النهار

فنّ تقليديّ يواجه الزوال... صناعة القِرَب اليدوية حرفة محتضرة في اسكتلندا
المصدر: النهار - أ ف ب
القِرَب الأسكتلندية، تلك المزامير المشهورة بصوتها المميّز والقوي؛ جزء لا يتجزأ من الثقافة والتاريخ الأسكتلندي، تحكي حكاية شعب، ورافقت القوات التي هبطت في شمال فرنسا يوم إنزال النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية.
فنّ تقليديّ يواجه الزوال... صناعة القِرَب اليدوية حرفة محتضرة في اسكتلندا
روري بلاك يصنع مزمار القرب داخل محترفه في إدنبره (أ ف ب)
A+   A-

بدأت الآلة الهوائيّة تفقد بريقها تدريجيّاً مع تراجع الطلب عليها واستبدالها بالآلات المصنوعة بالماكينات، فبات استخدامها يقتصر على المناسبات الاحتفالية بشكل أساسي.

على مقربة من الشارع الملكي التاريخي في إدنبره، الذي يمتدّ من القلعة الشامخة في المدينة وصولاً إلى قصر هوليرودهاوس، يقف متجر يحمل لافتة باهتة لمُصنِّع القِرَب اليدوية "كيلبيري بايپز". في الداخل، يعمل روري بلاك، أحد القلائل المتبقين في إدنبره ممّن يتقنون صنع هذه الآلة يدويّاً.

"في كيلبيري، نحن من آخر صنّاع القِرَب اليدوية"، قال بلاك لوكالة "فرانس برس" بينما يُشكِّل أنبوبةً باستخدام آلة خراطة، "ليس فقط في إدنبره، العاصمة الأسكتلندية، بل ربما في جميع أنحاء العالم".

 

(أ ف ب)

 

يصف بلاك القِرَب بأنّ "لها صوت عالٍ، يملأ القاعة"، شارحاً المراحل التسع التي تمرّ بها صناعة الآلة المعقدة. فبعد الحفر وتشكيل الأنابيب، تُثَبَّت وتُضاف التفاصيل النهائية وتُجمع الأجزاء معاً. وتستغرق العملية بأكملها نحو أسبوع، يعمل خلاله الحرفيّون على آلات عدّة في الوقت ذاته.

يقول بلاك بفخرٍ إنّ المنتج النهائي يحمل "صوتنا المميّز"، مؤكّداً "السعي لتحقيق التناسق بين جميع الآلات، للتأكّد من أنّها تصدر الصوت نفسه".

 

(أ ف ب)

 

كلّ مجموعة مصنوعة يدويّاً تتمتّع "بطابعها الخاص، سواء من حيث الشكل أو الإحساس"، يقول، مما يجعلها جذابة للزبائن من جميع أنحاء العالم، حتى أنّ وقت الانتظار للحصول على قِرَب يدوية من "كيلبيري" حاليّاً يمتدّ لنحو سنتين، وفق ما ورد على موقع الشركة.

 

الشكل الأشهر
 يلجأ الزبائن إلى محترف "كيلبيري" للحصول على مجموعة قِرَب مصنوعة يدويّاً، "لأنّهم يريدون الجانب اليدوي في الصناعة"، على حدّ تعبير بلاك، "يبحثون عن الصوت الذي نسعى لتحقيقه، وهذا ما نريد أن يُعرف عنّا". وتشمل قائمة الزبائن عازفين متمرّسين وآخرين مبتدئين.

 

(أ ف ب)

 

على رغم أنّ القِرَب تعود في التاريخ الأسكتلندي إلى ما يقرب من 600 عام، فإنّ أصولها تظل غير واضحة. ثمّة أنواع مختلفة منها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك القِرَب الإيرلندية، وقِرَب نورثمبريا الصغيرة، والقِرَب التركية "تولوم". وفي بريتاني، شمال غرب فرنسا، هناك فرق موسيقيّة تُعرف بـ"باغاد" تتكوّن من قِرَب بريتانية أو "بِنيُو" وطبول.

لكنّ القِرَب الاسكتلندية تظلّ الأكثر شهرة، ولها تأثير كبير في الموسيقى العسكرية لبريطانيا ودول الكومنولث. ويُقام سنويّاً "الوشم العسكري الملكي في إدنبره" - وهو سلسلة من العروض العسكرية الموسيقية التي تضم فرق القِرَب - في أعلى الشارع الملكي.

وكانت آخر أغنية عُزفت في جنازة الملكة إليزابيث الثانية عام 2022 هي "نامي، عزيزتي، نامي"، التي عزفها عازف القِرَب الخاص بها.

 

"تعني الكثير"
على رغم دلالتها الثقافيّة، إلا أنّ القِرَب الاسكتلنديّة المصنوعة يدويّاً في طريقها إلى الزوال. بخلاف "كيلبيري"، يستخدم معظم المنتجين الآخرين الآلات في الصناعة. غير أنّ بلاك يؤكّد أنّه من السهل التفريق بين الآلات، فالقِرَب المصنوعة بالماكينات تفتقد الأشكال والزخارف اليدوية التي تميّز آلاته.

وأمام قلّة العمّال واستغراق كلّ آلة وقتاً أطول في الصناعة، يحاول المحترَف إبقاء التكاليف منخفضة لتمكين الزبائن من اقتناء آلة مصنوعة يدويّاً، "لذلك، فإنّ الأمر متروك للزبون ليختارنا على حساب المنتجات المصنعة بكميات كبيرة".

 

(أ ف ب)

 

وأشار إلى أن القِرَب المُصنَّعة بكميات كبيرة يمكن تمييزها أيضاً من خلال استخدام العاج المقلّد في التزيين.

يحاول الحرفيون أن يكونوا أكثر استدامة من دون المساومة على الجودة. وبالنسبة لبلاك، لا بديل عن صناعة القِرَب يدويّاً. "الحفاظ على الصناعة اليدوية يعني لي الكثير، إنها الطريقة التي كان صُنعت لطالما اعتُمدت، وتشعر بأنها الصواب"، أضاف.

"بالنسبة لشيء يحتضر بالكامل، ليس من الجيّد أن تكون من آخر القلائل"، يقول، "لكن من الجيّد أن تكون من يستمرّ في الحفاظ عليه".

اقرأ في النهار Premium