كان معرض الشارقة الدولي للكتاب على موعد استثنائي أمس، الأحد، مع أحد أبرز نجوم كرة القدم العالمية، النجم المصري محمد صلاح (32 عاماً).
لم تكن استضافة MO SALLAH، كما يحلو لعشاقه تسميته، حدثاً عابراً في هذا الحدث الثقافي المرموق، بل كانت محطة تعزّز فيها مكانته كرمز للنجاح والإلهام، ورسالة عميقة للجيل الجديد حول أهمية الثقافة والعمل الجاد.
في جلسته الحوارية وعنوانها "محمد صلاح يتحدث من الشارقة"، قدّمها الإعلامي الإمارتي أحمد سلطان ضمن فعاليات اليوم الختامي للمعرض، قدّم صلاح درساً حياً في كيفية المزج بين الطموح والمعرفة، وانعكاساً لـ"صورة صلاح" الملهمة للجيل الجديد التي تتجاوز حدود الملاعب؛ فهو "رسالة أمل" لكل من يسعى لتحقيق أحلامه.
لم يظهر صلاح كنجم رياضي فقط، بل كقدوة تمثل أحلام الشباب العربي الذي يرى فيه تجسيداً لحلم النجاح الذي تجاوز الحدود الجغرافية والاجتماعية. وهذا ما ميّز الحدث ليس فقط الحشود الغفيرة أو الحماسة الجارفة، بل التأثير الذي تركه صلاح في نفوس الجميع. لم يكن فقط لاعب كرة، بل أيقونة ألهمت كل من حضر ليرى في قصته انعكاساً لحلمه الخاص.
"صلاح! صلاح!"
عادةً ما يمتلئ المعرض بأحاديث الكتب والمثقفين، لكنه أمس، تحوّل إلى مسرح لـ"موسيقى الأمل والطموح". محمد صلاح لم يكن ضيفاً عادياً؛ كان رمزاً حياً لإمكانية تحقيق المستحيل. وبينما التقط الحاضرون في قاعة الاحتفالات الصور، كانت هناك نظرات تفيض بالفخر، وأحاديث تُروى للأطفال عن النجم الذي لا يعرف حدوداً.
تجمعت الحشود بالآلاف منذ ساعات الصباح الباكر، أمام بوابات معرض الشارقة الدولي للكتاب، ممن تدفقوا من كل صوب، شباب وأطفال، رجال ونساء، يرتدون قمصان نادي ليفربول، وعلم مصر، يجمعهم قاسم واحد: الشغف.
كان الهواء مشحوناً بالحماسة، وأصوات الهتافات تتعالى: "صلاح! صلاح!"، لتتردد أصداؤها بين أروقة المعرض كأنها أغنية "عشق جماعي". ما اضطر النجم المصري للرد بعفوية على أحد الحاضرين بعفوية وطرافة قائلاً: "يا ابني بس، أنا جاي أتكلم كلمتين". سرعان ما انتشر عبر مواقع السوشيل ميديا.
بدت القاعة وكأنها انفجرت بأضواء الكاميرات وصيحات الترحيب. عند دخول محمد صلاح، وقف النجم بابتسامته المعتادة، يلوّح للحشود. قال كلماته الأولى، ولكنها لم تكن مجرد كلمات؛ كانت جسراً من الإلهام يصل بينه وبين عشاقه. تحدث عن رحلته التي بدأت من ملاعب صغيرة في قريته المتواضعة، وكيف جعل من حلمه حقيقة بفضل الإصرار والعمل المستمر والدؤوب، ونموذجاً عملياً لشخص لم ينسَ جذوره رغم وصوله إلى العالمية.
الرياضة والثقافة يداً بيد
بدت شخصية محمد صلاح المتواضعة والقوية في الوقت ذاته واضحة في حديثه مع الجمهور، تناولت كلماته موضوعات متنوعة، مزجت بين الرياضة والثقافة، وتركزت حول فلسفته في الحياة ومسيرته المهنية.
عن سعادته بوجوده في الشارقة "أعلم جيداً أن معرض الشارقة الدولي للكتاب يُعد من أهم معارض الكتب في العالم، وعندما أفكر في الشارقة أتذكر النادي الذي لعب فيه اثنان من أصدقائي خلال فترة زمالتنا في نادي روما".
