النهار

مكتبة محمد بن راشد تعقد أول مؤتمر عربي دولي حول ماضي المكتبات وحاضرها ومستقبلها
يصعب فعلا اختصار القضايا التي طرحت في هذا المؤتمر خلال ايامه الثلاثة، بمشاركة أكثر من 70 وما يزيد على 27 دولة.
مكتبة محمد بن راشد تعقد أول مؤتمر عربي دولي حول ماضي المكتبات وحاضرها ومستقبلها
من الجلسات.
A+   A-

عماد وائل

لعل مؤتمر دبي الدولي للمكتبات 2024، الذي عقدته "مكتبة محمد بن راشد" تحت شعار «مكتباتنا: الماضي، الحاضر، والمستقبل» هو أكثر من مؤتمر ومن لقاء عالمي اجتمع فيه اهل الاختصاص من أكاديميين وباحثين وإعلاميين وناشطين ثقافيين، إنه مناسبة يحتاج اليها قطاع المكتبات في العالم العربي اولا وفي العالم اجمع، بعدما اصبح عالم المكتبات اشبه ب"قرية" عالمية، يلتقي فيها جميع المتخصصين في هذا العلم كما الكتّاب والقراء، الذين باتوا على تواصل مع مكتبات العالم، في كل اللغات.
هذا المؤتمر الذي نادرا ما يشهد العالم العربي ما يماثله، يمثل حالا من التطور والتحديث، في ميدان الكتب والمكتبات، اللذين يحتاج اليهما عالمنا العربي في القرن الحادي والعشرين. فالكتب تظل في صيغها، الورقية والالكترونية، وكذلك المكتبات المتعددة الاشكال والوسائط، غاية ملحة لتحقيق التقدم الفكري والحضاري، ولإرساء قواعد المعرفة، على اختلاف تجلياتها ومشاربها. وكم يبدو العالم العربي يحتاج الى مثل هذه الخطوة الرائدة التي قامت بها "مكتبة محمد بن راشد"، في زمن تعاني القراءة حالا من انحسار واضح، وتواجه الكتب والمكتبات مشكلات عدة ، لا يسما بعد اجتياح الثقافة الالكترونية والبصرية والاستهلاكية اوساط الشباب والطلاب.
وكما أشار رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم،  الكاتب محمد أحمد المر، فإن المكتبات هي جسور تربط بين الثقافات، وحافظة  للإرث الثقافي لدى المجتمعات، وحاضنة للعلوم الحديثة والمتجددة بما يدعم مسيرة العلم والمعرفة ". والمر، عطفا على دوره الريادي في المسيرة السياسية والثقافية والمعرفية في الامارات، وترؤسه مناصب وطنية عليا، ومنها "رئيس المجلس الوطني الاتحادي"، هو كاتب وقاص، صاحب تجربة سردية فريدة، كرسته واحدا من الكتاب الاماراتيين والعرب الرواد في الفن القصصي الذي يضاهي الرواية والشعر. ولعل اعماله الكاملة الصادرة  في ثلاثة مجلدات، عن دار العودة، هي خير شاهد على المكانة التي يمثلها في ميدان القصة العربية. وله إضافة الى الاعمال السردية كتب عدة في حقول شتى.
يصعب فعلا اختصار القضايا التي طرحت في هذا المؤتمر خلال ايامه الثلاثة، بمشاركة أكثر من 70 وما يزيد على 27 دولة. وكما أشار المر، فإن «وجود هذه النخبة المعنية بقطاع المكتبات اليوم في دبي، يترجم التزامنا بتطوير القطاع والحرص المشترك على تعزيز رسالته المعرفية والحضارية، ولاشك أن هذه اللقاءات والمناقشات تشكّل فرصة لاستلهام أفكار جديدة، وتبادل التجارب المبتكرة، ووضع رؤى مشتركة تسهم في إحداث نقلة نوعية في عالم المكتبات".


شاركت في المؤتمر نخبة من الشخصيات البارزة والمؤثرة في مجال المكتبات والمعلومات، من بينهم المستشار الثقافي لرئيس الدولة والرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة، الدكتور زكي أنور نسيبة، ومدير مكتبة الإسكندرية، الدكتور أحمد زايد، ورئيس جمعية الإمارات للمكتبات، فهد المعمري، ونائب الرئيس المساعد في جامعة خليفة، الدكتور عبدالله خليفة الحفيتي، وأستاذة مشاركة من جامعة زايد كريستين إن. ستيوارت.
وشهد المؤتمر مشاركة وحضور الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات، شارون ميمس، ورئيس جمعية المكتبات والمعلومات البريطانية، لويس كوافيه-جن، إلى جانب البروفيسور محسن الموسوي من جامعة كولومبيا، والممثل الإقليمي للاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات «إفلا»، الدكتور سيف الجابري، ومدير الخدمات الرقمية في المكتبة العامة البريطانية في المملكة المتحدة، بن باري، إضافة إلى العديد من المسؤولين والقيادات والرموز الثقافية المعنية في قطاع المكتبات من حول العالم.
وبلغ عدد المشاركين في الدورة الأولى من نوعها لمؤتمر دبي الدولي للمكتبات، قرابة 2000 شخص من بلدان عدة حول العالم، بحيث تنوّعت خلفيتهم المعرفية والمهنية والثقافية بين العاملين والمختصين في مجال المكتبات والمعلومات والأكاديميين والعاملين في مجال الأرشيف، والمسؤولين الحكوميين وصانعي القرار في هذا القطاع الحيوي، لتبادل الأفكار والخبرات والتعرف إلى أحدث الممارسات في قطاع المكتبات والمعلومات.

