النهار

عمر خيرت ضيف الشارقة... موسيقاه شكلّت جزءاً من ذاكرة السينما العربية
علاء زريفة
المصدر: الشارقة- النهار
حظي الموسيقار المصري عمر خيرت (75 عاماً) باستقبال جماهيري حافل ليلة الجمعة، خلال الجلسة الحوارية "سيمفونية حياة… رحلة عمر خيرت مع القلم والموسيقى"، التي شهدتها قاعة الاحتفالات الرئيسة في مركز "أكسبو الشارقة"، ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ 43، وقدّمتها الإعلامية منى الشاذلي.
عمر خيرت ضيف الشارقة... موسيقاه شكلّت جزءاً من ذاكرة السينما العربية
عمرت خيرت في الشارقة
A+   A-

حظي الموسيقار المصري عمر خيرت (75 عاماً) باستقبال جماهيري حافل ليلة الجمعة، خلال الجلسة الحوارية "سيمفونية حياة… رحلة عمر خيرت مع القلم والموسيقى"، التي شهدتها قاعة الاحتفالات الرئيسة في مركز "أكسبو الشارقة"، ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ 43، وقدّمتها الإعلامية منى الشاذلي. 

 

نقطة تحوّل

شارك خيرت محبيه، تفاصيل عن رحلته الفنية التي امتدت على أكثر من 65 عاماً، ووثّقها في كتابه "المتمرد: سيرة حياة"، استعرض فيه نشأته الأولى في بيت يفيض ثقافةً وفناً، حيث كان محاطاً بأصوات الموسيقى منذ الصغر، وبدأ تعلم العزف على البيانو في سن الخامسة. 
هكذا أخذ من ذلك البيت جذوره الفنية، قبل أن يخرج  لاحقاً عن "تقاليد عائلته" التي أرادت له أن يتخصص في مجال الطب أو الهندسة، لكنه قرر التوجه نحو عالم الموسيقى. 
كشف خيرت عن جوانب متعددة من شخصيته الإبداعية، وأثر نشأته على تشكيل رؤيته الفنية، والتحديات واللحظات الملهمة التي أسهمت في صياغة أعماله الموسيقية الخالدة.
تطرق في ذلك الحوار إلى أبرز محطاته المهنية ودور الراحلة فاتن حمامة في انطلاقته الأولى معتبراً أن علاقته بها كانت بمثابة "نقطة تحول"، وأنها "كتبت شهادة ميلاده في الفن" وكان لها الدور الأكبر في منحه العديد من الفرص في بداية مسيرته  حين وضع الموسيقى التصويرية لفيلم "ليلة القبض على فاطمة" عام 1984، وهو أول نجاح له. لتكون المرة الأولى في صناعة الموسيقى في مصر التي يتم فيها إعادة إنتاج موسيقى فيلم على شكل شريط صوتي، وهو ما أصبح علامة فارقة في صناعة الموسيقى عربياً. 
وأكد خيرت أن الفن "ملكٌ للجميع"، وأنه لا يشعر بنجاحه كموسيقي إلا من خلال تفاعل الجمهور مع أعماله الموسيقية، ولدى سؤاله عن أهمية "التثقيف الموسيقي" لجيل اليوم، أشار خيرت أنها تقع  على عاتق الفنان والجمهور اليوم. 
وفي مساء اليوم التالي، ليلة السبت الماضي، قدم خيرت حفلته وفيها عزف مقطوعات موسيقية شهيرة من أبرز الأفلام والمسلسلات التي شارك بها وارتبطت بذاكرة السنيما والتلفزيون العربيين وعاشت حتى الآن في وجدان الجمهور.  

عبقرية الإبداع
ولد خيرت في الـ11 من تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 (يُصادف عيد ميلاده يوم غدٍ) في حي السيدة زينب بالقاهرة، واتصف بملامح هادئة وابتسامة واثقة، تنعكس من خلالها روح الموسيقى التي تكوّن جزءاً من شخصيته وتفكيره، وتتجلى فيها عبقرية الإبداع وتوهج العطاء الفني. 
سبق أن قال عنه الموسيقار المصري الراحل عمار الشريعي بأنه "صاروخ، انطلق وكأن هدفه الدفع بالموسيقى العربية الحديثة إلى الأمام، من أهم العلامات البارزة في موسيقانا، حامل الأمل، الذي يحمل في قلبه وقلمه أملاً موسيقياً في طريقها إلى العالمية".
درس خيرت عزف البيانو في سن الـ 11 على يد الإيطالي "كارو" خلال دراسته في معهد الكونسرفاتوار في مصر، وانضم مطلع الستينات من القرن العشرين إلى فرقة " Les petits chats أو القطط الصغيرة" كعازف درامز، وكان لهذه التجربة أثرها الواضح في أعماله، ثم انتقل إلى لندن لدراسة التأليف الموسيقي في كلية "ترينيتي" للموسيقى، ما ساعده على المزج بسلاسة بين التقنيات الموسيقية الشرقية والغربية بمهارة لا مثيل له. 
بدأ في تأليف الموسيقى للسينما والتلفزيون والمسرح المصري، بعد حصوله على شهادته في البيانو ونظرية الموسيقى. بالإضافة إلى ذلك، كتب موسيقى للباليه المصري. تأثرت موسيقاه بالموسيقى الكلاسيكية العربية والأوروبية والموسيقى التقليدية المصرية والأفريقية وأيضاً، موسيقى الجاز والبوب والبلوز. ولعل  أبرز ما يميز موسيقاه هو طريقته في الجمع بين الآلات الموسيقية الغربية والشرقية.

