باريس- أوراس زيباوي
تحت عنوان "أرخبيل"، يقام حالياً في منطقة وادي نهر اللوار مهرجان فني كبير مخصص للفنون الحديثة والمعاصرة، بالتعاون مع "مركز بومبيدو" الثقافي في باريس، الذي يغلق أبوابه لمدة خمس سنوات ابتداء من مطلع العام المقبل، كما أعلن رئيسه لوران لوبون في مؤتمر صحافي، في إطار ورشة ترميم كبيرة ستسمح بتجديده، لتصبح عمارته متلائمة مع شروط العمارة المعاصرة اليوم، ومنها ما يتعلق بالسلامة ومواد البناء غير المضرة بالبيئة.
يشمل التجديد أيضاً أساليب العرض واستقبال الزوار عند المداخل وفي الساحات التي يطل عليها المركز. إنها اول ورشة أشغال كاملة يخضع لها المركز العالمي منذ افتتاحه في عام 1977، لكن نشاطه الثقافي سيستمر بفريق عمله ومتحفه، وستُنظم المعارض والفعاليات في أماكن أخرى في باريس وفي المناطق الفرنسية، كما هي الحال اليوم في منطقة وادي نهر اللوار مع "مهرجان أرخبيل".
بصمات واضحة
لم يأتِ اختيار وادي نهر اللوار مصادفة، فالمنطقة كما هو معروف، تشتهر بجمالها الطبيعي وقصورها التاريخية التي شيدها ملوك فرنسا وهي مسجلة على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو. أقام فيها فنانون كبار تركوا بصماتهم واضحة على مسيرة الفن الأوروبي ومن أشهرهم ليوناردو دا فنشي الذي توفي في عام 1519 في قصر كلو لوسي بمدينة أمبواز، بعدما ترك إيطاليا وحلّ ضيفاً على الملك فرنسوا الأول ليساهم في عصر النهضة الفرنسية.
تنشط المعارض واللقاءات المخصصة للفنون الحديثة والمعاصرة ومنها المقامة حالياً في إطار مهرجان "أرخبيل"، كي لا تبقى المنطقة أسيرة تراث الماضي العريق.
يهدف المهرجان إلى إعطاء ديناميكية ثقافية فعالة للمدن المطلة على نهر اللوار، بالتعاون مع "مركز بومبيدو" الباريسي الذي أعار المهرجان نحو 30 عملاً فنياً تتوزع في المتاحف والمراكز الفنية والقصور في مدن بلوا وتور وشومون وأمبواز وأورليان. وبحسب لوران لوبون، رئيس "مركز بومبيدو"، يُعد المهرجان الأول من نوعه ببرنامجه المتنوع وفعالياته المقامة خارج العاصمة باريس في منطقة لها خصوصيتها المحلية المميزة.
في قصر شاتودان، تعرض الفنانة الفرنسية سوزان هاسكي (من مواليد عام 1975) "الحائزة جائزة الرسم اليوم" بسبب اعتمادها على الرسم والخطوط للتعبير عن عوالمها الخاصة. تستوحي رسومها من الطبيعة الشاسعة والأنهر المتدفقة والأرض بأشجارها ونباتاتها قبل أن تطالها يد الانسان لتلحق بها الأذى والدمار. الفنانة تهجس بالتحديات البيئية التي يعيشها كوكبنا اليوم وما يتهدد الانسان في حياته ووجوده.
بيت الجارية الكبيرة
أما في متحف الفنون الجميلة في مدينة أورليان، فيقام معرض يضم لوحة شهيرة بعنوان "الجارية الكبيرة" للفنان الفرنسي مرسيال رايس (من مواليد عام 1936)، أنجزها في عام 1964، وهي من مجموعة "مركز بومبيدو"، وتُعرض إلى جانب لوحات أخرى لفنانين منتمين إلى التيار التصويري السردي في الفنون التشكيلية، ومنهم جاك مونوري وبرنار رانسيلاك.
من أورليان إلى مدينة بلوا، حيث نتعرف إلى "مؤسسة السؤال" وهي مركز ثقافي مخصص للفنون المعاصرة أسسه الفنان الفرنسي الراحل بين فوتييه (1935-2024)، بالتعاون مع بلدية المدينة، ومن أهدافه عرض أعمال تطرح الأسئلة حول معاني الفن والأدب والموسيقى والإبداع بشكل عام بكل أشكاله، بأسلوب جرىء ومرح ومتحرر من القيود الموروثة.
لا تنحصر العروض بالفنانين الفرنسيين والغربيين، بل تشمل أيضاً فنانين قادمين من دول أخرى ومنهم من القارة الأفريقية كما في معرض بعنوان "أفارقة في كل مكان"، مخصص كله لأعمال فنانين أفارقة تُعرض في قصر مونغوجي، وتعكس حيوية الفنون المعاصرة في القارة السوداء اليوم، على الرغم من الإرث الاستعماري والفقر والحروب، حتى باتت حاضرة بقوة في صالات العرض وأسواق الفن، ومنها "معرض أكا" الجماعي الذي أقيم أخيراً في باريس للعام التاسع على التوالي، وحقق نجاحاً من حيث استقطابه فنانين من تيارات مختلفة، ومنهم من دول المغرب العربي ومصر.