للعام الثاني على التوالي، تخيم الحرب في غزة ولبنان على أجواء مهرجان أيام قرطاج المسرحية، الذي اختار أن يكون شعار دورته الـ 25 "المسرح، الإبادة والمقاومة"، في تفاعل مع ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، وتعبيراً عن التضامن مع الفلسطينيين واللبنانيين في محنتهم.
وقال المشرفون على هذه التظاهرة الثقافية إنهم اختاروا أن يكون شعارها التضامن مع القضايا الإنسانية والعادلة، كما أكد ذلك مدير الدورة محمد منير العرقي الذي لفت إلى أن "الفن ليس للاحتفال فقط بل هو سلاح للمقاومة"، قائلاً: "الكلمة مقاومة.. والبسمة مقاومة.. والدمعة مقاومة.. والحركة والرقصة مقاومة".
وتابع مشدداً على أن "هذه الدورة تنتصر للقيم وللقضايا العادلة وللحق في الحياة، ولنشر ثقافة العقول المستنيرة ضد الإبادة، وتدعونا إلى المقاومة ثم المقاومة، لذلك اخترنا أن يكون موضوع الندوة الدولية.. المسرح والإبادة والمقاومة، نحو أفق إنساني جديد".
تتناول هذه الندوة، التي تهدف إلى مناقشة دور المسرح في مقاومة الحروب والظلم، العديد من المواضيع ذات العلاقة بمسرح المقاومة والإبادة، من خلال مناقشة محاور "الخصوصيات الجمالية لممارسة مسرح الابادة ومسرح المقاومة في مختلف المجتمعات وخلال الزمن الاستعماري والرأسمالي الاستهلاكي"، و"إيتيقا وضع الدمار والإبادة على الركح وتحويلهما الى مشهد مسرحي"، وعلاقة الفن المسرحي بعلوم الانسان والخوض في ذاكرات الإبادة والمقاومة والصناعة التاريخية الاجتماعية للهويات".
عصر التحديات
وأوضح العرقي أن الدورة الحالية تأتي في وقت يشهد فيه العالم العديد من التحديات الإنسانية، إذ يُعاني الفلسطينيون واللبنانيون من أشكال القمع والتسلط، مشيرًا إلى أن المهرجان يرفع شعار دعم الفلسطينيين واللبنانيين ويساند كل القضايا العادلة والشعوب المضطهدة في العالم.
ولفت إلى أنه تمت خلال هذه الدورة توجيه الدعوة لعدة مسارح مقاومة مثل البرازيل وفنزويلا كما تحدث عن الصعوبات التي اعترضت العديد من الضيوف للمشاركة في الدورة بسبب الـتأشيرات وصعوبة التنقل في إشارة إلى ضيوف المهرجان من فلسطين ولبنان.
ولم تغب فلسطين ولبنان عن سهرة الافتتاح التي كانت بعيدة عن البهرج واختار المهرجان أن يكون التضامن مع البلدين عنواناً لها فقد أثثها كل من الفنان الفلسطيني شادي زقطان والفنانة التونسية روضة عبد الله وفرقة "عيون الكلام" الملتزمة.
كما حمل العرض الذي قدم في شارع الحبيب بورقيبة بالمناسبة عنوان "فلسطين" وأمنته فرقة "أجراس" التونسية من خلال مجموعة من الأغاني الملتزمة والمنحازة للقيم الانسانية النبيلة.
دورة استثنائية
تمتد الدورة الحالية من 23 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى غاية 30 منه، وتحتفل بيوبيلها الفضي. لذلك، قال مديرها إن إدارة التنظيم حرصت على أن تكون هذه الدورة "دورةً استثنائيةً من حيث مضمونها وضيوفها".
وتحتفي الدورة الـ 25 لأيام قرطاج المسرحية بالمسرح السوري اعترافاً بمنجزه الكبير ومساهمته في بناء رصيد المسرح العربي، بينما كان عرض الافتتاح ليلة السبت الماضي مع المسرحية الصينية "عودة النجم" في عرضها الأول خارج الصين.
وتعد الدورة الحالية لأيام قرطاج المسرحية، وهي واحدة من أعرق التظاهرات المسرحية العربية والإفريقية، دورة استثنائية من حيث عدد المشاركات الدولية، إذ سيكون لجمهور الفن الرابع موعد مع 125 عرضاً من 32 بلداً من مختلف القارات.
ويتنافس على جوائز الدورة 12 عملاً مسرحيّاً من تونس وفلسطين والسنيغال ومصر وقطر والأردن والمغرب والإمارات العربية المتحدة والبنين والعراق ولبنان.
من السجون إلى خشبة المسرح
من بين أهم فعاليات الدورة الحالية لأيام قرطاج المسرحية، نجد فقرة مسرح السجون والتي دأب المهرجان على تنظيمها ضمن قسم "مسرح الحرية"، بالشراكة مع الهيئة العامة للسجون والإصلاح، وتهدف إلى تمكين المساجين بمختلف شرائحهم العمرية من عرض أعمالهم المسرحية أمام جمهور المهرجان وإبراز أن الفن يمكنه أن يكون أداةً للتأهيل والإدماج النفسي والاجتماعي.
ويشارك في الدورة الحالية أكثر من 100 سجين من مختلف السجون التونسية من خلال تقديم 11 عملاً مسرحياً من إنتاج نوادي المسرح في المؤسسات السجنية.
وتعود فكرة "مسرح الحرية " إلى عام 2017، حين تم تقديم أول عرض مسرحي خارج أسوار السجون، ومذاك تطور عدد العروض في هذا القسم، وبات واحداً من الأقسام القارة التي تشد إليها أنظار عشاق الفن الرابع من داخل تونس ومن خارجها.