"حبيبي" هو أول فيلم روائي طويل للمخرجة النروجية ليليا إنغولفسدوتر، اكتشفناه في مهرجان تسالونيك السينمائي الذي أقيمت دورته الخامسة والستون من 31 تشرين الأول إلى 10 تشرين الثاني واستقطبت خلالها 89 ألف مشاهد عاينوا عشرات الأفلام التي عُرضت طوال 11 يوماً.
يتناول الفيلم قصّة ماريا (هيلغا غورن) التي تحاول إيجاد توازن بين مسيرتها المهنية ورعاية أطفالها وإدارة شؤونها المنزلية. زوجها (أودغاير تونه)، طلب منها الطلاق وتركها تواجه هذه التحديات بمفردها. تتنقّل ماريا بلا توقّف بين توقّعات المجتمع وتوقّعاتها الشخصية، فتجد نفسها غارقة في تفاصيل حياتها اليومية، وخاصةً مع ابنها الصغير وابنتها المراهقة المتمردة. الفيلم يتطرق إلى المشاعر بواقعية، وذلك من خلال سلسلة مشاهد حسّاسة ومتشابكة، في رد اعتبار واضح الى مكانة المرأة في المجتمع الحديث. نرى إلى أي مدى يمكن ان يصبح السعي إلى المساواة داخل العلاقة مصدراً للتوتر. وكيف يؤدي انفصال المرأة عن شريكها إلى التقرب من ذاتها وصولاً إلى اكتشافها.
فيلم يتحدّىالمعتقدات الشائعةحول الحبّ.
يأتي الفيلم بمعالجة نفسية معقّدة لماريا تتخللها لحظات ميلودراما. من خلال جلسات العلاج والمواجهات الأسرية، نتابع فصول اقترابها من مصدر غضبها. في النصف الثاني يتغير الطابع السردي بشكل ملحوظ، فيبدأ كشف الطبقات الأعمق لشخصية ماريا. بدلاً من مجرد التركيز على صراعات الزواج والانفصال، يتناول الفيلم أسئلة الهوية الشخصية والغضب المتراكم، والبحث عن الذات، وسط فوضى العلاقات الأسرية، مبتعداً عن كلّ ما أصبح من ثوابت وأفكار راسخة في أفلام الانفصال. هناك قدر من اللبس في رؤية الفيلم للأشياء، لا سيما في رسم الأشخاص الذين لا هم ضحايا ولا هم جلادون، ويأتي هذا من باب انصاف الطرفين.
يفتح الفيلم المجال للقول ان ماريا ليست ضحية بالكامل، بل لها دور فعّال في ما يحدث لها. هيلغا غورن، التي تضطلع بدورها، تقدّم أداءً متماسكاً يجسّد جملة تناقضات، مختصراً الطريق بين الباطن والخارج. هذا كله في فيلم لا يتطرق إلى انهيار الحياة الزوجية فحسب، بل يقدّم جردة دقيقة بالإحباطات التي يمكن ان تتراكم فتؤثّر في حياة الفرد وعلاقاته بالآخرين.
ليليا إنغولفسدوتر مخرجة وكاتبة سيناريو نروجية درست السينما في لندن وبراغ. لها مجموعة أفلام قصيرة، تجاوزت الـ20، عُرضت في عدد من المهرجانات الدولية. بعضها نال جوائز، من بينها "تجاهل" (2010) و"هونغ كونغ" (2015) و"ما نخشاه" (2020). تولّت إنتاج معظم أعمالها بمفردها عبر شركتها، وبالتعاون مع زوجها المصوّر السينمائي.
في مقابلة مع مجلة "سكرين دايلي"، صرحت ليليا إنغولفسدوتر انها أرادت ان تتحدّى المعتقدات الشائعة في الثقافة الحديثة حول الحبّ بين شخصين: "نحن نعتقد باستمرار بأنه إذا وجدنا "الشخص المناسب"، سنتحرر من مشكلاتنا وسنجد السلام. رغبتُ في استكشاف ما هو أعمق في الأزمة الزوجية. ما الذي تتكون منه حقاً؟ ولماذا لدينا هذه الأرقام المرتفعة من حالات الطلاق في المجتمع اليوم؟ كان ضرورياً تصوير الشخصيات كأفراد يحملون قدراً من الغموض والتعقيد. وددتُ ان أتحدّى السردية التي تقدّم الانفصال كرواية "ضحية وجانٍ"، حيث يكون أحد الطرفين سيئاً والآخر جيداً. كان في ودي طرح ديناميكيات العلاقة بين شخصين بالغين على نحو واقعي. أردتُ ان يتعاطف الجمهور مع كليهما، حتى لو كانت وجهة نظر الفيلم تركّز بشكل أساسي عليها هي. العلاقات الحديثة صعبة، لذلك طمحتُ إلى ان يشعر الجمهور بمعاناتهما معاً. في الفيلم، يتغيّر المنظور، فيدرك المرء ان السرد ليس كما كان يتصوّره. كلا الشخصيتين يحملان جراح طفولتهما، وهذا ما يؤثّر بشكل واضح في علاقتهما الحميمة".
جمالياً، تقول إنغولفسدوتر ان هناك حواراً بين الواقعي والشعري، وبين الأصيل والأسلوبي، في العديد من جوانب الفيلم. تروي: "أمضيتُ وقتاً طويلاً في البحث عن المواقع المناسبة. صوّرتُ في منازل حقيقية، أماكن يعيش فيها الناس فعلياً، حيث يمكن لمس آثار حياة عاشها أشخاص حقيقيون. حرصتُ على التقاط تلك الاهتزازات الحية في الفيلم، من تلك التي تضيف إحساساً بالزمن والتاريخ والواقعية. من جانب آخر، رغبتُ من الفيلم ان يحمل صفات سينمائية معينة ودقّة في طريقة تأطيره وتنظيمه. كنت على يقين من أنني في أيدٍ أمينة أثناء العمل مع زوجي، أويسثاين مامن، مدير التصوير. أويسثاين فنّان موهوب للغاية، يمكنه العثور على صور شعرية في أماكن لا تتخيل أنها موجودة".