بعد حياة حافلة بين الفن والاعتزال والعودة ثم الاحتجاب، غيّب الموت صباح اليوم الفنان المصري حسن يوسف عن 90 عاماً (1934-2024)، لم يكن التمثيل في حياته صدفةً بل عشقاً مارسه مذ كان طفلاً حين اشترك بفريق التمثيل المدرسيّ وكانت تجربته الأولى، وتعزّزت موهبته أكثر مع تشجيع الفنان الراحل عبد البديع العربي له، وكان جاره في السيدة زينب.
كان حسن يوسف عاشقاً أيضاً رياضة كرة القدم، ولعب ضمن فريق الناشئين في نادي الزمالك، وتمنّى احترافها، بيد أنّ لقاءً جمعه بالمخرج والفنان عبدالرحيم الزرقاني غيّر مساره بعدما نصحه بدراسة التمثيل، وتنبّأ له بمستقبل فنيّ واعد، فغادر ملاعب الكرة مبكراً إلى أضواء الفنّ.
نال حسن يوسف بكالوريوس التجارة عام 1955، ورغم معارضة والده دراسة الفن، حصل أيضاً على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية، حاصداً الترتيب الأول على الدفعة ما أهّله الحصول على بعثة دراسية في موسكو. لكنّه اعتذر بناء على نصيحة الفنان حسين رياض، الذي اكتشفه في المسرح القومي وقدّمه كوجه جديد في فيلم "أنا حرّة" بطولة لبنى عبد العزيز.
الفتى الشقيّ
اشتهر حسن يوسف بأداء أدوار "الفتي الشقي" خفيف الظلّ و"الدنجوان"، وظلّ حبيس هذه الشخصية لسنوات بعدما وجد المخرجون فيه ربما امتداداً لأحمد رمزي، فضلاً عن تميزه في أداء الأدوار الشبابية بمرح وخفة دم، وهذا ما جعله مختلفاً عن نمط النجوم الشباب آنذاك، والذين اتسموا بالجدية و"الدنجوانية" الثقيلة، فكان حسن يوسف من أوائل من كسر القالب الكلاسيكي الوقور لدور فتى الشاشة.
لكنّ حصره في تلك الأدوار حال دون اكتشاف طاقاته الفنية أو الاستفادة من موهبته وتطويعها في أدوار مختلفة.
رغم ذلك، تمكّن حسن يوسف من أن يصبح نجماً للأفلام السينمائية ولفترة طويلة، ووقف أمام نجمات كبيرات من مراحل مختلفة مثل سعاد حسني ونجلاء فتحي ونجاة وزبيدة ثروت ونادية لطفي وغيرهنّ.
ولعلّ الأدوار التي لمع فيها حسن يوسف وكسر من نمطية أدواره السابقة كانت الأدوار التي قدّمها للتلفزيون. في "زينب والعرش" (1980) مثلاً، غادر يوسف شخصية الفتى الشقي، مجسّداً دور الشخص الوطني المثالي، واعتبر دوره ذاك تأسيساً لمرحلة جديدة في حياته الفنية، توّجت بدوره المشهود في "ليالي الحلمية" (1987) بشخصية توفيق البدري، التي أجاد أسامة أنور عكاشة صياغتها وكتابتها، وبرع المخرج إسماعيل عبد الحافظ في تطويع يوسف والاستفادة من موهبته ونضجه الذي اكتسبه عبر السنوات.
شكّل هذان الدوران منعطفاً مهماً في تاريخ حسن يوسف الفني الذي قدّم من خلالهما شكلاً جديداً ومختلفاً عن أدوراه النمطية السابقة، فانتقل بعدهما إلى مرحلة اتسمت بالنضج الفني وكشفت عن مساحة أداء وموهبة لم
يستغلها المخرجون الذين حصروه أيام شبابه الأولى في أدوار الشاب المدلّل وما شاكل.
اعتزال التمثيل
مرّت حياة حسن يوسف نفسها بمحطات ومنعطفات فارقة، أبرزها قراره اعتزال الفن في بداية تسعينات القرن العشرين، ليلحق بزوجته شمس البارودي التي سبقته في الاعتزال بأعوام.
