النهار

نوبل تُعيد الاعتبار إلى الأدب الأسيويّ والنساء... والكتّاب الأصغر سنّاً!
هبة ياسين
المصدر: القاهرة- النهار العربي
نوبل تُعيد الاعتبار إلى الأدب الأسيويّ والنساء... والكتّاب الأصغر سنّاً!
هان كانغ
A+   A-

أول كورية جنوبية تفوز بجائزة نوبل للآداب. مفاجأة جعلت من العالم كلّه مهتمّاً بالأدب الأسيوي والكوريّ. أمّا أسباب اختيارها فكثيرة، أهمّها مقدرتها على كشف هشاشة العالم، وتميزها بوعي فريد حول الروابط بين الجسد والروح، وبين الأحياء والأموات، بأسلوب شعري وتجريبي يجعلها رائدة في النثر المعاصر.

فرخ البطّ عوّام
ولدت كانغ في 27 تشرين الأول/ نوفمبر 1970 في غوانغجو بكوريا الجنوبية، وانتقلت مع أسرتها  للعيش في العاصمة سول في سن التاسعة، ووالدها الروائي الشهير هان سانغ وون،  بدأت مسيرتها الأدبية عبر نشر القصائد في مجلة "الأدب والمجتمع". وفي 1995، نشرت أول مجموعة قصيرة بعنوان "يوسو"، وفي 1994، بدأت مسيرتها كروائية بفوزها في مسابقة سيول الأدبية الربيعية، وشاركت في برنامج الكتابة الدولي بجامعة أيوا عام 1998.
فازت بجوائز عدّة، أبرزها جائزة الرواية الكورية الخامسة والعشرين في عام 1999 عن روايتها "بوذا الصغير"، وجائزة البوكر الدولية في عام 2016 عن روايتها الشهيرة "النباتي"، الصادرة عام 2007، التي تُعدّ أول رواية للكاتبة تنشر بترجمة إنكليزية، ومن أهم أعمال كانغ الأخرى: "الكتاب الأبيض"، و"الأفعال البشرية"، و"الدروس اليونانية". تهتم كانغ بالفن والموسيقى أيضاً، إلى جانب الكتابة، وهو ما ينعكس في نتاجها الأدبي.

 