علامة موسيقية فارقة 
عبر موسيقاه، ينسج خيرت الحائز على "شخصية العام الثقافية من جائزة الشيخ زايد للكتاب" عام 2023،  نسيجاً فريداً من إيقاعات الحياة، يجمع بين ضوضاء الشارع، وحياة الصالونات الراقية التي نشأ فيها، باستخدام لغة الموسيقى العالمية، كما في مقطوعته الشهيرة "صراع الأحفاد" التي تأخذ بدايتها طابع الموسيقى الشعبية في الموالد، قبل أن يتداخل معها صوت الكمنجات.
تتمثل قوة موسيقى خيرت المقترنة بـ"غزراة الإنتاج وتنوعه"، في خلق ألحان آسرة وعبارات موسيقية معقدة تغرس وجودنا بمجموعة من المؤلفات الموسيقية كـ"ضمير أبلة حكمت" و"العرافة" و"العطور الجميلة"، تمتد إلى النوتات الموسيقية السينمائية التي تجاوزت الـ50 فيلماً من أشهرها "الإرهابي، اليوم السادس، خلي بالك من عقلك، زهايمر، حب البنات، السفارة في العمارة". 
يمتلك خيرت قدرة فائقة على استيعاب المشاهد السينمائية وإعادة رسمها بموسيقاه. فهو لا يعزف فقط، بل يُترجم عمق الشخصيات وسير الأحداث من خلال الأنغام. 
تتجلى هذه الموهبة بوضوح في موسيقى "زوجة رجل مهم"، حيث يعكس الإيقاع والتصاعد الدرامي التوتر والصراع النفسي للشخصيات. إنها موسيقى لا تحتاج إلى مشهد، فهي بذاتها مشهدٌ حيّ ينبض بالأحاسيس، يستطيع السامع أن يتخيل السيناريو كاملًا عبر الأنغام وحدها.
وينسجم ما سبق، مع ما لحنه للدراما التلفزيونية التي تتجاوز الـ40 لحناً ومنها: "البخيل وأنا، عصر الفرسان، الهروب من السجن"، وتمتد إلى عالم "الموسيقى الشبابية" في الأغاني التي لحنها للعديد من المطربين مثل محمد منير، علي الحجار، أنغام، هاني شاكر، ولطيفة التونسية. إضافةً الى فوازيره الشهيرة "ما نستغناش"، "جيران الهنا"، "والحلو ما يكملش" نهاية الألفية الماضية.  

استمرارية العطاء
لا يزال عمر خيرت يقف على المسرح بثقة وإصرار، يقدم حفلات موسيقية مذهلة حول العالم، تجمع بين أجيال مختلفة من الجماهير. تراه وهو يعزف بروح شابة، يملؤه الشغف وكأنه في بداية مسيرته. 
حفلاته الموسيقية ليست فقط عرضاً فنياً، بل لقاء يجمعه بجمهوره الذي ينتظره بشغف ويتفاعل مع كل نغمة يعزفها. هذا التواصل المباشر مع الجمهور هو ما يجعل عمر خيرت حريصاً على الاستمرار، فهو يشعر بعمق الانتماء والمسؤولية تجاه هذا الجمهور الذي يحتفي بموسيقاه ويقدر إرثه الفني.
يُعبّر خيرت حول إحساسه الدائم بالتوتر من "مواجهة جمهوره" في أحد الحوارات بالقول: "يثير مشهد القاعة الممتلئة بالجمهور في حفلاتي شعوراً بالخوف. هذا الخوف هو رفيق دائم، يعكس عمق العاطفة والالتزام الذي استثمره في موسيقاي". 
ويؤكد ايضا على "رسالة موسيقاه" بالقول: "تتغذى رحلتي الموسيقية على الرغبة في الارتقاء بالفن وتعزيز التقدير للموسيقى النقية في مجتمع يفضل الأغاني غالباً على المؤلفات الموسيقية. أنا مكرس للنهوض بإرث الموسيقي الموقر أبو بكر خيرت، رائد التعليم الموسيقي في بلدنا من خلال المعهد الموسيقي".

اقرأ في النهار Premium