لا يمكن فصل هذا الاعتزال الفني لأحد كبار نجوم الفن المصري آنذاك عن سياقه العام والمجتمعي، إذ لم يكن حالة فردية بل عامة، طاولت الكثير من الفنانين والفنانات، ومثّلت انعكاساً لحالة من التحوّل الذي عاشه المجتمع المصري نحو التشدّد الديني والانغلاق. من هنا، فإنّ هذا الاعتزال لا يمكن اعتباره مجرّد حدث عابر، بل ظاهرة قادتها الجماعات الدينية، بعدما شهدت فترة السبعينات والثمانينات تناميها، وبزوغ نجم شيوخ التشدّد، وتعاظم سطوة الحركات الدينية بغطاء سياسي مستتر، قاده الرئيس المصري الراحل أنور السادات بإعلانه قيام دولة العلم والإيمان، ودعمه لتلك الجماعات لاستخدامها في أغراض سياسية لمواجهة التنظيمات اليسارية والناصرية وقتها، لكن امتدّ تأثير ونفوذ تلك الجماعات للمجتمع ونخبته الفنية والثقافية.
استهدف هؤلاء الشيوخ الفن والفنانين في مسارين متوازيين سواء بتحريم الفن وحثهم على الاعتزال، أو بتشويه صورة رموز الفن المصري، وشيطنة الفنانين وتحريض الرأي العام ضدهم مثلما كان يفعل الشيخ عبدالحميد كشك في خطبه في المساجد أو دخولهم البيوت عبر شرائط الكاسيت التي تنامى انتشارها، فيما عرف بظاهرة "شيوخ الكاسيت"، فمارس التحريض والسخرية من كبار الفنانين ومنهم أم كلثوم أو عبدالحليم وغيرهم.
العودة إلى التمثيل
عاد حسن يوسف الى الفن العام 2001، مكتفياً بالمشاركة في المسلسلات الدينية، مجسداً شخصية الإمام الفقيه محمد بن ماجة أحد كبار رواة الحديث الشريف، ثم جسد السيرة الذاتية للشيخ متولي الشعراوي العام 2002، والذي حقّق نجاحاً لافتاً، واستمرّ في بطولة الأدوار الدينية، حتى كان التحوّل اللافت العام 2010 ببطولته لمسلسل "زهرة وأزواجها الخمسة" أمام الفنانة غادة عبدالرازق، وتعرّض لهجوم وانتقادات حادة لمشاركته في هذا العمل، إذ رأى الجمهور أنّ هذا الدور لا يتناسب مع مسار حياته وتحوّله إلى التديّن واعتبر ازدواجاً بسبب طبيعة قصة المسلسل، وتمثيله أمام غادة التي عرفت بأدوارها الجريئة.
شمس البارودي... قصة حبّ حتى آخر العمر
تزوج يوسف من الفنانة لبلبة واستمرّ زواجهما 9 سنوات قبل أن يتمّ الطلاق، ثمّ خفق قلبه للفنانة شمس البارودي التي تزوجها عام 1972، بعدما جمعهما سوياً فيلم "رحلة حب"، فوقع في غرامها واستمرّا معاً حتى آخر العمر، وهي من أنجح الزيجات في الوسط الفني، إذ جمعهما في البداية حبّ الفن، ثمّ توافقا على الاعتزال، وشكّلا ثنائياً فنياً ناجحاً وقدّما عدداً من الأفلام مثل "الجبان والحب" و"كفاني يا قلب"، و"دموع بلا خطايا"، و"القطط السمان"، و"الطيور المهاجرة"، و"حبّ على شاطئ ميامي"، و"المجرم"، و"الزواج السعيد".
أنجب الثنائي أربعة أبناء، وفجعا بموت أصغر أبنائهما "عبدالله" غرقاً العام الماضي، ما شكّل نقطة تحوّل أخرى في حياة يوسف، إذ فُجع برحيل ابنه المبكر وأعلن الاحتجاب والاعتزال بعدها.
خاض يوسف الكثير من مجالات الفن حيث كان مخرجاً ومنتجاً، ومن أشهر أفلامه: "للرجال فقط"، و"حكاية جواز"، و"العزاب الثلاثة"، و"آخر شقاوة"، و"الشياطين الثلاثة"، "مطلوب أرملة"، و"الثلاثة يحبونها"، و"المغامرون الثلاثة"، و"الشقيقان"، و"شاطئ المرح" مع المطربة نجاة الصغيرة، إضافة إلى أفلام "شقة الطلبة"، و"اللقاء الثاني"، و"الزواج على الطريقة الحديثة"، و"7 أيام في الجنة"، و"السيرك"، و"شهر عسل بدون إزعاج"، و"نساء بلا غد"، و"الحياة حلوة"، و"إجازة صيف" وغيرها...