النهار

بين "الجرأة" و"الثوابت"... "هوّارية" رواية جزائرية تقسم الوسط الثقافي
الجزائر-نهال دويب
المصدر: النهار العربي
بسبب لغتها الجريئة جداً، أثارت رواية "هوارية" للجزائرية إنعام بيوض عاصفة فكريةوصل صداها إلى مبنى البرلمان الجزائري، وسط مطالبات بسحب جائزة "آسيا جبار" منها.
بين "الجرأة" و"الثوابت"... "هوّارية" رواية جزائرية تقسم الوسط الثقافي
غلاف رواية "هوّارية" للراوية الجزائرية إنعام بيوض
A+   A-
أثارت رواية "هُوّارية" للروائية والمترجمة الجزائرية إنعام بيوض عاصفة فكرية لن تهدأ قريباً، وصل صداها إلى مبنى البرلمان الجزائري، إذ انقسم الجمهور بين مؤيد انحاز إلى جرأة الكاتبة ودافع عنها ورحب بتسليطها الضوء على ما يجري في دهاليز الأزقة والحارات الشعبية المهمشة في وهران، ومعارض اعتبرها خروجاً على الثوابت وتطاولاً عليها بسبب "البذاءة في اللغة".
 
التقطت مؤلفة الرواية تفاصيل جريئة من حياة الشابة "هوارية" التي عايشت الحرب الأهلية بين عامي 1990 و2000، فولجت عالم الدعارة والملاهي الليلية التي لم تكن تراها إلا في الأفلام المصرية القديمة بالأسود والأبيض، وأحالت القراء إلى عالم "البقارين" (تسمية محلية تطلق على حديثي النعمة) و"المومسات" المتبرجات، وعلاقة المال بالفساد، كما غاصت في عالم المخدرات.
 
في الباطن، هذه حكاية تدور حول شخصيات هوارية (البطلة)، وهواري شقيق هوارية الذي يتاجر بزوجته هدية (العاشقة الملالة) كما تلقب نفسها، وينشط ضمن جماعة إرهابية ويعمل مُخبراً لدى مصالح الأمن الجزائري، وهاشمي الطبيب الملفوف بالأسرار عشيق هدية واللذين كانا يلتقيان خلسة في ملهى "مون شاتو" وسط حي "اكميل".
 
ليست الأولى
يقول الدكتور لحسن عزوز، أستاذ النقد الأدبي الحديث والمعاصر في جامعة محمد خيضر ببسكرة، لـ"النهار العربي" إن "هوارية" ليست الأولى من نوعها، مشيراً إلى "ذاكرة الماء" للروائي الجزائري واسيني الأعرج، و"شارع إبليس" لأمين الزاوي، و"الذروة" لربيعة جلطي.
 
ويتفق معه الصحافي والكاتب والناقد المسرحي والأكاديمي بجامعة عنابة أحمد شنيقي، على أن "هوارية" ليست الأولى، فيقول لـ"النهار العربي" إن الكتاب الجزائريين يستخدمون اليوم كلمات مبتذلة "لإبراز البعد الواقعي أو الطبيعي وإثارة صدمة أدبية مثل ما أثاره رشيد بوجدرة في روايته الأولى ’التطليق‘ التي صدرت في عام 1969، وهناك أيضاً جيلالي خلاص وأحلام مستغانمي وروايات مثل ’ذاكرة الجسد‘ و’عابر سرير‘،  و’رجالي‘ التي صدرت طبعتها العربية في بيروت عن دار الفارابي، بعدما عربتها نهلة بيضون، وقد أثارت جدلاً كبيراً في البلاد".
 
لا يقتصر هذا النوع من الأعمال الأدبية على الجزائر فحسب، فيعدد شنيقي نصوصاً كثيرة استخدم مؤلفوها كلمات سوقية وألفاظاً نابية، "مثل رابليه وبلزاك وبودلير وإدغار آلان بو وإميل زولا وميلتون دوستويفسكي، وحتى اليونانيون استخدموا العامية أو ما يعرف بـ ’النابية‘ لا سيما أريستوفانيس وميناندر، وحتى أبوليوس".
 
سجال أيديولوجي 
النقاش حاد بلغ حد التهجم على بيوض، والمطالبة بسحب جائزة "آسيا جبار" منها بذرائع "أخلاقية". كما تعرضت الناشرة الجزائرية مديرة "ميم" آسيا علي موسى للسب والشتم، فاضطرت إلى إغلاق دار النشر والانسحاب تماماً من هذا المجال، بسبب ما يقال عن بذاءة في اللغة وإفراط في استخدام الألفاظ الفاحشة التي تضمنتها الرواية. 
 
لكن يتساءل متابعون اليوم عما إذا كانت هذه الرواية سابقة في تاريخ الساحة الثقافية؟ إن كانت الإجابة "لا"، فما الأسباب التي تقف وراء المحاكمة الافتراضية الأخلاقية للرواية، وقد رافقتها معركة اتخذت طابعاً سياسياً على مستوى البرلمان، إذ وجهت كتلة نيابية معارضة مراسلتين إلى الحكومة للمطالبة بالتحقيق في إسناد "جائزة آسيا جبار للرواية" في دورتها السابعة إلى رواية "هوارية".
 
الجائزة سبب الجدل
يرد عزوز الصخب الذي رافق "هوارية" إلى فوزها بجائزة "آسيا جبار" التي يطالبون بسحبها منها، "فهذا من أهم محركات السجال الأيديولوجي غير المسبوق بين ما يعرف بالمحافظين والحداثيين، وهناك من طالب بسحب الجائزة فوراً".
 
ويتفق المترجم والكاتب الجزائري عمار قواسمية مع عزوز في هذه المسألة، ويقول إن فوزها "أعطاها شهرة وتَداولاً أوسَع، فتناقلها القراء، لكن المتلقي انقسم بين متقبل ورافض، كما خضعت لقراءات نقدية متخصصة وأخرى انطباعية، ولا ننسى أن لمواقع التواصل الاجتماعي اليوم قدرة إعلامية رهيبة في تحريك الرأي العام وتوجيهه".
 
وفي السياق نفسه، كتب الروائي واسيني الأعرج: "سؤال بسيط: لماذا أثارت رواية ’هوارية‘ زوبعة ظالمة لم تتوقف حتى اللحظة، بينما استقبل فوز الرواية باللغة الأمازيغية ’1954... ميلاد أمل‘ للهاشمي كراش، والرواية المكتوبة بالفرنسية ’القمر المفتت‘ لعبد العزيز عثماني، بهدوء ولم نقرأ شيئاً مسيئاً للكاتبين؟".
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium