النهار

التهديدات الجديدة لعالمنا بعيون "سي آي إي": "ابحثوا عن مثلث النار"
التهديدات الجديدة لعالمنا بعيون "سي آي إي": "ابحثوا عن مثلث النار"
وليم بيرنز
A+   A-

يأتي كتاب "التهديدات الجديدة لعالمنا من وجهة نظر وكالة الاستخبارات المركزية"، الذي وضعه كاتباه آدريان جولمز ولوكاس ميجنيت، وترجمته "دار جروس برس" إلى العربية، ضمن الأدوات الأميركية لدعم مواقف الحزب الديمقراطي الأميركي، باعتباره الجهة الأقل تطرفاً من دونالد ترامب وأمثاله في الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 أمام الرأي العام.  

وفي سياقه على مدى 374 صفحة من وقائع جلسة الاستماع لمدير "سي آي إيه" وليم بيرنز ومديرة أجهزة الاستخبارات الأمريكية الوطنية افريل هاينز، أمام مجلس النواب في ما يتعلق بغزو روسيا لأوكرانيا، بالإضافة إلى حقائق وأرقام مستمدة من كتاب "حقائق العالم" الذي نشرته الوكالة نفسها، يمكن الاستنتاج أنّ المصلحة الأميركية تقتضي تقليص الصراعات التي تهدّد مصالحها في منطقة الشرق الأوسط وتعزيز جهودها لإبقاء العلاقة الإسرائيلية "الدافئة" مع بعض الدول العربية، في ظل محاولات دول عربية تطبيع علاقاتها مع دمشق وتشجيع الحوار الإيراني ـ السعودي، ذلك أن الأولوية الأميركية تكمن في التعاطي مع ملفات تشكل خطراً أكبر على أمنها، بينها التحديات التي تشكّلها كل من الصين وروسيا ، إضافة إلى جهود مكافحة الإرهاب الداخلي و غزو الفنتانيل، وهو مخدر يتسبب في مقتل عشرات الآلاف من الأميركيين كل عام.

 

 

ويُعد بيرنز، المستجوب من مجلس النواب، واحداً من أكثر الأصوات الموثوقة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حول قضايا الشرق الأوسط، هو الذي تحول دوره إلى متجول لاستكشاف الأخطاء وإصلاحها في البيت الأبيض، من منطلق قناعته في أنّ ثورة التكنولوجيا تعمل على تغيير العالم، ومع ذلك ستظل هناك أسرار لا يستطيع سوى البشر جمعها وعمليات سرية لا يستطيع سوى البشر القيام بها.

أما في ما يتعلق بالشرق الأوسط: "مفتاح أمن إسرائيل والمنطقة هو التعامل مع إيران حول برنامجها النووي".

يشمل الكتاب في أقسامه تقييماً للتهديد السنوي لمجتمع الاستخبارات الأميركي، متناولاً في تقرير مفصّل رؤية الوكالة للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعديد من الدول (أوروبا الشرقية والشمالية، دول البلطيق، الشرق الآسيوي، المنطقة العربية) مع التركيز على من وصفته بـ"مثلث النار"، أي روسيا والصين وإيران.

أما مقدمة الكتاب، فمخصصة لرصد الهزات التي واجهتها الوكالة الأميركية مع بداية القرن الجاري، من هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 مرورا باحتلال العراق في 2003، وصولاً إلى التوقعات حول التدخل الروسي في أوكرانيا.

 

 

في الفصل المتعلق بإيران، الضلع الأخير في مثلث النار، يكشف مؤلفا الكتاب جولمز ومينجيت دور بيرنز أمام اللجنة البرلمانية في الإشراف على المفاوضات الدولية مع إيران عندما كان نائباً لوزيرة الخارجية الأميركية والذي وردت تفاصيله في كتابه "القناة الخلفية" الذي صدر بعد عقد اتفاق دول (P5+1) مع إيران عام 2015 من دون تطبيق بنوده بشكل كامل حتى الآن، وما قاله عن تحليلاته وتوقعاته في الشأن الروسي والحرب الأوكرانية، علماً أن أحد مناصبه السابقة كان سفير أميركا في روسيا الأمر الذي يجعله يعرف شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن كثب من خلال تعاطيه المباشر معه كسفير. وقد وصف معدا الكتاب بيرنز بالآتي: "عندما ترى شاربه الرفيع، وشعره الفضي، وأناقته الكلاسيكية، تظنه شخصية عريقة من كتب غراهام غرين. إنه ويليام بيرنز، الرئيس الجديد لوكالة الاستخبارات المركزية".

