مثلما ولدت في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني، رحلت في الشهر نفسه، في السادس والعشرين، عن عمرٍ شارف على التسعين، ومسيرةٍ حافلة سواء على المستوى الفني أم المستوى الإنساني. إنها جانيت جرجس فغالي المشهورة باسم صباح، صاحبة الألقاب الكثيرة، منها شمس الشموس، وصوت لبنان، وشحرورة الوادي التي انطلقت من مصر لتجوب سماء الفن والشهرة والموضة أيضا.
عاشت الشحرورة حياة صاخبة ما جعلها عُرضة لكثير من الشائعات، ولم تنفك الصحافة عن تتبعها أينما ذهبت، وكثيرا ما احتلت الصدارة في الترندات بمقاييس زمنها، خصوصا مع قصص الحب والزيجات المتكررة التي صاحبتها في رحلتها حتى سنواتها الأخيرة.
اكتشفت صباح موهبتها في فترة مبكرة، وكثيرا ما كانت تشارك في الغناء والرقص والتمثيل في مسرحيات المدرسة، هي التي أحبّت إحدى معلماتها من الراهبات وتعلقت بها الى حدّ التفكير في خوض حياة الرهبنة قبل أن تدخل الفنّ من أوسع أبوابه.
ثنائيات فنيةفي صبيحة أحد الأيام، ذهبت لاختبار الإذاعة بعدما عرفت بحضور الفنان فريد الأطرش ضمن اللجنة المقيمة للأصوات، غير أن فريد لم يُعجب كثيرا بصوتها الذي وصفه بـ "الصغير". لم يكن أمام الفتاة حينئذ سوى أمرين: الانتهاء من نوبة البكاء التي استولت عليها ثم مواصلة الطريق وكأن شيئا لم يحدث. غير أنها لم تستطع أن تنسى هذا الموقف لفريد، فانتظرت حتى جاءت الفرصة وعُرض عليها مشاركة ملك العود في باكورة تعاونهما معا سنة (1948) فاشترطت أن يُكتب اسمها قبل اسمه على الأفيش، وهو ما كان في فيلم "بلبل أفندي"، لكنه صار من أقرب أصدقائها.
بخلاف الأغنيات التي لحنها لها فريد، لم ينقطع التعاون بينهما سينمائيا، حيث اشتركا في بطولة فيلمين آخرين وهما: "لحن حبي"(1953) و"ازاي أنساك"(1953) الذي جمع بينهما في الدويتو الشهير "هو بس هو".
حظيت صباح بالبطولة منذ بدايتها وكانت خطواتها نحو الفن أشبه بقفزات متتالية، فمثلت في فترة كانت تشهد ازدهارا في السينما المصرية والفيلم الغنائي والاستعراضي تحديدا، فوقفت الى جانب محمد فوزي وفهد بلان وسعد عبد الوهاب ومحرم فؤاد، وعبد الحليم حافظ الذي شاركته البطولة في فيلم "شارع الحب"(1959).
في برنامج "ساعة صفا"، تحكي صباح عن بوادر قصة حب بينها وبين العندليب انتهت بانتهاء الفيلم، هي التي كانت دائمة البحث عن الحب وترغب في الاستقرار وتكوين أسرة، وربما هذا ما يُبرر زيجاتها المتعددة وكان آخرها مع فادي لبنان لمدة 17 عاماً.
لا بكاءويبقى ارتباطها بالفنان رشدي أباظة من أشهر وأهم المحطات في حياتها، حتى أنها تُشير في حوار سابق بأنها لم تندم سوى على قرار الانفصال عن أباظة.
لم تُنجب صباح سوى مرتين، الأولى من زوجها نجيب شماس والد ابنها صباح شماس، طبيب نفسي، أما المرة الثانية فكانت من عازف الكمان المصري أنور منسي والد ابنتها هويدا التي غنت لها "حبيبة أمها" و"أمورتي الحلوة".
ورغم أزماتها الشخصية المتعددة، ظلت صباح متسلحة بابتسامة جميلة ميزتها وجعلتها رمزاً للمرأة الشغوفة بالحياة. ولعلّ معظم من تعامل مع صباح وعرفها عن قرب، يُجمع على حبّها للناس وللحياة الى حدّ أنها تحدت المرض والشيخوخة، بل والموت ايضا حين أوصت بأن تُزفّ إلى قبرها على خلفية موسيقية دون بكاء أو عويل كمن يحتفي ببهجة الحياة حتى لحظة الخروج منها، وهو ما كان.