تتواصل فعاليات الدورة 38 لمعرض تونس للكتاب الدولي الذي افتتح أعماله في 19 نيسان (أبريل) الجاري، ويستمر حتى 28 منه، مستقطباً مزيداً من رواد الثقافة ومحبّي القراءة. ويستضيف المعرض 25 دولة وتتصدر فعالياته شعارات التضامن مع الشعب الفلسطيني عبر وسائل عدة.
وترفع الدورة الحالية شعار "امض أبعد مما ترى عيناك... وفي يديك كتاب"، وتقدم لروادها أكثر من 109 آلاف عنوان بمختلف اللغات. ويضم المعرض 314 جناح عرض، منها 154 جناحاً من تونس و160 لعارضين عرب وأجانب.
دورة التضامن مع فلسطين
وقالت المكلفة بالإعلام هند السوداني لـ"النهار العربي" إن المنظّمين اختاروا أن تكون الدورة الحالية دورة "للتضامن مع الشعب الفلسطيني"، وأوضحت أنه يستضيف إلى جانب عدد من الكتاب الفلسطينيين"الكاتبة التي حرمت من تسلم جائزتها في معرض فرانكفورت للكتاب عدنية شبلي، والتي تزور تونس للمرة الأولى".
وتشارك فلسطين في المعرض بجناح خاص ضم مجموعة من الإصدارت والكتابات المتنوعة (بحوث، روايات، دراسات) تهتم بالتراث الفلسطيني والقضية الفلسطينية، فيما كان حضور المؤلفات والإصدارات التي لها علاقة بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لافتاً في أغلب الأجنحة العربية المشاركة.
ويضم الجناح الفلسطيني علاوة على كتب متخصصة بالفولكلور والتاريخ والثقافة الفلسطينية منشورات لكتاب فلسطينيين مقيمين في الخارج "ممن تمنع كتبهم في الداخل الفلسطيني"، وفق المدير التنفيذي للاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين جمعة الرفاعي الذي أوضح لـ"النهار العربي" أن "هؤلاء الكتاب الذين حرموا من أن تكون كتبهم حاضرة في بلدهم يسجلون اليوم حضورهم إلى جانب الكتب التي اشتغلت على الحركة الأسيرة"، وهي "في أغلبها كتب رأت النور بدايةً على ورقات داخل السجون الإسرائيلية وهُرّبت منها ثمّ جمعت في كتب تفضح ما يرتكبه الاحتلال في غياهب الزنازين".
ويقول مدير الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب محمد صالح القادري إن "هذا التضامن يأتي للتنديد بالجرائم المرتكبة في غزة، ولكسر الحصار الفكري على القضية الفلسطينية لأن المسألة اليوم تتعلق بمعركة وجود ثقافي"، معتبراً أنّ "المحافظة على التراث الثقافي تعد في لبّ الدفاع عن القضية الفلسطينية وفي لب الصراع مع إسرائيل".
ولاحظ "النهار العربي" الحضور الفلسطيني في الكثير من تفاصيل المعرض سواء من خلال الأعلام الفلسطينية المرفوعة في كثير من الأجنحة، أو من خلال الكوفية الفلسطينية التي تزين بها عدد كبير من الزوار وخصوصاً من الأطفال.
وإلى شبلي يستضيف المعرض ثلة من نجوم الأدب والثقافة في العالم العربي، ومن أبرز ضيوفه العرب الروائي الجزائري واسيني الأعرج، ومحمود بيرم حفيد الشاعر بيرم التونسي. وشهد المعرض تكريم الشاعر الكويتي الراحل عبد العزيز سعود البابطين، بحضور نجله.
ارتباك
وعلى خلاف الدورات السابقة نظمت الدورة الحالية في وقت قياسي ما أثر على عدد الدور المشاركة فيه وإقبال الزوار، وفق ما عاينه "النهار العربي" الذي جال بين مختلف أروقته وتحدث إلى عدد من عارضيه وزواره.
وأقيمت الدورة الحالية بعد ضغوط من الكتاب والمثقفين التونسيين في وقت كانت كل الدلائل تشير إلى تأجيله، ما استدعى حينها تدخل الرئيس قيس سعيد الذي أمر بأن يقام المعرض في موعده المحدد سلفاً.
ويقول الحبيب الماكني، وهو من العارضين المشاركين في المعرض، إن الحركة هذا العام عرفت تراجعاً خلال الأيام الأولى مقارنة بالدورات السابقة، مؤكداً أن تنظيمه خارج فترة العطلة المدرسية حرمه من جزء كبير من جمهوره الوفي وهم طلاب المدارس والمعاهد والجامعات.
جيل بعد آخر
ويرى كمال بن حديد، وهو أحد الزوار الأوفياء للمعرض منذ عقود، إن "المعرض فرصة جيدة للاطلاع على آخر العناوين الجديدة والقديمة"، موضحا في حديث لـ"النهار العربي" أنه يحرص كل سنة على تخصيص مبلغ مالي لشراء الكتب، وقد غرس هذه العادة في أبنائه الذين صاروا بدورهم من الزوار الأوفياء للمعرض. ويتابع أنه "من الجيد أن نربي الطفل على حب الكتاب والقراءة لأن ذلك ما يساهم في بناء شخصيته في وقت غزت التكنولوجيا كل تفاصيل حياته".
ويُولي معرض تونس الدولي للكتاب أهمية كبرى للأطفال الذين باتوا من بين أهم روّاده في السنوات الأخيرة.
وتضمن برنامج الدورة الحالية 280 ورشة للأطفال تتوزع على 7 أجنحة علاوة على تخصيص حيز كبير من الأنشطة لورشات تعنى بالذكاء الاصطناعي.
"دار النهار" حاضرة
وتشارك "دار النهار للنشر" اللبنانية في هذا المعرض من خلال جناح خاص يعرض منشوراتها الحديثة والقديمة، وهي منوّعة في اختصاصات مختلفة.
وتقول إليز بشعلاني المشرفة على الجناح إن ثمة إقبالاً لافتاً من القراء التونسيين، الذي يهتمّون بالاطّلاع على العناوين ومضامين الكتب بحرص شديد، موضحة أن "الكتابات السياسية لا تزال تجذب القراء ممن يريدون أن يفهموا الوقائع التاريخية".
وتضيف بشعلاني أن الاقبال الكبير على معرض الكتاب في تونس يدحض الاعتقاد السائد لدى السواد الأعظم بأن الكتاب في طريقه للاندثار، لافتة إلى أن "ثمة من يعشقون لمس الورق الذي لا تعوضه وسائل التكنولوجيا الحديثة"، وتابعت: "من أجل هؤلاء نحن نستمر في تقديم انتاجات ومنشورات تساهم في تنشئة أجيال جديدة تعلي قيمة العلم والثقافة".