النهار

جسرٌ بين الحضارة والحداثة... العُلا وجهةٌ للسياحة والثقافة والتاريخ!
علاء زريفة
المصدر: دبي- النهار
تعتبر العلا اليوم إحدى أبرز الوجهات السياحية في المملكة العربية السعودية، لما تمثله من ثروة تاريخية وثقافية ومهداً للحضارات القديمة الممتدة إلى أكثر من 7 آلاف عام.
جسرٌ بين الحضارة والحداثة... العُلا وجهةٌ للسياحة والثقافة والتاريخ!
صخيرة الفيل في العلا
A+   A-

هذا البعد التاريخي منح العلا موقعاً بارزاً على خريطة السياحة العالمية بفضل مخططات التطوير المستدامة في المملكة التي تتماهى مع رؤية السعودية 2030. 

تجسد العلا جسراً بين الماضي والحاضر، فهي تتضمن معالم متنوعة مثل "مدينة الحجر الأثرية"، والنقوش الصخرية والمساجد والقلاع التاريخية التي تكوّن جوهر الهوية الثقافية السعودية. وهذا ما جعلها أقرب إلى "كتابٍ مفتوح" يجمع بين التراث الغني والفن المعاصر، ويعزز مكانة المملكة كمركز للثقافة والفنون على مستوى العالم.

لا شك في أنّ مبادرات كثيرة مثل "رحلة عبر الزمن" وغيرها  تجعل من العلا نقطة جذب لملايين من السياح والباحثين والمهتمين بالآثار بحلول 2035. أما "شتاء طنطورة" فهو يستقطب الفنانين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم، هذا بالإضافة الى "إقامة العلا الفنية" و"مهرجان العلا للفنون" ونشاطاتٍ أخرى تعزّز صورة المملكة كوجهة عالمية للفنون من خلال الجمع بين التراث والتطوير المستدام. 

عن دور العلا الحيوي في تعزيز الارث الثقافي والحضاري للملكة العربية السعودية وعن تأثير ذلك على السياحة والثقافة والاقتصاد المحليّ وانسجام هذا الدور مع رؤية المملمة لعام 2030، التقت "النهار" السيد عبد الرحمن بن سليمان الطريري، المتحدث الرسمي للهيئة الملكية لمحافظة العلا، وكان هذا الحوار:

ما هي أهمية موقع العلا الأثري في وضع المملكة على خارطة السياحة العالمية؟ 
تُعتبر العلا من أهم مواقع الكنوز الأثرية في العالم، وتجسد مدينة الحجر الأثرية أحد أبرز المعالم التي تجسد الحضارات القديمة التي يمتد تاريخياً إلى أكثر من 7 آلاف عام، العلا ليست آثارا فقط، بل هو كتاب تاريخ مفتوح يروي قصص آلاف السنين، مما يجعل العلا وجهة للسياح من جميع أنحاء العالم، والتي يتم تدعيمها من خلال مخططات استراتيجية مختلفة تطبيقا لرؤية العلا. ومنها مثلا مخطط "رحلة عبر الزمن" الذي يغطي المنطقة التراثية الرئيسة من الحجر شمالا وحتى البلدة القديمة جنوبا، ومخطط التطوير الحضري في وسط وجنوب العلا "نحو مجتمع مزدهر"، الذي يركز بشكل رئيسي على تحسين جودة الحياة خاصه في قطاعات التعليم والصحة والرياضة.
لم تضع المملكة العلا على خارطة السياحة العالمية فحسب، بل جعلتها نقطة التقاء للماضي والحاضر، لتكون جسرًا بين الحضارات وتجربة ثقافية فريدة من نوعها.

 

 

كيف تساهم العلا في تعزيز صورة المملكة كمركز للثقافة والفنون؟
العُلا عبر التاريخ هي وجهة ملهمة للفنانيين والمبدعين، وأحبّ أن أسميها نسبةً إلى النقوش الصخرية "وجهة نقشها الفنانون"،  فهي منصة عالمية للإبداع الفني والثقافي. برامح وأنشطة مثل "شتاء طنطورة" مثلا تُظهر كيف يمكن المملكة أن تجمع بين التراث العريق والإبداع والتقنية الحديثة. العُلا تقدم للفنانين من كافة أنحاء العالم مساحة حرة للتعبير، مما يعزز صورة المملكة كوجهة عالمية للفنون والثقافة، ويجعلها مكانًا يجمع بين التقاليد والإبداع المعاصر.

