النهار

رواية الحرب الأهلية الجزائرية توصل كمال داود إلى جائزة "غونكور"
المصدر: باريس- النهار
رواية الحرب الأهلية الجزائرية توصل كمال داود إلى جائزة "غونكور"
كامل داود وروايته الفائزة
A+   A-

كما كان متوقعاً، فاز الكاتب الجزائري - الفرنسي كمال داود بجائزة غونكور الفرنسية، وبإجماع اللجنة، عن روايته "Houris" أو حور عين (دار غاليمار، 2024). 
كانت الرواية قد وصلت إلى القائمة القصيرة بعدما أشاد بها النقاد واعتبرت من أفضل روايات الموسم الأدبي الجديد (2024)، إضافة إلى رواية أخرى اعتبرت منافسة لها هي "جكارندا" للفرنسي الروندي الأصل غاييل فاي. والروايتان تطرحان تيمة الحرب الأهلية، الأولى في الجزائر والثانية في رواندا. 
يأتي فوز كمال داود اليوم بعدما كاد أن يفوز بها عام 2015 عن روايته "ميرسو... تحقيق مضاد" التي وصلت إلى اللائحة القصيرة لجائزة غونكور. وتلك كانت تجربة الروائية الأولى والمفاجئة حين اختار أن يستكمل رواية "الغريب" لألبير كامو من وجهة نظر "العربي"، إحدى شخصيات رواية كامو. 
في روايته الفائزة اليوم، تناول داود مأساة العشرية السوداء التي قرّرت السلطة طيّ صفحتها بمحوها من الذاكرة الجمعية من دون أي مراجعة لما حدث خلال عشر سنوات راح فيها عدد لا يحصى من الضحايا. 

تروي فجر، الشخصية الرئيسة، وهي تقطن مدينة وهران، ما جرى لها ولأهلها ومحيطها في قرية في الطريق إلى بلدة غليزان (حدّ شكالة) بتاريخ 31 كانون الثاني/ يناير 1999. تمهّد له بصراعها مع الوسط الديني في حيّ تملك فيه صالون حلاقة نسوية قبالة مسجد يناصبها فيه إمامه العداء لتحرّرها في الهندام واستقبالها النساء متبرّجات للزينة. 

ولأنه يرى عملها تحدياً له ولأفكاره، يحرّض عليها عصابة تتلف الصالون ولا قانون يحميها، وهي في ضعفها، ضحية إرهاب عمره 20 عاماًًً.

وحدها تصرخ بما حدث لها في حديث صامت يسمّيه الكاتب (اللغة الداخلية) مقابل اللغة الخارجية، لأنها محرومة من النطق منذ تلك الليلة الدموية، فحبالها الصوتية مقطوعة، وحنجرتُها مثقوبة وسطها أنبوب بلاستيكي تتنفس منه، لذلك يأتي سردها على مطية استعمال ضمير المخاطب، المرسل إليه حمْل في بطنها من ثلاثة أشهر، تفترض أنه أنثى فتسمّيه (حورية) وحوريات أخرى هي مطمع غلاة الأصوليين الذين "جاهدوا" في ذبح الآلاف باسم فهم رجعيّ للدين وشريعة بتأويلهم الأعمى.

على امتداد 400 صفحة، تخاطب فجر ابنتها المحتملة حورية، تشكو لها فجيعتها، بقيت في البيت وحيدة حين سافرت الأم خديجة إلى بروكسل لبحث جديد عن جرّاح يعيد لها حبالها الصوتية. 

فجأة تقرر أن تقوم بمغامرة سفر عشية عيد الأضحى، أن تذهب إلى مكان الجريمة الوحشية في قريتها قبل 21 عاماً حين نزل الإرهابيون القتلة إليها وأبادوا أهلها، ومنهم أبوها وأمها وأختها تاتوموش، ذُبحوا ذبحاً وهي بدورها حزّها سكينٌ من الوريد إلى الوريد ونجت من الموت. 

ثم في زمن لاحق، نرى أنها أنجبت طفلتها وقد تراجعت عن مشروع إجهاضها كي تجنّبها العيش في بلد الحياة فيه غير لائقة. ثم إننا نعلم استردادها لصوتها، فلم تبق سجينة "اللغة الداخلية". هذا المونولوغ الداخلي، شكّل مع خطابات أخرى بوليفونية مرآوية لأوضاع اجتماعية دينية أخلاقية سلطوية، وأقواها خطابٌ نقديٌّ حادٌّ لتقاليد بالية موروثة وعقليات تهيمن عليها ثقافة رجعية، وتنديد بأشكال اضطهاد شنيع للمرأة. 

في قلب هذا كله تنديدٌ مضمر بالنسيان الذي أريد فرضه رسمياً على جرائم العشرية السوداء عقب مصالحة الدولة مع الإرهابيين الجزّارين. نعم، تنفتح الرواية على المستقبل لكنها ترفض النسيان.

اقرأ في النهار Premium