النهار

كتاب صدر قبل 250 عاماً محور سجال حديث في مصر... ما قصّته؟
القاهرة - ياسر خليل
المصدر: النهار العربي
لم يتسبب نشر الكتاب حينئذ في حدوث ضجة كبيرة، ربما لأنه لم يكن متدولاً سوى في دوائر ضيقة داخل صفوف السلفيين، ولكن في الأيام القليلة الماضية تفجرت سجالات محمومة بعدما نشر الكاتب الدكتور خالد منتصر تدوينة عنه عبر صفحته على موقع "فايسبوك"
كتاب صدر قبل 250 عاماً محور سجال حديث في مصر... ما قصّته؟
جزء من غلاف الكتاب المثير للجدل
A+   A-

صدر كتاب "إقامة الحجة الباهرة على هدم كنائس مصر والقاهرة" قبل أكثر من 250 عاماً، وهو كتاب منسوب لشيخ الأزهر العاشر الشيخ أحمد الدمنهوري. ظل الكتاب طي النسيان حتى قرر أحد الباحثين السلفيين طباعته عام 2012، وقد شهدت هذه الفترة التي أعقبت ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 صعوداً كبيراً لتيارات الإسلام السياسي بقيادة جماعة "الإخوان المسلمين"، فسيطروا على مجلس الشعب المصري (البرلمان)، ثم رئاسة الجمهورية التي تولها حينذاك القيادي الإخواني محمد مرسي، الذي توفي لاحقاً في السجن بعد أعوام من إطاحة حكم الجماعة بثورة شعبية.

 

لم يتسبب نشر الكتاب حينئذ في حدوث ضجة كبيرة، ربما لأنه لم يكن متداولاً سوى في دوائر ضيقة داخل صفوف السلفيين، ولكن في الأيام القليلة الماضية تفجرت سجالات محمومة بعدما نشر الكاتب الدكتور خالد منتصر تدوينة عنه عبر صفحته على "فايسبوك"، قال فيها: "المشرف على هذا الكتاب أستاذ في كلية التربية بالمنصورة (في إشارة للدكتور أحمد النقيب رئيس قسم اللغة العربية والدراسات الاسلامية بكلية التربية جامعة المنصورة)! معلم الأجيال يشرف على ويقدم كتاباً ينادي بهدم الكنائس الموجودة أصلاً فما بالكم ببناء كنائس جديدة! مرحباً بالوحدة الوطنية!".

 

 

وأثار الكتاب انتقادات واسعة وسجالات بسبب عنوانه الصادم، كما كان نسبه لأحد مشايخ المؤسسة الدينية التي يصفها كثيرون بأنها "قلعة الوسطية" في الفكر الإسلامي، سبباً آخر لإثار الجدل، ما اجتذب الأضواء ربما أكثر من الحديث عن موضوع التدوينة التي كتبها منتصر، وإشارته إلى الدكتور النقيب الذي أشرف على تحقيق الكتاب.

 

أوجه عدة

يرى أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ماربورج الألمانية الدكتور عاصم حفني أنه يمكن النظر إلى هذا الكتاب من أوجه عدة، باعتباره يثير إشكالية كبيرة، وهي قضية بناء الكنائس في مصر أو هدمها.

 

ويقول حفني الذي عمل أستاذاً بجامعة الأزهر لـ"النهار العربي": "هذا الكتاب لا يشكل إضافة من شيخ الأزهر العاشر، فهو مجرد تجميع لآراء سابقة. الشيخ الدمنهوري لم يقدم في هذا المؤلف قراءة جديدة تتوافق مع تغير الظروف والأحوال في عصره، بل إنه نقل تلك الآراء التي طرحت في سياقات أخرى، وحاول أن يفرضها على سياقه هو في القرن الثامن عشر".

 

 

ويضيف: "لو افترضنا صحة الآراء الواردة في الكتاب، واعتبارها ديناً، فإن الأحاديث التي احتج بها المؤلف ضعيفة، حتى وفق رأي الشيخ السلفي الذي حقق هذا لكتاب (الدكتور صالح النجدي الأثري)، مما ينفي الأحكام التي ترتبت على تلك الأحاديث".

 

ويشير حفني إلى أنه "ينظر إلى قضية بناء غير المسلمين لدور عبادتهم من منطلقين، المنطلق الأول عقائدي، وهنا فإن نظرة الإسلام لليهود والمسيحيين تأتي من كونهم "أهل الكتاب"، لهم كتاب مقدس يتعبدون به، ويجب على المسلم أن يؤمن بذلك".

 

والمنطلق الثاني، بحسب رأي أستاذ الدراسات الإسلامية "تشريعي فقهي، ينظم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، وهو مفهوم "أهل الذمة"، وهذا ليس مفهوماً عقائدياً، أي أنه لا يجب على المسلم أن يعتقد بوجوب كل الأحكام التي تترتب على هذا المفهوم، بل هو مفهوم فقهي يخضع لرأي الفقيه المشرع، وفقاً لما يتراءى له بحسب ظرفي المكان والزمان، وهما متغيران، كما أنه يخضع إلى تقدير الحاكم وما يراه في مصلحة الدولة والمجتمع".

