يستيقظ الصباح مع صوت فيروز، وتنام كواكب السحر عند جنح الليل على أنغام أغانيها. يدفعك إحساسك إلى أن تتعصب لصوتها.
لأغاني فيروز أبعاد في المعاني، ربما توازي جمالية اللحن ولا تتفوق على الصوت الساحر الذي يبهرك كي تردد دائماً ما تسمع من دون أن تكترث لطيات الكلام.
وكيف لأغانٍ تروي شغف الطفولة وتيم العشاق ألا تغلف التعابير أحياناً لتروي تفاصيل العلاقات بما فيها من إغراء وغمز ولمز؟ لذا، يأخذ بك الفضول إلى تشريح بعض الأغاني التي تحفظها عن ظهر قلب، لتكتشف تفاصيل غابت عن ذهنك بعدما أسرت سفيرتنا إلى النجوم قلبك وأحاسيسك.
في أغانيها ستجد الصبية التي تهرب من بيت أهلها عندما ينامون (إمي نامت ع بكير)، لتتسلل إلى بيت حبيبها، لكنها تتأخر حين تُفاجأ بأن أهالي الضيعة يسهرون على ضوء القمر (لا تعتب عليي أخرني القمر).
إلا أن ما أثار فضولي للمرة الأولى هو مقطع "فايق لمّا راحوا أهالينا مشوار، تركونا وراحوا قالوا ولاد زغار"، وتختمها بـ"نام الحكي والناس وانْهدّ السراج، وتكْيِتْ خصور الورد عَ كتف السياج، وفلّ القمر عَ ضيعتو وفلّوا الدراج، وقلّك بقاش بكّير وتقلّي اقعدي". فعن أي خصر تتحدث الأغنية؟ وما السياج الذي اتكأت عليها أزرار الورد؟ وما أوضح من عبارة "قلك بقاش بكير وتقلي قعدي"؟
وتغني فيروز: "وقالوا شلحلي ورد عَ تختي وشباكنا بيعلا" وهل تعلو الشبابيك أم تنزل دون مستواها حين ينام الناس؟
يقول الكبير منصور الرحباني إن الأخوين رحباني استوحيا فنّهما من التراث الشعبي الذي يلامس الإباحية، ولهذا جمالية بعيدة عن الوقاحة. ويستشهد في لقاء تلفزيوني مسجل بأغنية "هيك مشق الزعرورة". يقول: "لا يمكن فصل الجنس عن الحب، إلا أن الأعمال ترفعه إلى الأجواء الاحتفالية الطقوسية".
وللبناني مخيلة واسعة في تحوير الكلام وترداد عبارة "بلا معنى" ليترجم أي كلام إلى معانٍ إباحية ذات معنى.
الأمر نفسه إذا ذهبنا في مخليتنا بعيدا في أغنية "يمي ما بعرف كيف حكاني". هي صورة من صور "المعاكسة" في القرية القديمة، على ضفاف العين، حيث الانتظار والمواعدة. وحين تنتهي المواعدة ويصحو العشاق تركض تلك الفتاة البريئة إلى منزلها وتصف فيروز الحال بالقول: "ما وعيت كيف ركضت صوب البيت، قلبي يدق وكنت فزعاني، يمي ما بعرف كيف ما بعرف كيف".
إذا ما جرّدت نفسك من البراءة وحسن النيات، يمكن أن تستشف في كل أغنية تلميحاً واستدراجاً لعلاقة حميمة، وأكثر الأغاني صراحة "سهار بعد سهار تا يحرز المشوار، كتار هو زوّار شوي وبيفلّوا وعنا الحلا كلو".
ما أجمل من وصال على صوت سيدة العشق والنجوم، بغناء إن صنفته في خانة الإغراء فهو ذاك الإغراء الراقي، البعيد عن السطحية والوقاحة. وفي سماعها تذوق للفن وسفر في مسرح الخيال، ولك أن تنتقي ما شئت من معانٍ وصور، وافهم ما تريد أن تفهم واعنِ ما تريد أن تعني.