ماذا عن أبرز الاكتشافات الأثرية الجديدة في العلا؟
العلا لا تتوقف عن إبهار العالم باكتشافاتها الجديدة من نقش إلى قرى أثرية، فالعلا من أكبر مناطق جذب العلماء والمختصين بالآثار حيث يعمل بها نحو 12 فريق أثري في عدة مناطق بالمحافظة، ونعيش معهم رحلة الدهشة عاما بعد عام. هذه الاكتشافات تسلط الضوء على تاريخ غني ومتنوع يمتد لآلاف السنين، مما يجعل العلا مميزة هو أن هذه الاكتشافات لا تضيف فقط إلى المخزون المعرفي، بل تعيد تعريف دور المنطقة كمحور حضاري عبر العصور، مما يعزز من جاذبيتها السياحية ويجعلها مقصدًا أساسيًا للجميع مع مشاركة هذا الإرث مع العالم. 

 

 

كيف يتماشى تطوير العلا مع رؤية 2030؟
مشروع تطوير العلا يُعد جزءًا لا يتجزأ من رؤية المملكة 2030. العلا تمثل مشروعا يجمع بين التراث والتنمية الشاملة المستدامة، هدفه تقديم تجربة سياحية مبتكرة تستفيد من الماضي لتشكيل مستقبل مزدهر، ما يجعلها مكانا مميزا للعمل والاستثمار والسكني، ويساهم في النمو الاقتصادي ويضمن الحفاظ على الهوية الثقافية الفريدة للمنطقة. اقتصاد العلا يعمل على تنويع مصادر الدخل، حيث تأتي الزراعة في المرتبة الثانية بعد السياحة كرافد رئيسي للاقتصاد المحلي، وركيزته الأولى النخيل. يتجاوز عدد النخيل في المحافظة الثلاث ملايين نخلة، ويتم تصديره لعدة أسواق أوروبية وآسيوية، بالإضافة إلى "بان العلا" والذي يستخلص منه أحد أجود الزيوت والتي أصبحت أحد مركبات مستحضرات التجميل لعلامات تجارية عالمية، كما تتسع سلة المنتجات الزراعية لتشمل عدة أنواع من الحمضيات والفاكهة أبرزها المانغو والتين والعنب.

ما الدور الذي يلعبه موقع العلا في تعزيز التراث الثقافي السعودي؟
العلا تمثل جوهر الهوية الثقافية السعودية. المواقع الإسلامية القديمة، المساجد التاريخية، والقلاع التي تشهد على حقب زمنية مختلفة، بالإضافة إلى الممالك العربية القديمة، ووجود نحو عشرة أقلام (لغات) منقوشة في العلا، كلها تعزز من مكانة المحافظة كمركز حضاري مهم. وهذا دليل حي على تأثير العلا في تاريخ المنطقة كملتقى للحضارات وطريق تاريخي للتجارة والحج، وجهود الحفظ والترميم تعزز هذا الإرث للأجيال القادمة.

كيف تسهم النقوش الصخرية في جذب الزوار المحليين والدوليين؟
النقوش الصخرية في العلا تمثل أرشيفًا حيًا يروي تفاصيل الحياة اليومية للقدماء. هذه النقوش تعطي للزوار لمحة عن طقوس الماضي وتفاعل البشر مع الطبيعة. العلا بفضل هذه النقوش تتحول إلى متحف طبيعي مفتوح يجذب الباحثين وعشاق التاريخ من كل مكان، مما يجعل من زيارة العلا رحلة عبر الزمن. وبحسب علماء الآثار فالنقوش المرصودة حتى الآن تجاوز الخمسة وعشرين ألف نقش، ومن المتوقع عبر برامج التوثيق الأثرية خلال السنوات المقبلة أن يتم مضاعفة العدد.

كيف تؤثر الاستثمارات في العلا على الاقتصاد المحلي؟
الاستثمارات في العلا تساهم بشكل كبير في تحسين حياة أبناء وبنات العلا، مع إتاحة فرص عمل واستمرار تطوير البنية التحتية، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد في العلا. الفعاليات الثقافية والفنية على سبيل المثل تجذب الزوار من كافة أنحاء العالم، مما يعود بالفائدة المباشرة على أبناء العلا عبر دعم الأعمال المحلية وتنشيط السياحة. الاستثمارات كذلك تحقق أثر على مستوى المنظومة الاقتصادية وسلاسل الإمداد، وتعطي موثوقية للبنية التحتية وفرادة الوجهة.

هل من اجراءات معينة للحفاظ على الطابع الأثري والتاريخي للعلا وسط عمليات التطوير؟
لدينا ركيزة رئيسة هو أن التراث الثقافي أساس ويجب الحفاظ عليه، وتشمل خطة تطوير العلا الدمج بين الحداثة والحفاظ على التراث. عمليات الترميم الدقيقة للمواقع الأثرية تجري بأسلوب يحترم الطابع التاريخي للمكان. الهدف ليس فقط الحفاظ على هذه المواقع، بل تقديمها للزوار بشكل يتيح لهم تجربة تجمع بين الأصالة والحداثة، مما يحافظ على الهوية التاريخية للعلا ويعزز جاذبيتها السياحية. وتعتمد استراتيجية الهيئة على ركيزة التوازن بين الطبيعة والتراث الإنساني والتطوير المقنن، وعدم التوجه إلى أعداد كبيرة من السياح على حساب المرتكزات الطبيعية.