 

هذا كله، حسبما يقول حفني "يكون في ظل نظام الخلافة الإسلامية، أو ما يسمى بالدولة الإسلامية، وهو مفهوم يختلف عن الدولة الحديثة، وله دلالة خاصة، وحتى في ظل هذه الدولة التي كان لها خليفة وولايات تابعة له، اختلفت الأحكام الخاصة بـ"أهل الذمة" من عصر لعصر، ومن خليفة لآخر. والآن لا توجد دولة خلافة، وقد تطور مفهوم الدولة في العالم ككل، وصار ثمة دساتير تنظم العلاقة بين المواطنين، ولا يوجد فرق بين مواطن مسلم وآخر غير مسلم في ظل مفهوم المواطنة".

 

ويضيف: "في ظل هذا المنظور الحديث للدولة تلاشى النظر إلى غير المسلم من زاوية أنه عدو أو غير ذلك، وأصبح مواطناً له الحقوق نفسها وعليه الواجبات نفسها، ومن ثم فإن الفكر الديني داخل الدولة الحديثة قد تطور، لذا نجد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قد نادى أكثر من مرة بضرورة التوقف عن استخدام مفهوم "أهل الذمة"، وكما قلنا إن هذا المفهوم فقهي وليس عقائدياً".

 

 

ويقول أستاذ الدراسات الإسلامية إن "وثائق الأزهر الحديثة فيها الكثير من التركيز على مفهوم المواطنة، وحرية الاعتقاد، وما إلى ذلك. لذا يجب النظر إلى هذا الكتاب على أنه رأي عالم، حتى لو كان شيخاً للأزهر. والأزهر الآن له رأي آخر، لذا يجب أن نكون حذرين للغاية في استخدام وصف "رأي الإسلام" حين نتحدث عن آراء فقهية معينة، لأنها في نهاية المطاف هي مجرد آراء فقهية تتغير بتغير الزمان والظروف المحيطة بها".

 

صدقية نسب الكتاب

من جانبه، يقول الدكتور عبد الفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين وعضو مجمع البحوث الإسلامية لـ"النهار العربي": "أولاً، لا بد من معرفة صدقية نسبة هذا الكتاب لصاحبه. ثانياً، ليس هناك أدلة شرعية لا من الكتاب ولا من السنّة تأمر مسلماً بهدم بيت من بيوت الله لأهل الديانات الأخرى".

 

ويضيف العوارى: "الثابت عن سيدنا رسول الله والقرآن الكريم هو أنه حين أمر المؤمنين أن يدافعوا ويدفعوا الظلم عن الناس، بيّن لهم أن الدفاع لا يفرق بين المسجد وبيوت العبادة الأخرى، قال تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، هذا يدخل بيوت العبادة الخاصة باليهود والمسيحيين ومساجد المسلمين في حماية المسلمين".

 
الجامع الأزهر بالقاهرة

 

ويشير إلى أن "الوصايا النبوية، والاتفاقات التي عقدت مع نصارى نجران وغيرهم في عهد الرسول، والوصايا التي عقدت مع سيدنا عمر بن الخطاب تدل دلالة صريحة على أن المسلمين يجب أن يحافظوا على بيوت العبادة الخاصة بغير المسلمين، طالما هم تحت حكم المسلمين، وهذا هو الثابت في الإسلام، لذا فإذا ثبت أن هذا الكتاب صدر عن صاحبه، فيعد اجتهاداً خاطئاً ولا يعمل به".

 

إمام تقدمي

على عكس الصورة التي رسمت عن الشيخ الدمنهوري بعد تفجر السجالات الأخيرة، فإن مسؤولة الملف الديني ببوابة صحيفة "الأهرام" المصرية شيماء عبد الهادي، تقول إن المؤرخ والعالم الإسلامي المعروف عبد الرحمن الجبرتي وصف شيخ الأزهر العاشر بأنه كان تقدمياً، وكان معروفاً عنه أنه متبحر في المذاهب الفقهية.

 
الشيخ أحمد الدمنهوري

 

وتقول عبد الهادي: "عرف عن الشيخ أحمد بن عبد المنعم بن صيام بن يوسف الدمنهوري، والمعروف بالشيخ الدمنهوري العلم الواسع والتبحر في علوم المذاهب الأربعة، حتى إنه لقب بـ"المذاهبي"، وقد توفي عام 1778 ميلادياً، ووقتها قال عنه الجبرتي: كان آخر من أدركنا من المتقدمين".

 

وتشير إلى أن "الكتاب صدر سنة 1192 هجرياً، أي قبل ما يناهز 250 عاماً، وقد يكون مضمون الكتاب والذي يدل عليه عنوانه، مناسباً للحقبة الزمنية التي ظهر فيها، فقد تزامنت مع انتشار الفكر الوهابي المتشدد، لكنه دون شك غير مناسب لكل مفردات الحاضر، سواء من حيث قوانين مصر ودستورها، أو توجه الأزهر وشيخه الدكتور أحمد الطيب".

 

وتلفت الصحافية المصرية إلى أن "الأزهر قطع شوطاً كبيراً وحقق إنجازاً ملحوظاً عبر مراجعات واسعة وتنقيح مناهجه من مفاهيم التشدد ومصادرة عدد من الكتب التي كانت تدرس بالفعل بالمعاهد والكليات الأزهرية، وذلك استجابة لدعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بضرورة تجديد الخطاب الديني".

 

اقرأ في النهار Premium