أحدث الكاتب السعودي أسامة المسلم ضجة كبيرة في معرض الجزائر الدولي للكتاب، بعدما شهدت جلسة توقيع آخر مؤلّفاته "الخوف" زحاماً غير مسبوق، وتدافعاً للحصول على نسخة موقعة منه، مما أثار ردود فعل متباينة، ودفع المتابعين للشأن الثقافي في الجزائر إلى طرح استفهامات كثيرة.
ولم يكن منتظراً أن يكون لحضور الكاتب السعودي في النسخة الـ27 من معرض الجزائر الدولي للكتاب، الجارية فعالياته في قصر المعارض في الجزائر العاصمة، كل ذلك الزخم، فقد عرف المعرض الذي انطلق في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري هدوءاً، كسره حشد من القراء، خصوصاً الشباب، الذين أتوا للقاء الكاتب السعودي من دون غيره من عشرات الكتاب الجزائريين والعرب، الذين بُرمجت جلسات توقيع لمؤلّفاتهم على مدار الأيام الأولى للمعرض.
فيديوهات وصور كثيرة للأعداد الغفيرة، التي اصطفت في طوابير طويلة للحصول على نسخة من كتاب "خوف"، تم تداولها على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مما اعتبره كثر ظاهرة مميزة، تُبرز شغف الجزائريين بالقراءة ومدى تعلقهم بمعرض الجزائر الدولي للكتاب، الذي سجّل غياباً طارئاً خلال سنوات أزمة "كوفيد 19"، وعاد قبل سنتين بكثير من الخجل، قبل أن يُسجّل هذا العام تجاوباً كبيراً.
وطرح مراقبون وكتاب جزائريون إشكالية اهتمام القارئ الجزائري بكتاب عرب وأجانب دون غيرهم من الأدباء والكتاب والمؤلفين من أبناء البلد، بالرغم من الإنتاجات الأدبية الكميّة والنوعيّة الأخيرة.
آلاف المنشورات تفاعلت مع ضجّة الكاتب السعودي في الجزائر، فكتب أسامة بوشماخ في "فايسبوك": "لو سألتهم عن أساتذتنا أمثال الأستاذ خدوسي رابح، والأستاذ سعيد بوطاجين، وصاحب الألفية الأستاذ قار علي إبراهيم، لما تعرّفوا عليهم، لكن ما يأتي من وراء البحار شرقاً وغرباً يدفع بأمواج بشرية تتسارع لالتقاط صور أو إمضاءات عابرة... هنا لا أدعو إلى الستار الحديدي؛ على العكس، أنا من الذين يطالبون بتدافع الأفكار. لكن لا بدّ من الوقوف عند الأسباب والدوافع التي تؤثر في شبابنا للارتماء بين هؤلاء الكتاب، وهم على جهل بأساتذتنا وأدبائنا الكبار".
وكتب محمد علواش: "تستطيع أن تسمّيه المعرض الدولي، لكتب أسامة المسلم!".
ويحمل الشاعر والكاتب الجزائري إبراهيم علي مسؤولية الاهتمام، الذي يوليه القراء الجزائريون لمؤلفات الأدباء والكتاب العرب والأجانب، إلى الكاتب الجزائري بدرجة أولى، مؤكداً أن "اهتمام القارئ بكتاب عرب، على غرار أسامة المسلم، بالرغم من حداثة اسمه في الجزائر، لم يتشكّل من فراغ، وخلفياته كثيرة"، مشيراً إلى أن "الجيل الحالي من الكتاب الشباب العرب وغيرهم يشتغل بجهود حثيثة وتقدم بيّن، إضافة إلى النكهة الخاصة به والبصمة المحلية التي أراها كبيرة ونافذة وتجعله يتميز".
ويضيف علي في حديثه إلى"النهار" أن عدم تبنّي المنتج الأدبي الجزائري إعلامياً، وعدم تقديمه بشكل واسع، عبر منابر صحافية وتسويقية، يُبقي ذاك المنتج قليل الانتشار، وقليل الوصول إلى المتلقّي أو القارئ؛ هذا علاوة على "ضعف استعمال الوسائط التواصلية من الكتاب الجزائريين للتعريف بإنتاجاتهم ومؤلفاتهم والتسويق لها، حتى من الشباب"؛ وهو أمر يدفع إلى ضرورة أخذ وسائل التواصل الاجتماعي على محمل الجدّ أكثر "لأنها السبيل الضروري حالياً إن أردنا مسايرة العالم أدبياً"، وفق ما يؤكّد علي، مشيراً إلى أن الازدحام على كتاب أسامة المسلم "ظاهرة صحية في نظري"، ومضيفاً أنه "ليس على الكاتب الاعتماد فقط على الأسس الجمالية للنص إنما عليه التفكير في أدوات وتقنيات أخرى يصل بها إلى القارئ. وأرى أنه لا بدّ من الاهتمام بما يُثير الجمهور ويجذبه".
وترى الإعلامية مريم زكري في حديث إلى"النهار" أن الحماسة التي رافقت جلسة التوقيع لكاتب سعودي "يمكن أن تكون علامة إيجابية، تؤكّد شغف الجزائريين بالقراءة، وحرصهم على لقاء كتابهم المفضّلين، وهذا جيد، كما أنها تعزّز التواصل بين الكاتب والقارئ، وتشجّع على انتشار ثقافة القراءة".
وتضيف: "يمكن تفسير ذلك أيضاً بالاهتمام بكلّ ما هو خارجي على حساب الإنتاجات الأدبية المحلية، وهو ما قد يُسهم أكثر في تهميش الكتاب الجزائريين على كثرتهم وإسهاماتهم المائزة"، مؤكدة أنه "من الجيد أن يبقى القرّاء منفتحين على الأدب العالمي. لكنه سيكون من الإيجابي أيضاً أن يمنح الأدباء الجزائريون المكانة ذاتها من التقدير والتشجيع، وأن يُسلَّط الضوء على إبداعاتهم، خصوصاً أن مجال الكتابة في الجزائر حاز العديد من الجوائز الأدبية العربية والعالمية".