارسة المستمرة.
أما عن مزج التكنولوجيا، فحرصت الموسى على التركيز على أهمية التعلم المستمر. فهي تؤمن بأن الاطلاع على أحدث الابتكارات في مجال التكنولوجيا أمر ضروري، وهذا يمكن أن يتم من خلال القراءة ومشاهدة الفيديوهات التعليمية. ولكنها لا تكتفي بذلك؛ بل تدمج أيضاً بين التقنيات الحديثة والتقليدية. فعلى سبيل المثال، قد تستخدم كاميرا رقمية حديثة لتحسين جودة الصور ومرونتها، ولكنها في الوقت نفسه تستخدم عدسات كلاسيكية قديمة لتضيف لمسة فنية على صورها. بهذا المزيج، تخلق تجربة بصرية متميزة تجمع بين الأصالة والابتكار.
في ما يتعلق بالانتقادات والتحديات، تبرز الموسى موقفها الإيجابي. فقد أظهرت أنها لا تأخذ النقد السلبي شخصياً، بل تعتبره فرصة للتعلم والتطوير. في الواقع، تلقت نقداً بناءً ساهم في تحسين أعمالها الفنية وتعزيز مهاراتها. تقدر أيضاً دعم مجتمع التصوير الذي تعتبره جزءاً أساسياً من نجاحها، إذ يقدم الدعم والتوجيه وتبادل الخبرات الذي أثرى مسيرتها الفنية.
وإذ يبرز دور المرأة الإماراتية كثيراً في عالم التصوير والفنون البصرية، مستفيدة من الدعم القوي للقيادة الرشيدة، لا يمكن إغفال دور الشيخة فاطمة بنت مبارك التي كانت داعماً رئيسياً لتمكين المرأة في المجالات كافة، تقول فاطمة موسى.
تعتبر الموسى تصويرها مجرد عمل فني، بل هي رسالة صادقة تسعى من خلالها إلى خلق جسر بين الماضي والحاضر، وبيننا وبين العالم الخارجي. هدفها هو أن تبقى الصور التي تلتقطها شاهدة على قوة التراث وجماله، وعلى القيم التي نعتز بها ونفخر بها، ليظل تراثنا حاضراً في كل صورة، وفي كل قلب، وفي كل زمن. ليس فقط كوسيلة للحفاظ على الذاكرة، بل لتعزيز مشاعر الفخر والاعتزاز التي زرعها الشيخ زايد مؤسس دولة الإمارات.