وأشار إلى أنّ القراءة، خاصة في مجالات علم النفس والتنمية الذاتية، لعبت دوراً كبيراً في مساعدته على مواجهة التحديات بثقة، وساعدته على فهم نفسي والآخرين، وهذا ما جعله قادراً على اتخاذ القرارات الصائبة تحت الضغط، وأن أكثر الكتب التي تأثر بها هو كتاب "فن اللامبالاة" للكاتب الأميركي مارك مانسون، قائلاً: "بالنسبة إليّ القراءة شيء أساسي للرياضي، على الأقل أن يقرأ في ما يخص عمله. القراءة في علم النفس مهمة للرياضي، ونجاح أي رياضي أو أي شخص في مجال آخر وراءه الثقافة الكبيرة".
وأضاف صلاح بهذا السياق: "استمتعت كثيراً بكتابات الدكتور إبراهيم الفقي، وأيضاً الدكتور مصطفى محمود الذي أعتبره أحد الكتّاب الملهمين لما قدمه من تحليلات وكتابات في مجالات متعددة".
أظهر صلاح أن الرياضة والثقافة يمكن أن تسيرا معاً لبناء جيل واعٍ وطموح. مزج بين قوته كلاعب وإيمانه كإنسان، ليترك رسالة مفادها أن النجاح ليس فقط في إحراز الأهداف، بل في التأثير الإيجابي على الآخرين. ودعا الشباب اليوم إلى عدم التوقف عن التعلم وتطوير النفس دائماً، فالنجاح الحقيقي هو أن تكون أفضل نسخة من نفسك.
عقلية التحدي
تناول صلاح أيضاً دور زوجته في حياته واستقراره وأهمية وجودها في ما وصل إليه من نجاحات. وأكد أنه يجب على المرأة أن تمارس دورها كاملاً إلى جانب الرجل، وأن المجتمعات المتقدمة لا يمكنها السير قدماً إلا كانت المرأة تتمتع بحضورها المادي والمعنوي كاملاً بحقوق وواجبات متساوية مع الرجل.
أوضح صلاح أن مسيرته من قرية نجريج الصغيرة في مصر إلى قمة كرة القدم العالمية في سن الـ19 متوجهاً نحو بازل السويسري، لم تكن رحلة سهلة، بل كانت مليئة بالتحديات التي حوّلها إلى فرص للنمو والتعلم قائلاً: "معتادون على أن اللاعب الذي يفشل في ناد أوروبي في بداياته يعود من جديد إلى بلاده، لكن الموضوع بالنسبة إليّ كان صعباً جداً. تجربتي في تشيلسي لم تكن ناجحة لأنني لم أكن ألعب. وبدلاً من أن ألوم المدرب أو الظروف كما تفعل الغالبية بدأت أنظر إلى الحياة من منظور آخر. وتساءلت: ماذا يفعل من يريد النجاح؟ من وقتها بدأ تفكيري يتغير تغيراً كبيراً".
وأضاف صلاح: "الاحتراف في الخارج لا يُكتب عنه شيء في الصحف، ولكن عربياً الصحف تكتب يومياً والعالم العربي لا فرق فيه بين المواهب العربية والأوروبية، لكنّ الفرق في العقلية، ولهذا علينا دعم المواهب دائماً وفتح الأبواب أمامها من أجل الاحتراف في سنّ صغيرة وخوض تجارب أكثر فائدة، ومساعدتها على تغيير العقلية وطريقة التفكير".
وتطرق إلى تألق زميله في المنتخب المصري عمر مرموش، لاعب نادي إينتراخت فرانكفورت الألماني، مطالباً الجمهور بالتوقف عن مقارنته به قائلاً: "عمر لاعب ذو إمكانات رائعة وله أدوار مهمة مع ناديه والمنتخب المصري، لكنني أطلب من الجميع أن يتجنبوا وضعه في مقارنات مع لاعبين أقدم منه، المقارنات تضعه تحت ضغط كبير وتظلمه، ويجب أن نمنحه الفرصة ليصنع تاريخه الخاص".
وعن احتمال كتابة قصة حياته، أكد صلاح نيته كتابة سيرته الشخصية، وأنه لم يجد عنواناً مناسباً يُلخص مسيرة كفاحه الشخصي بعد.