الموسيقى والرياضيات، عالمان قد نجدهما مختلفين ولا يلتقيان أبداً. ففيما الموسيقى تلمس العاطفة، تحاكي الرياضيات العقل. لكنّ للأبحاث العلمية والمفكرين عبر التاريخ، رأياً آخر. إذاً، ماذا يجمع بين الموسيقى والرياضيات؟
خلال جلسة عُقدت ضمن فعاليات "مهرجان الشارقة القرائي للطفل 2024"، ناقش الباحث في الرياضيات الدكتور المغربي عزيزي إفزاران، والمؤلفة والمدرّبة الموسيقية الماليزية يونغ يونغ، العلاقة بين الرياضيات والموسيقى.
وفي حديث لـ"النهار العربي"، أكّد إفزاران "أنّ كثيراً من الأمور تجمع هذين العالمين، هذا ما أثبتته الأبحاث العلمية".
ولربما أقرب فن للرياضيات هو الموسيقى، فالقراءة الموسيقية هي عملية حساب متواصل، والناس الذين يقرؤون النوتة الموسيقية، يعرفون هذا الكلام، وعندما يكون هناك إيقاع إذاً هناك حسابات. وشبّه الموسيقى بجبل الثلج الذي يحمل جوانب مخفية، "فالباحثون في النظرية الموسيقية يدركون أنّ فيها رياضيات، كدراسة السلالم الموسيقية، دراسة المقامات، والإيقاع. فهذا الأخير هو تقسيم للزمن بطريقة منتظمة ومتكررة، وإذا ما سألنا أنفسنا: لماذا تتكرر بعض الأشكال الهندسية في الإيقاعات الموسيقية؟ نجد أنّ هذه الأشكال تشترك في أمر واحد وهو أنّ رؤوس كلّ مضلع منها تعتبر الأبعد عن بعضها البعض".
وعبر التاريخ، كانت الموسيقى مرتبطة كثيراً بالرياضيات منذ عهد فيثاغورس في القرن السادس قبل الميلاد حتى العصور الوسطى تقريباً. وكان هناك مفهوم اسمه "كوادريفيوم" أي الرياضيات، وفيه أربعة عناصر: هي الموسيقى، الفلك، الحساب، والهندسة. فإذاً، الموسيقى كانت تعتبر جزءاً من الرياضيات، لكن مع الوقت، انفصلت عنه. ويستند إفزاران إلى علماء عديدين مثل الفيلسوف وعالم الرياضيات ليبنتز، الذي قال إنّ "الموسيقى هي تمرين خفي في الحساب، العقل لا يدرك أنه يحسب".
وثمة تشابهات ما بين العالمين، فكلاهما مجرد. الرياضيات هي أكثر العلوم تجريداً، وتقوم على رموز مبهمة غامضة. كذلك الموسيقى، عندما تسمع معزوفة موسيقية، لا يمكن أن تحدّد لها معنى معيناً مضبوطاً إذا لم تكن فيها كلمات، فإذاً هناك تجريد أيضاً في الموسيقى.
كما يجمعهما الجمال، فكلاهما جميل، وتجمعهما العالمية. فالموسيقى لغة عالمية، تقرّب بين الشعوب، والرياضيات لغة مشتركة بين الجميع. وهناك جانب من الموسيقى يمكن أن نصفه بأنه علم وليس مجرّد فنّ. فعلم دراسة الأصوات، يتفرّع عنه علم دراسة الأصوات الموسيقيّة.
ولفت إفزاران إلى إمكانية استخدام الموسيقى في دروس رياضيات، وهو أمر يطبّقه هو مع تلاميذه، "فالموسيقى تساعد الأطفال في العديد من المجالات، منها الحساب والتجريد وفكّ الرموز، والتركيز وتنشيط الذاكرة، والتواصل وروح الفريق، والثقة في النفس وتهذيبها، والأهمّ من ذلك جلب المتعة والسعادة".
من جهتها، أوضحت الأستاذة الماليزية يونغ يونغ العلاقة بين الموسيقى والرياضيات، وخصوصاً لدى الأطفال، إذ "لا بدّ من تطوير مفهوم التنسيق لدى الأطفال من خلال الأنغام والربط بين الموسيقى والرياضيات، فالموسيقى تركز على التجارب اليومية، بينما تركز الرياضيات على المعادلات والنتائج".
لذا، تضيف، "خلال تدريبات الأطفال، يستعدون لتسهيل فهم هذه العلاقة، وشرح كيفية تمثيل الموسيقى رياضياً من خلال الكسور والنسب، بالإضافة إلى العلاقة التشاركية بينهما في المبادئ الهيكلية التي تحدّد التكوين والإيقاع والانسجام".
وأكّدت يونغ أنّ التفكير الموسيقي يعدّ استجابة فنية للمفاهيم الرياضية، مشيرة إلى أنّه من خلال النغمات والألحان والإيقاعات، يمكن للموسيقى تجسيد العديد من المفاهيم الرياضية مثل النسب والتناغم والتناظر.