نوبل للآداب والجندريّة
تُعدّ هان كانغ المرأة الثامنة عشرة التي تنال نوبل للآداب منذ نشأتها عام 1901. وكانت الكاتبة السويدية سلمى لاغرلوف أوّل امرأة تفوز بها عام 1909. 
على مدار تاريخها، كان معظم الحاصلين على الجائزة من الرجال، لكن يبدو أنّ "نوبل للآداب" تأخذ اتجاهاً جديداً في سياستها نحو مزيد من العدالة الجندرية، أو الانحياز الإيجابي لصالح النساء ومساواتها مع الرجل، إذ تنامى منحها للسيدات منذ العام 2000، وخلال العقد الأخير منذ العام 2013، حصلت 6 سيدات على الجائزة، وهن الكندية أليس مونرو، والبيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش، والبولندية أولغا توكارتشوك، والأميركية لويز جلوك، والفرنسية آني آرنو، وأخيراً كانغ.
كما أنّ "كانغ" تبدو صغيرة السن نسبياً (54 عاماً)، قياساً بالحاصلين على الجائزة، حتى صارت الجائزة أشبه بمكافأة تُمنح للأدباء في نهاية أعمارهم، وهذه الميزة قد تعطي "كانغ" حافزاً يدفعها إلى غزارة الإنتاج الأدبي وتنوّعه، فما زال أمامها المزيد من السنوات في العطاء والإبداع خاصة أنها تدرك أن العالم سيكون بانتظار أيّ منتج أدبي لها، وسيحظى بالاهتمام والترجمة.
صرخة ضدّ العنف 
لم يعرف القارئ العربي "كانغ" سوى عبر بعض اعمالها المترجمة ومنها روايتان صدرتا عن دار التنوير هما "النباتية" الفائزة بمان بوكر العالمية (ترجمها محمود عبدالغفار)، ورواية "الكتاب الأبيض" التي وصلت الى القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر العالمية عام 2018 (ترجمها محمد نجيب). 
يدور "الكتاب الأبيض" حول " الفقد" وكيفية التغلّب عليه، من خلال امرأة  تسافر إلى وارسو ، لحضور مؤتمر حول الأدب الكوري. أثناء وجودها هناك، تواجه ذكريات أختها الكبرى، التي ماتت بعد ساعتين فقط من ولادتها. تكافح الراوية من أجل التصالح مع وفاة أختها، تدرك في النهاية أنّه لا يمكنها أبداً استعادتها، لكنّها يمكنها أن تجد السلام في قبول فقدانها.
وحظيت روايتها "النباتية" بالشهرة الأكبر، لفوزها بالبوكر، خصوصاً أنّها نافست حينها مجموعة من الأدباء المرموقين عالمياً وعلى رأسهم أورهان باموق المتوّج بنوبل 2006. كما حلّت "النباتية" في المرتبة الثامنة والأربعين، ضمن قائمة "نيويورك تايمز الأميركية لأفضل 100 كتاب في القرن الحادي والعشرين.
لعبت ذكريات طفولتها دوراً مهمّا في تشكيل وعيها الأدبي، إذ شهدت "كانغ" في بواكير عمرها انتفاضة غوانغجوعام 1980 التي هاجمت خلالها القوات الحكومية المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية بإطلاق النار، وانطبعت تلك المشاهد في ذهنها، ورسّخت وجهة نظرها حول عنف البشر، وهو أحد أسباب نسجها لرواية "النباتية" إذ تقول كانغ : "أردت أن أصف امرأة يائسة لم تعد تريد أن تنتمي إلى الجنس البشري. فالبشر يرتكبون العنف".
تحمل رواية "النباتية" أبعاداً فلسفية وتتخذ منحى سوريالياً، وهي تتألف من ثلاثة أجزاء، ولكل جزء راوٍ مختلف. تدور أحداثها حول امرأة في الثلاثينات من عمرها تدعى "يونغ هاي"، تتوقف عن أكل اللحوم، وتسعى لأن تتحول الى شجرة، فهي زوجة مطيعة، قررت التمرّد على أعراف مجتمعها بسبب الكوابيس التي تراودها حول أكل اللحوم، وتعتقد أسرتها أنها تعانى من مرض عقلي. 
ثمّ تتوالى المعاملة القاسية السيئة للبطلة لرفضها أكل اللحوم، وتتعرّض للقهر والقمع من جانب زوجها ووالدها والرغبة في إجبارها على العودة الى طبيعتها وفقاً لمنظورهم.
كما تعتبر شخصية البطلة "يونغ هاه" تجسيداً لكثير من السيدات الكوريات في الاستكانة والخضوع للمجتمع، حتى أن زواجها يأتي إذعاناً لتقاليد المجتمع كي لا يفوتها قطار الزواج وتعاني نظرات المجتمع إليها.
وصف النقاد أسلوبها في "النباتية" أنّه فلسفيّ وكافكاويا، ويرون هذه الرواية تتجاوز قصة امرأة تأبى أكل اللحوم والتحوّل إلى "نباتية" بين جنبات مجتمع نهم باللحوم، بل تحمل بين ثناياها انتفاضة ورفض لسلطة المجتمع الأبوي الذكوري الذي يفرض إملاءاته ويمارس العنف والوصاية على المرأة  خصوصاً، ويرفض أيّ اختلاف عموماً، قاهراً أيّ متمرّد على تقاليده،  فرفض البطلة للحوم، بمثابة رفض للعنف البشري والمجتمعيّ بكافة أشكاله.
الأدب الكوريّ عربيّاً
رغم ثراء الأدب الكوريّ وطابعه الخاصّ، وتنوّع موضوعاته وأساليبه الأدبية،  لكنّ الأدب الكوري ما زال محدود الانتشار في العالم العربي مقارنة بالدراما الكورية مثلاً، والتي تجذب كثيراً من المتابعين العرب. لذا يُعدّ فوز كانغ بهذه الجائزة العالمية فرصة ذهبية للإضاءة على أعمالها وعلى الأدب الكوري عموماً، لذا قد تشهد الفترة المقبلة إقبالاً عربياً على ترجمة مزيد من الأعمال الأدبية الكورية، ما سيعدّ فرصة للاقتراب والتعرّف على المجتمع والتاريخ والثقافة  الكورية الثرية.

اقرأ في النهار Premium