ورش وندوات حوارية
ونظم المؤتمر أكثر من 66 ورشة عمل وندوة حوارية ناقشت موضوعات عدة، مثل أنظمة المكتبات، والملكية الفكرية، والذكاء الاصطناعي، والمكتبات المستدامة، وحفظ وترميم الأرشيف، ودور العمل الخيري في ضمان الوصول إلى الكتب.
وشهدت بعض الجلسات نقاشات ثرية حول أدوار المكتبات في عصر الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على الفرص الرقمية المستقبلية، إضافة إلى كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في المكتبات، واستكشاف المكتبات الأيقونية التي تحمل تراثاً ثقافياً غنياً، ودور المكتبات العامة في بناء جسور بين الثقافات وحماية التراث.
وسلطت جلسات الضوء على جاهزية المكتبات لمواجهة التحديات المستقبلية، واستعراض ملابسات وآثار الهجوم الإلكتروني على المكتبة قضايا الوصول المفتوح إلى المعلومات، ودور المكتبات الأكاديمية في تعزيز الابتكار، فضلاً عن استعراض التراث الثقافي لأوزبكستان وتطوره. وتم نقاش موضوع تعزيز التفاهم الثقافي بين الدول من خلال المكتبات، ودور المكتبات في دعم اللغة العربية، ومكافحة تهريب الآثار ودور المكتبات في الحفاظ على المقتنيات الثقافية، والعديد من الموضوعات حول مستقبل المكتبات العامة.

ودار النقاش حول استكشاف تحديات الذكاء الاصطناعي في قطاع المكتبات والنموذج الإماراتي في هذا القطاع الرائد، إلى جانب تطوّر صناعة النشر في دولة الإمارات، ودور اتحاد المكتبات الأكاديمية الإماراتية في تعزيز التعاون بين الجامعات. وشملت الجلسات ورش عمل حول الحفظ والترميم، واستخدام الذكاء الاصطناعي في الترجمة، إضافة إلى جلسة حول فن قراءة القصص، مع التركيز على تطوّر الكتاب كفن من العصور القديمة حتى العصر الحديث، والعديد من المحاور ذات الصلة.
وناقشت جلسة «كل شيء في اللعبة... تعزيز جاهزية المكتبات في المستقبل»، التي قدمها مدير العلاقات الخارجية في الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات «إفلا»، الدكتور ستيفن ويبر، مجموعة من المحاور الحيوية التي تركز على التحولات المستقبلية في مجال المكتبات، أبرزها تأثير الذكاء الاصطناعي، وتغيير ممارسات المعرفة، والتفاوت في توزيع التقنيات الرقمية.

 

 

وركّزت جلسة «الدعم والتواصل والتمكين: ما الذي يمكن أن تقدمه جمعيات المكتبات؟»، على أهمية الدور الحيوي لجمعيات المكتبات في تشكيل مستقبل المكتبات وتمكين المجتمعات.
وتناولت جلسة «إدارة المعرفة وإدارة المعلومات: كيف يحدد هذا مستقبل المكتبات؟»، التي قدمها رئيس جمعية المكتبات الكينية، البروفيسور بيتر غايتيتي، التكامل بين إدارة المعرفة وإدارة المعلومات والفرق بينهما، وتأثيرهما التحويلي في المكتبات، كما أوضح أن إدارة المعرفة تركز على تعزيز إنشاء المعرفة الضمنية والصريحة ومشاركتها وتطبيقها داخل المؤسسات، بينما تهتم إدارة المعلومات بجمع البيانات المنظمة وتنظيمها واسترجاعها من خلال حلول تعتمد على التكنولوجيا.
وناقش مؤسس مؤسسة بارجيل للفنون عضو مجلس أمناء الجامعة الأميركية في الشارقة، سلطان القاسمي، كتاب «بناء الشارقة» الذي يوثّق التحولات الدراماتيكية التي شهدتها الإمارة بعد اكتشاف النفط في عام 1972. و من جانبه، أكد رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، محمد المر، أهمية ربط الباحثين، والحفاظ على التراث الوطني وتوثيق تاريخ الدولة، بينما شدّدت عضو اللجنة العليا لمؤتمر دبي الدولي للمكتبات، إيزوبيل أبوالهول، على الحاجة الملحة إلى توثيق قصص مَن عاشوا السنوات التأسيسية لدولة الإمارات، لا سيما الجيل الذي شهد قيام الاتحاد.
وعلى هامش المؤتمر، استعرضت شركات «كلاريفيت»، و«نسيج»، و«هيئة المكتبات السعودية»، و«فوليت» أحدث التقنيات والابتكارات التي تعيد تشكيل مستقبل إدارة المكتبات والمعلومات في المؤسسات الأكاديمية والقطاعات الخاصة، وحظي الضيوف والمشاركون في الدورة الأولى لمؤتمر دبي الدولي للمكتبات بتجربة استثنائية من الضيافة العربية الأصيلة في دولة الإمارات.

وخلصت الدورة الأولى من مؤتمر دبي الدولي للمكتبات إلى مجموعة من التوصيات المهمة، من أبرزها تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في المكتبات لتحسين الخدمات المقدمة، وتطوير البنية التحتية للأمن السيبراني لحماية البيانات والمقتنيات الثقافية، والتعاون بين المكتبات الأكاديمية لدعم البحث والابتكار، وتبني سياسات الوصول المفتوح للمعلومات، وشددت التوصيات على أهمية الحفاظ على التراث الثقافي من خلال الحفظ الرقمي، إضافة إلى دعم صناعة النشر المحلية وتطوير مهارات العاملين في قطاع المكتبات عبر برامج تدريبية متخصصة.

اقرأ في النهار Premium