سنة 1973 انتهى العمل في بناء متحف الرسام الهولندي العالَمي فان غوخ (1853-1890)، وجاء تحفة معمارية جميلة من حيث شكل البناء، في "ساحة المتاحف" جنوبي أَمستردام. وبانتهاء حملة تجميع لوحاته من المتاحف العامة والمجموعات الخاصة، فتح "متحف فان غوخ" أَبوابه للزوار والسياح سنة 1974.
احتفاء بخمسينية المتحف (1974-2024)، أَكتب هذه الرباعية عن أَبرز أَعمال فان غوخ في متحفه.
في الجزء الأَول سردتُ قصة المتحف وتجميع اللوحات، مع اثنتَين من لوحات فان غوخ. وفي الجزء الثاني عرضتُ لمحةً عن أَربع لوحات أُخرى. وفي الجزء الثالث عرضتُ لمحة عن ست لوحات أُخرى.
في هذا الجزء الرابع والأَخير أَختم هذه الرباعية بلمحة أَخيرة عن خمس لوحات في متحف فان غوخ.
13. قاعة الرقص في آرْلْ
رسمها فان غوخ سنة 1888 في منتصف كانون الأَول/ديسمبر، وكان فنسنت لا يزال يرسم برفقة صديقه الرسام بول غوغان. وكانا يحلمان بإِنشاء "محترف الجنوب" للرسم يستضيفان إِليه رسامين آخرين. لكنَّ مزاج فان غوخ الانفعالي دفعه إِلى المشاجرة مع غوغان الذي غادر المدينة ولم يعُد إِليها ولا إِلى صديقه فان غوخ. سوى أَن تأْثيره على أُسلوب فان غوخ واضحٌ في هذه اللوحة من حيث تفاصيلَ كان يعمد إِليها غوغان في أُسلوبه. وفي هذه اللوحة كذلك تأْثيرُ الفن الياباني على فان غوخ، بارتفاع السقف وتقارب الوجوه من بعضها بعضًا بشكل غريب على أُسلوب فان غوخ في سائر لوحاته.
14. قيام لِعازر من الموت
رسمها فان غوخ سنة 1890 نقلًا عن لوحةٍ كان رامبرانت (1606-1669) وضعَها سنة 1632كما جاء الحدَث في إِنجيل يوحنا. وكان نسْخُ اللوحات الخالدة متكررًا لدى فان غوخ بين 1887 و1890، حين كان معزولًا في المصح العقلي (مدينة سان ريمي دو بروفانس)، ووضَع نحو 30 لوحة ناسخًا إِياها عن رساميه المفضَّلين. سوى أَنه لم "ينسَخ" التفاصيل تمامًا بل نسَخَ الموضوع وعاد فرسَمَه بأُسلوبه الخاص. من ذلك أَنه حذف الكثير من أَطراف لوحة رامبرانت وحذَف صورة المسيح مُركِّزًا على لِعازر وشقيقَتَيه. وعن بعض نقاد الفن أَن وجْهَي الشقيقتَين هما وجْها صديقتَيه أُوغُستين رولين وماري جينو. وكان فان غوخ فترتئذٍ أَبَلَّ حديثًا من علَّة مُمِضَّة أنهكت قواه، فكأَن قيامه من العلَّة شبيهٌ بقيام لِعازر من الموت. ولبعض شخصيات العهد القديم تأْثيرٌ عليه كما ذكرَ مرةً في رسالة إِلى شقيقه تيو.
15. بَدَن فينوس
رسمها فان غوخ خلال إِقامته في باريس سنة 1886، وهي واحدة من خمس لوحات رسمَها لفينوس في أَوضاع مختلفة. وتبدو فيها الواقعية لافتةً، خصوصًا في ثنيات الجسد. ووضع لفينوس أَيضًا عددًا آخر من التماثيل.
16. جمجمة في فمها سيكارة
رسمها فان غوخ سنة 1886 حين كان في أَكاديميا آنتْوِيْرْبْ (مدينة بحرية في بلجيكا). ويرجِّح النقاد أَنها تعليق ساخر على ما كان يُرسَم في تلك الأَكاديميا، لأَن العادة فيها رسم جماجم قبل رسم الوجوه أَو الأَجساد البشرية، وذلك لدراسة أَجزاء الرأْس أَو الوجه من الداخل قبل اتخاذه الشكل البشري جِلْدًا وبَشَرَة. ويبدو أَن فان غوخ كان ضَجِرًا من تلك الطريقة الأَكاديمية فرسَمَ هذه الجمجمة ساخرًا، ووضع في فمها سيكارة، وهو أَمرٌ غيرُ مأْلوف. ومن النقاد من رأَى في هذه اللوحة شُعورًا من فان غوخ بالموت إِذ رسَمها وهو في علَّة شديدة ووضْع صحي منهار، فشعر أَنه قريب من الموت. والسيكارة دليلُ إِدمان فان غوخ على التدخين حتى اليوم الأَخير من وفاته (29 تموز/يوليو 1890).
17. الخوخ يزهر في البستان
رسمها فان غوخ سنة 1887 نقلًا عن الرسام الياباني أُوتاغاوى هيروشيج (1797-1868). وفي رسالةٍ منه إِلى شقيقه تيو (أَيلول/سبتمبر 1888) كتَب: "فَكِّر بهذا: أَليسَت هذه شبهَ ديانة جديدة يُلقِّننا إِياها هؤُلاء اليابانيون وهم يعيشون حياة بسيطة في الطبيعة كأَنهم هُمُ الأَزهار"؟ وفان خوخ غيَّر في الأَلوان وجعل للوحته على يسارها ويمينها طَرَفَيْن ملأَهُما أَحرفًا يابانية استعارها من لوحات يابانية عدَّة.