كان المخرج الفرنسي جاك أوديار يدرك بعد فوزه بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كانّ أنّ عليه بذل جهود كبيرة لإيصال فيلمه الغنائي "إميليا بيريز" إلى الـ"أوسكار"، وباتت لهذا العمل الذي يتناول قصة تاجر مخدرات يغيّر جنسه حظوظ كبيرة بالفعل ليتأهل إلى قائمة الترشيحات النهائية لجائزة أفضل فيلم أجنبي.
ويُتوقَع أن يُكثر المخرج البالغ 72 عاماً تنقلاته ذهاباً وإياباً بين فرنسا والولايات المتحدة في الأشهر المقبلة. فمنصة "نتفليكس" التي اشترت حقوق فيلمه الروائي العاشر لتوفيره عبر البث التدفقي اعتباراً من 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، لن تكتفي بخوضه المنافسة على "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، بل تعتزم ترشيحه في الفئات العامة، أي للسعي مثلاً إلى جوائز "أفضل فيلم" و"أفضل مخرج" و"أفضل ممثلة" وسواها.
وبعد مشاركة "إميليا بيريز" في مهرجانَي تيلورايد وتورونتو، عُرض في افتتاح المهرجان الأميركي للأفلام الفرنكوفونية في لوس أنجليس الأسبوع الفائت. ويُتوقَّع تالياً أن تكون الحملة أكثر كثافة مما كانت عليه عام 2010 حملة ترشيح فيلمه "آن بروفيت" (Un Prophète) لجائزة الـ"أوسكار" في فئة أفضل فيلم أجنبي.
وشبّه أوديار الأمر "بالانتقال من مسابقة رياضية في مقاطعة محلية إلى مسابقة أولمبية".
"وحي"
يتناول فيلم أوديار الحائز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كانّ قصة زعيم عصابة المخدرات المكسيكي النافذ مانيتاس الذي يعمد بكلّ ما يرمز إليه من ذكورية، إلى تدبير تواريه لتحقيق طموحه العميق، وهو أن يصبح امرأة تُدعى إميليا. وبعدما أصبحت المجرمة السابقة حرة في التصرف على طبيعتها، أسّست جمعية لمساعدة ضحايا الإتجار بالمخدرات. وعاودت التواصل مع زوجتها وأبنائها الذين كانوا يعتقدون أنها ماتت، من خلال التظاهر بأنها من أقرباء العائلة.
وبفضل هذا الدور المزدوج، دخلت الممثلة المتحولة جنسيّاً كارلا صوفيا غاسكون تاريخ مهرجان كانّ بفوزها بجائزة أفضل ممثلة، إلى جانب الممثلات الأخريات في الفيلم، زوي سالدانيا وسيلينا غوميز وأدريانا باز.
وكان لقاء أوديار هذه المرأة الإسبانية ذات التجربة الفريدة المتمثلة في تحوّلها جنسيّاً في سنّ السادسة والأربعين، وراء مبادرته إلى تعديل فيلمه، لجهة جَعل شخصياته أكبر سنّاً. وأوضح أنّ الدور الرئيسي كُتب أساساً لشخص يبلغ 30 عاماً، لكنّ شخصية بهذه السن لم تكن تتمتع بالصدقية لأنها لم تعانِ ما يكفي. وقال: "حاولتُ كثيراً، ولكن لم ينجح الأمر. وعندما جاءت غاسكون (...) كانت بمثابة الوحي".
وأضاف: "عندما يحصل التحوّل الجنسي في عمر 46 عاماً، لا أجرؤ حتى على أن أتخيّل كيف كان الأمر من قبل (...) كيف كانت حياتها وألمها". وقد دفعه اكتشافه غاسكون إلى إعادة صوغ الشخصية الرئيسية للفيلم لتناسبها، ما قد يتيح لها أن تصبح أول ممثلة متحولة جنسياً تُرشّح لجائزة الـ"أوسكار".
مزيج
يوصف "إميليا بيريز" الذي كُتب أساساً على شكل أوبرا، بأنّه عبارة عن "فيلم درامي غنائي"، يقع على مفترق طرق بين أكثر من نوع، من بينها أفلام المخدرات المشوّقة، والمسلسلات التلفزيونية، وأفلام المثليين...
وبدا هذا المزيج "واضحاً" لجاك أوديار، ليتمكّن من احتضان التحول والجوانب المتعدّدة للشخصية الرئيسية. وأفضت هذه المجازفة إلى عمل مميّز بدأت الصحافة الأميركية تصفه بأنّه الأوفر حظاً للفوز بجوائز الـ"أوسكار"، قبل وقت طويل من إعلان الترشيحات في كانون الثاني (يناير).
ومع هذا الفيلم "الذي نال استحسان النقاد"، ربما تمتلك "نتفليكس" هذه السنة "الخليط الرابح" القادر على انتزاع جائزة الـ"أوسكار" لأفضل فيلم، على ما رأت مجلة "فرايتي" الأسبوع الفائت. وفي حال تمكّن أوديار من تحقيق هذا الإنجاز، سيشكّل تتويجاً لمسيرة المخرج الحائز جوائز عدّة، والذي يميل في أفلامه إلى الشخصيات المختلفة والتي يُقلَّل شأنُها عادة. وقال: "أنا فضولي (...). يهمّني الأشخاص الذين توجد صعوبة في وصفهم".