وماذا عن أهمية إيران من وجهة نظر "السي آي إي"؟ يأتي الجواب: "امتدادها الجغرافي الجد استراتيجي من الخليج إلى بحر قزوين، و بحدود 5540 كيلومتراً التي تتاخم أكثر المناطق اشتعالاً (العراق، وتركيا، وباكستان، وأفغانستان، وأرمينيا، وأذربيجان، وتركمانستان). مثلما هي ضرورة استراتيجية لروسيا والصين هي ضرورة استراتيجية للولايات المتحدة كذلك".

خلال جلساته أمام مجلس النواب، يقول بيرنز عن التهديد الإيراني في الشرق الأوسط: "لا أشعر بأي ندم حيال هذه المفاوضات. إنها كانت مهمة صعبة للغاية، وكما قالت المديرة هاينز، لا بدّ لنا أن نأخذ في الاعتبار دائماً أن التهديد الذي يشكّله النظام الإيراني لا يتعلق بالمسألة النووية والصواريخ فحسب بل بمصالحنا في الشرق الأوسط ومصالح شركائنا في تلك المنطقة. وبغض النظر عن كيفية تطور المفاوضات في شأن خطة العمل الشاملة المشتركة، أظن أن هذه التحديات ستكون حاضرة دائماُ لنا جميعاً".

وحين يسأل النائب الديموقراطي عن ولاية الينوي رجا كريشنامورثي: "يعتقد كثير من الناخبين الأميركيين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجنون، أو انه يخوض الحرب ضد أوكرانيا بجنون في سياق مفتوح، ما هو تقييمكم في هذا المجال؟".

يأتي جواب بيرنز: "لقد أصبح أكثر تجنباً لوجهات النظر الأخرى التي تختلف عن وجهة نظره وأكثر ابتعاداً عن الأشخاص الذين قد يتحدون ضده أو يشككون في آرائه. هذا الأمر لا يجعله مجنوناً إنما يجعل التعامل معه أمراً صعباً للغاية بسبب تصلّب آرائه مع مرور الوقت وتقلص دائرته الداخلية".

ويتضمن الكتاب، عدا "مثلث النار: روسيا والصين وإيران"، معلومات بالأرقام والتفاصيل السياسية والاجتماعية عن عدد من دول العالم بينها كوريا الشمالية وبولندا وبيلاروسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق في شرقي أوروبا ودول أخرى.

وهناك تأكيد على أهمية المعلومة التي تحصل عليها الاستخبارات الأميركية بالتقاطع مع الأمن السيبراني من أجل تأمين مخاطر تنتج عن: "قادة الدولة الإسلامية الذين يبدون التزاماً بمشروعهم المتمثل في إنشاء خلافة عالمية يقال إن مقرها في العراق وسوريا. وتنظيم ’القاعدة" المصمم على شن الهجمات على المصالح الأميركية في دول كاليمن والصومال وغرب أفريقيا. وحزب الله الذي يعمل مع إيران لتطوير قدراته واستكمال قدراته العسكرية المتنامية لمواجهة خصومه".

   ويضيء الكاتبان على بعض من النواحي في شخصية بيرنز، كديبلوماسي بارع، فيشيران الى اتقانه اللغتين العربية والروسية (فضلاً عن الصينية والفارسية). كما أنه كان سفيراً في موسكو. وقد حاول خلال السنوات التي أمضاها هناك الولوج الى البعد السيكو ـ تاريخي في تشكيل المجتمع الروسي .

يحكي بيرنز، أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي (8 آذار / مارس 2020 ): "لقد أمضيت سنوات في التفاوض مع الإيرانيين الذين - على الأرجح - السبب في شعري الأبيض، ولست نادماً على ذلك. بعد كل جلسة لا بد أن تضرب رأسك بالحائط لتعود الى وعيك. إنهم حقاً يشبهون السحرة أثناء المفاوضات".

وبالانتقال من تحديد المخاطر إلى حجم المعلومة الاستخبارية وكلفتها، تدور جميع الأسئلة المطروحة على بيرنز أمام مجلس النواب حول الثابت الآتي: " ماذا بالنسبة الى الولايات المتحدة؟ وإن استدعى الأمر السؤال عن دول أخرى من الجوانب التالية: احتياطي الذهب والدين الخارجي ودلالات الألوان في علم البلاد ونسبة البطالة ونظام الاتصالات والملاحة والموانئ والخدمة العسكرية وصافي معدلات الهجرة...".
وثمة سؤال آخر مركزي: " على الرغم من كل ما يجري في العالم... هل ستكون أميركا بخير؟".

اقرأ في النهار Premium