ليس سهلاً أن تغوص في النفس البشرية الشديدة التعقيد، لكنّ قصص "الريح لا تستثني أحداً” (منشورات حياة) للقاصّة السعودية عائشة مختار، تمكنت من الإبحار والغوص في تلك التعقيدات. وهذا ما خوّلها الفوز بجائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها الرابعة والعشرين، وعن هذه القصص، تقول الكاتبة عائشة مختار، وهي تحمل درجة الدكتوراه في علم التجارب العصبية والنفسية من جامعة مانشستر، إن علم النفس هو اختصاصها بينما الأدب هو هاجسها. وتضيف: "الإنسان هو ما يشغلني، والمواضيع المتعلقة به هي مجال اهتمامي سواء في كتابتي وتجاربي السلوكية والعصبية، على الأقل الآن".
في هذا السياق، ترى مختار أن الأسئلة- في كلا المجالين- متشابهة، لكنّ التناول مختلف، فتقول: "أنت تضع أشخاصاً من دم ولحم في موقف مفتعل لتعرف كيف سيتصرفون أو كيف ستتفاعل أدمغتهم في التجربة، وتضع كذلك شخصياتك في مواقف مفتعلة لتعرف كيف ستتفاعل معها، وعينك في الحالتين على لحظة التخلق وعلى المشوار وعلى النهاية".
وتصف هذه الفكرة بـ "المذهلة"، فتقول : "أجد دائماً أن هذه الفكرة مذهلة. الخبرة التجريبية تكتبها كما هي؛ لا تستطيع بعد التجربة أن تغيّر شيئاً، أو أن تحذف شيئاً، سواءً أحببت ما جرى أم لا، فأنت مسؤول عن كتابته كما هو. أما التجربة الإبداعية التي تعتقد -سواءً كان هذا صحيحاً أم لا- هي في يدك، فتستطيع أن تبتكر منها 100 نسخة إذا أردت عن القصة نفسها".
عوالم متخيلة
تدور قصص كتابها في عوالم متخيلة وانما شديدة القرب والتمثّل في الآن نفسه، إذ تحيك خيوط حكاياتها من نسيج الحياة.
وفي وصف الناشر لكتابها، نقرأ: "تغوض عائشة مختار عميقاً في النفس البشرية اتكاءً على خبرتها في علم النفس، فتحضر الأمومة بكل تعقيداتها، ويأتي الفقد يوجهه الكالح، وتطل الخطيئة كلافتة تذكر الإنسان بنقصانه الدائم.
يبدأ كل شيء بريح تعبث في قرية وادعة، فلا يبقى بعدها شيء على حاله، وفي حين اختار الجميع أن يغسلوا خطاياهم بماء التكتم والإنكار، تنحو فتاتان صوب الحقيقة وحدها فتطالعانها بأعين مفتوحة، لكن ذلك لا يمر من دون ثمن. إنها الحكاية ذاتها، حين يتوجب على الواحد أن يختار بين مصيرين، أن يتحقق بالمعنى مع كل رهقه، أو ينعم بالزيف حد التلاشي، هي الحكاية ذاتها إذن، لكن بعين جديدة وكلمات طازجة".
لغة تأملية
تتناول "الريح لا تستثني أحداً" قصصاً إنسانية واجتماعية بلغة شاعرية وتأملية، تعتمد على أسلوب سردي عميق ومعقد الى حد ما، حيث تتنقل بين العوالم الداخلية للشخصيات ومظاهر المجتمع المحيط، وتتميز قصصها بمشاهد درامية تلتقط لحظات محورية في حياة شخصياتها، مثل اللحظات التي تعصف بها الرياح.
وتظهر الشخصيات في مواقف متعددة: السعي إلى الفهم، أو التعامل مع الألم، أو التأقلم مع ظروف قاسية، وتدور الأحداث في إطار قروي يعكس تراثاً محلياً وتأثيرات البيئة القاسية.
في سردها الروائي، تسلط مختار الضوء على مشاعر الشخصيات وتطوراتها النفسية، فتظهر قصص المجموعة كفصول من رواية شاملة، كما تستند إلى تأثيرات أدبية من الأدب العالمي والمحلي، كما يظهر في استعاراتها الرمزية واستخدامها تقنيات سردية تعكس تأثراً بالأسلوب الحداثي في الأدب.
تتوغل عائشة مختار عبر أسلوبها الاستبطاني في دواخل الشخصيات، مستعينة بلغة شاعرية تضفي على السرد طابعاً فلسفياً وأحياناً وجدانياً.
غالباً ما تتركز الجمل في حيز من التردد والتساؤل، ما يعكس حال الشخصيات ونضالها الداخلي.
ولعل الريح هنا في عنوان المجموعة القصصية ليست مجرد مناخ، بل رمز للتغيير، للأقدار التي تعصف بالأفراد من دون سابق إنذار، ترتبط بالتحدي والألم والتحول، وفي باطنها دعوة إلى استكشاف الذات والبحث عن المعنى.