بعد عام من التوقف بسبب العدوان على غزّة، يعود مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 45 (13-22 تشرين الثاني/نوفمبر)، ببرنامج ثري ومسابقات جديدة وبمشاركة 72 دولة و 194 فيلماً بينها 37 فيلماً كعروض عالمية أولى، 8 أفلام كعروض دولية أولى، بينما تبلغ عدد عروض الشرق الأوسط وأفريقيا 119 فيلماً.
الظروف السياسية الراهنة ألقت بظلالها على أجندة مهرجان القاهرة السينمائي، فرغم كونه تظاهرة فنية وثقافية، إلا أنه لم ينفصل عن محيطه العربي، إذ استأنف المهرجان أنشطته ببرنامج داعم للقضية الفلسطينية، وفعاليات تعكس التضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني، حرصاً على إبراز معاناتهما أمام الحضور الدولي المتنوع.
وهذا ما أكده رئيس المهرجان حسين فهمي في كلمته خلال حفل الافتتاح الذي شهد توشح معظم الفنانيين بالكوفيه أو خارطة فلسطين، فيما بدأت الحفلة بعرض للدبكة الفلسطينية لفرقة من غزة، واكتسى المسرح بالكوفيه الفلسطينية، فأشعل أجواءً حماسية وتفاعلاً من كل حضور الحفلة.
وفي كلمته الافتتاحية، قال فهمي "لا زالت القضية الفسطينية هي قضية مصر لأنها تمثل العدالة والكرامة، ومن مكاني أعرب عن تضامني مع أشقائنا في فلسطين وغزة، ولن ننسى إخوتنا في لبنان التي تعاني منذ سنوات وهي في اختبار صعب ونحن نتضامن مع شعبها".
أحلام فلسطين
في صدد التضامن مع فلسطين، عُرض فيلم "أحلام عابرة" للمخرج رشيد مشهراوي كفيلم الافتتاح، وشهد حضوراً كثيفاً. يقدم الفيلم فلسطين بكل جمالها وقساوتها، من حيث طبيعتها الخلابة وأماكنها التاريخية مثل القدس وحيفا، وقساوتها من حيث الاحتلال والحواجز والجدران العازلة، ووضعت كل هذه الأفكار عبر قصته القائمة على البحث عن طير مفقود يتنقل من مكان إلى آخر، فالطير لا تمنعه الحواجز ولا الجدران فهو أكثر حرية.
وحول الصعوبات التي واجهته خلال تصوير الفيلم في فلسطين، كشف مخرجه رشيد مشهراوي في تصريح خاص لـ"النهار" قائلاً: "التصوير صعب جداً في فلسطين بفعل سلطات الاحتلال، فأي شعب يقع تحت نير الاحتلال للأرض والإنسان يجعل الحياة عصيبة وصعبة، فما بالكم إذا أردنا تصوير أفلام تعبر عن هذه المعاناة، وأصعب شيء بعيداً عن الأفلام هي التنقلات وحركة الأفراد من مكان إلى آخر، وتزداد الصعوبة عندما نصنع فيلماً فكرته الرئيسة هي التنقل والحركة بين مدن فلسطين".
كواليس المهرجان
كان لافتاً لجمهور المهرجان غياب مدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن الافتتاح، ليتبيّن انه كان منشغلاً في إعداد كلّ التفاصيل اللوجستية ليبدو كلّ شيء على الوجه الأكمل، كما رصدت النهار تواجداً دائماً لزكريا بين الحضور لتذليل أي عقبات، وكذلك حرص حسين فهمي على متابعة الأمور التنظيمية وحضور معظم الفعاليات بحيوية بالغة.
لكنّ الحفلة شهدت استياءً من النقاد والصحافيين المدعوين من دول عربية، بحيث تمّ تخصيص الصفوف الأخيرة لهم، ما أعاق قدرتهم على المشاهدة والتغطية.
ضمت أجندة المهرجان برنامج "أفلام من المسافة صفر"، بعرض أفلام قصيرة تحمل الاسم ذاته، مقدّماً رؤية سينمائية عن الحياة اليومية وآمال وواقع السكان خلال الحرب الجارية. وثمة برنامج خاص بعنوان "أضواء على السينما الفلسطينية" يضم عرض أفلام فلسطينية روائية ووثائقية، وتحظى بإقبال على مشاهدتها.