ما هو دور أبناء وبنات العلا في عملية تطوير العلا؟
أبناء وبنات العلا هم الركيزة الأساسية في تطوير المنطقة، ويأتي ذلك من خلال البرامج التدريبية والفرص الوظيفية، يتم تمكينهم ليكونوا جزءًا فعالًا في عملية التنمية. هذا لا يضمن فقط مشاركتهم في الحفاظ على تراث منطقتهم، بل يعزز من ارتباطهم بالمشاريع السياحية والثقافية التي تجلب لهم الفوائد الاقتصادية والاجتماعية. هذا إضافة إلى دور الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة في تطوير الخدمات وربط سلاسل الإمداد بمشروعات المحافظة.

هل هناك خطط مستقبلية لزيادة جاذبية العلا السياحية؟
نعم، العلا لديها خطط طموحة لتوسيع جاذبيتها السياحية. تشمل هذه الخطط تطوير مسارات جديدة مثل المتاحف كمتحف طريق البخور، وصحراء x العلا، مع الاستمرار في استضافة الأحداث الرياضية وما يعرف بالرياضات التراثية مثل سباقات الهجن والقدرة والتحمل، والتقاط الأوتاد وكذلك الصقور، بالإضافة إلى تنظيم فعاليات ثقافية وفنية تجعل من العلا مركزًا عالميًا يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. هذه المشاريع ستعزز من جاذبية العلا كوجهة سياحية عالمية، ويبلغ العدد المستهدف نحو مليوني سائح سنويا بحلول العام 2035.

 

 

ما هي المشاريع الفنية والثقافية التي تم إطلاقها مؤخرًا في العلا؟
شهدت العُلا مؤخرًا إطلاق العديد من المشاريع الفنية مثل "برنامج إقامة العلا الفنية" و"مهرجان العلا للفنون"، هذه المبادرات تعطي للفنانين من مختلف أنحاء العالم فرصة التفاعل مع بيئة تاريخية غنية، مما يجعل العلا وجهة مثالية للإبداع الفني والتبادل الثقافي. كما تستضيف العلا في عام مؤتمر العلا للآثار، وفي العام الذي يليه سنشهد ندوة العلا للآثار، باعتبارها موقع مهم لمناقشة القضايا الأثرية بابعادها الإعلامية والإجتماعية أيضا.

كيف تتم التحضيرات لاستقبال الزوار في العلا؟
تتماشى تحضيرات العلا لاستقبال الزوار مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، مع تركيز خاص على رؤية العلا التي تهدف إلى تعزيز السياحة الثقافية والتراثية. يتم العمل على تطوير البنية التحتية بشكل مستدام يحافظ على البيئة والتراث، مع تحسين المرافق السياحية مثل الفنادق والمطاعم لتقديم تجربة شاملة ومميزة. رؤية العلا تسعى إلى تحويلها إلى وجهة عالمية، تقدم للزوار تجربة تجمع بين الأصالة والابتكار، مع الحفاظ على هوية العلا كوجهة تجمع بين التاريخ والطبيعة والفن.

ما هو الأثر المتوقع للمشاريع الفنية والثقافية الجديدة على أبناء وبنات العلا؟
المشاريع الثقافية والفنية في العلا تفتح أبوابًا جديدة لأبناء وبنات العلا من خلال المشاركة في هذه الفعاليات، يحصلون على فرص عمل جديدة ويعزز الفخر بالتراث، كما أن العديد منهم لديه ذائقة فنية مرتفعه ويقدم بالفعل أعمالا فنية مميزة. والجدير ذكره أنّ مدرسة الديرة التي تم إطلاقها قبل سنوات ساهمت ايضاً في تقديم برامج تدريبية في مناحي الفنون، وشهدت إقبالا كبيرا من أبناء وبنات العلا، وأصبحت منتجاتهم مطلوبة عبر نقاط بيع ومنصات البيع الإلكتروني.

 

 

ما هي الرؤية المستقبلية للعلا بعد عام 2030؟
نحن نعمل في الهيئة الملكية لمحافظة العلا وفقا لتوجهات رؤية السعودية 2030، حيث تستهدف العلا أن تكون وجهة عالمية للتراث والثقافة والفنون والرياضة والتاريخ، وكذلك تشمل تطوير المزيد من المواقع السياحية والفنية، مع التركيز على الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية. 

اقرأ في النهار Premium