النهار

"مش روميو وجولييت"... المسرح في مواجهة التطرف
يسري عبدالله
المصدر: القاهرة- النهار
"مش روميو وجولييت"... المسرح في مواجهة التطرف
علي الجار ورانيا فريد شوقي
A+   A-

لن تحيلك مسرحية "مش روميو وجولييت" للمخرج المصري عصام السيد، والتي تُعرض الآن على خشبة المسرح القومي في القاهرة، إلى مسرحية شكسبير الشهيرة "روميو وجولييت" فحسب، لكنها تنطلق من لحظة راهنة، تعري فيها خطاب الجماعات المتطرفة، ورغبتها العارمة في ادّعاء  امتلاك الحقيقة، واليقين المطلق. هذا الخطاب الذي يتسرّب إلى تلاميذ مدرسة ثانوية، تحمل اسماً دالاً "مدرسة الوحدة"، والتي تتعرّض للشقاق بين صفوف أبنائها من المسلمين والمسيحيين، ولذا تتواتر الجملة المركزية: "إحنا مالكين الحقيقة.. إحنا راصدين أي قلب يدق دقّة ولو بريئة".

 

ومن ثم تكون الفكرة الملهمة التي يلقيها مدير المدرسة المستنير بأن يشترك التلاميذ في تمثيل مسرحية "روميو وجولييت". فنصبح هنا أمام دعوة للحب، والتآلف، والاعتقاد في قدرة الفن على التغيير، من خلال توظيف جيد لتقنية المسرح داخل المسرح، ولا يستغرق العرض في التماس مع مسرحية شكسبير، ولكن ثمة إشارات إلى مشاهد مفصلية في "روميو وجولييت"، من قبيل مشهد المبارزة، ومشهد الشرفة، وتبدأ العلاقات الدرامية في التحول التدريجي، ونرى ظلالاً لعلاقة رومنطيقية تربط  بين علي وميرنا. 

 

 

 

 

مشهد الذروة

تتمثل ذروة العرض في الحريق الذي يسعى لالتهام المدرسة، بما يحويه من دلالة ترمز إلى كل مشعلي الحرائق، من كارهي ثقافة الحياة، ومطاردي الإنسانية، وتصبح لحظة الذروة هذه هي ذاتها لحظة التوحّد، والعبور إلى نهاية مسرحية تعزز من قيم التسامح، والمحبة، والتقدّم، حيث يهرع الجميع إلى إطفاء الحريق، وإنقاذ المدرسة، والمسرحية معاً. 

 

ولا يتخلّف سوى نجاتي الذي يزرع الفتنة، ويحرّض على الكراهية، وقد طلب من علي ورفاقه ألّا يشاركوا في المسرحية معلناً أنها "لعنة".

 

 

 

 

صورة مسرحية
تدور أجواء العرض المسرحي في قالب غنائي استعراضي، ومن ثم يحدث الجدل بين الدرامي والغنائي في العرض المسرحي، وبما لا يؤثر على نمو الدراما، وتصاعدها.

 

وفي التقديمة الدرامية للمسرحية، ينفتح العرض على شجار يقع بين فريقين من التلاميذ، أحدهما يتقدمه علي، والآخر يتقدمه مايكل، جراء وشاية عن علاقة حب تجمع بين زهرة ويوسف، المدرسين في المدرسة، وتتناثر الأقاويل حول علاقة الصداقة البريئة التي تجمع بينهما، وتحاول صبغها بشكوك واتهامات مجانية. 

 

وتلعب الحوارات الدرامية الغنائية دوراً مركزياً في الكشف عن سيكولوجية الشخصيات محل الشائعة من جهة، ومروّجي الشائعة من جهة ثانية، فنرى زهرة تخاف للوهلة الأولى، غير أن يوسف يجعلها تتجاوز المحنة النفسية بقدر أكبر من الرغبة في استيعاب الآخر، ومحاولة إفهامه أن المحبة ليست جريمة. 

 

وفي خلفية العرض المسرحي يوظف المخرج المبدع عصام السيد تكنيكات الصورة المسرحية، بحيث يقسم خشبة المسرح تقسيماً دالاً في بعض المشاهد، ففي مقدمة المسرح نجد الممثلين الأساسيين في الدراما، وفي العمق نجد ممثلي الاستعراض، وفي الخلفية نجد شريطاً من الذكريات عن المكان الدال الذي جمع بين يوسف وزهرة، حيث حي شبرا العتيق، الذي يمثل جانباً مهمّاً من الروح المصرية في أشدّ تجلّياتها خلقاً، وتسامحاً، وابتكاراً. 

 

تبدو مسرحية "مش روميو وجولييت" مسكونة بالتفاصيل الدرامية، من قبيل رفع الهواتف المحمولة للتصوير، حال أي لقاء عابر يجمع بين يوسف وزهرة، ومثلما تُسائل المسرحية التطرّف، فإنها تُسائل التلصص والفضول الذي تلعب فيه التقنيات التكنولوجية الجديدة دوراً سلبياً في بعض الأحيان.

 

 

 

 

الدراما والغناء
تتكئ المسرحية على تيمة الحب بوصفها التيمة المركزية في الدراما، وتنهض أيضاً على جدل الدراما والغناء، كما تسعى إلى توظيف المساحات الكمية للخشبة المسرحية توظيفاً درامياً، والبناء الدرامي المتصاعد للشخصية المسرحية، وتحولاتها المنطقية، على غرار شخصية الطالب علي، الذي يفلت من براثن زميله نجاتي، أو تيريز المدّرسة التي تحب يوسف، وتسعى إلى الزواج منه؛ ولذا فهي تكره زهرة في البداية، لكن مشهد الحريق، واختناق يوسف، واعتقاد الكل في موته، تجعل من تريز في تحول درامي مبرّر، توقن أن الحب أفضل من الكراهية، والمحبة أبقى من الضغائن. 

 

طغت الروح الجامعة بين ممثلي العرض المسرحي وأبطاله على أجواء المسرحية، وبدا التناغم واضحاً في الأداء التمثيلي بين بطلي العرض، المطرب علي الحجار بصوته الشجي  القادر على الغناء في كافة المساحات الصوتية والإيقاعية، والممثلة رانيا فريد شوقي ببساطتها الآسرة، وأدائها الدور بلا افتعال. 

 

كذلك بدا الممثل الشاب محمد عادل بحيويته ولياقته الذهنية والبدنية مناسباً لدوره في المسرحية (علي، الطالب الثانوي)، إضافة إلى الممثل المسرحي المتمرس عزت زين بأدائه التعبيري الرصين والمدرك لطبيعة الدور.
"مش روميو وجولييت" مسرحية ممتعة، وقادرة على إثارة الأسئلة، ودفع المتلقّي إلى حافة التأمل، حيث الفن أداة مركزية في مواجهة التطرف، وتعزيز الانتماء، والانتصار لثقافة الحياة، ومن قبلها إنسانية الإنسان.

اقرأ في النهار Premium