بدوره ينافس لبنان بقوة ضمن مسابقات المهرجان عبر فيلم "أرزة" لميرا شعيب، الذي لقي استقبالاً حافلاً، والوثائقي "متل قصص الحب" لمريم الحاج ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، و"موندوف" لكريم قاسم في المسابقة الدولية.
وفي السياق ذاته، حرصت إدارة المهرجان على مقاطعة أي شركة على قائمة المقاطعة ليكون الرعاة من الشركات المصرية الخالصة.
مسابقات مستحدثة
يحفل المهرجان بأفلام تمثل تنوعاً من حيث المضمون والمستوى الفني ومراعاة التوزيع الجغرافي من كل قارات العالم؛ ما يتيح الفرصة للاطلاع على الثقافات المختلفة التي لا يتسنى للمهتمين بالسينما مشاهدتها لعدم إتاحتها في دور العرض أو حتى على المنصات الرقمية.
شهدت الدورة الحالية انفتاحاً على السينما الآسيوية عبر برنامج جديد هو "أسبوع الفيلم الصيني" بالشراكة مع مهرجان بيجينغ لإتاحة الفرصة للجمهور للاطلاع على الثقافة الصينية، وإفساح المجال أمام سوق التوزيع السينمائي كي يتسع لتجارب مختلفة بعيداً من السينما الأميركية والأوروبية.
وأضيفت خمس جوائز ضمن مسابقات جديدة، منها أفضل فيلم آسيوي، وأفريقي، و 3 جوائز لدعم برنامج "من المسافة صفر"، وجائزتان لأفضل فيلم فلسطيني.
ثمّة اهتمام بالأفلام الوثائقية وتخصيص جائزة لها للمرة الأولى، وقد يعود ذلك لكون المدير الجديد للمهرجان عصام زكريا صاحب باع طويل في المهرجانات الوثائقية كرئيس لمهرجان الاسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية لسنوات عدة.
وتزخر هذه الدورة بعدد من البرامج الجديدة، فثمة نهج جديد للمهرجان في ترميم الأفلام، وبعضها يعرض ضمن برنامج خاص للأفلام الكلاسيكية. وهناك برنامج "صنعت في مصر"، ويعرض أفلاماً صورت فى مصر حديثاً، وبرنامج آخر بعنوان "أفلام كيبيك المختارة".
محاضرة مع غاسبار نوي
يشهد المهرجان محاضرة مع المخرج الفرنسي غاسبار نوي، والمعروف بسردياته الجريئة في أفلامه. ما أثار كثيراً من الجدل بين أوساط المهتمين بالسينما نظراً لتحرره الشديد واستناده إلى المشاهد الجريئة في أعماله.
كرّم مهرجان القاهرة السينمائى ثلاث شخصيات سينمائية، هم المخرج يسري نصر الله بمنحه جائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر، وأحمد عز بجائزة فاتن حمامة للتميّز، وتكريم للمخرج دانيس تانوفيتش (رئيس لجنة تحكيم المسابقة الدولية)، من البوسنة والهرسك الذي توج فيلمه "أرض محايدة" بجائزة السيناريو من مهرجان كان، وأوسكار أفضل فيلم أجنبي، و٤٢ جائزة عالمية.
مسابقات المهرجان
تتنوع قائمة الأفلام المتنافسة بين العروض الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والعالمية الأولى. ويضم المهرجان مسابقة الأفلام الدولية والأفلام القصيرة وأسبوع النقاد، وآفاق السينما العربية، التي تعد ساحة لتنافس أفلام عربية مميزة، وتشهد هذه الدورة توسعاً في زيادة قيمتها لتبلغ (25 ألف دولار) تشجيعاً للأفلام العربية.
وقدم المهرجان الفنانة درة زروق كمخرجة ضمن مسابقة آفاق عربية، للفيلم المصري الوثائقي "وين صرنا" في عرض عالمي أول حظي بحضور واسع لنجوم مصر والعالم العربي، كما نال تصفيقاً حار اًعقب انتهائه. إذ يقدم قصة امرأة شابة من غزة، وصلت إلى مصر بعد الحرب، برفقة ابنتيها الرضيعتين.
ينسجم تصميم البوستر الرسمي للمهرجان مع التطورات التكنولوجية، إذ صُنع بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتقوم فكرته حول قطار السينما وحركته التي لا تتوقف في إشارة إلى استمرار السينما، وتقف فتاة تمثل الجمهور.