هل يمكن للفن أن يعالج الأمراض؟ أثبتت الدراسات العلمية أنّ للموسيقى تأثيراً كبيراً على علاج بعض الأمراض، لا سيما المتعلّقة بالصحة الذهنية والنفسية. وشكّل هذا الموضوع سؤال جلسة نقاش خلال فعاليات "مهرجان الشارقة القرائي 2024"، حملت عنوان "تقنيات العلاج بالفن للتعبير عن المشاعر وتقليل التوتر".
وتحدّثت الدكتورة البحرينية سماء الهاشمي، خلال الجلسة، وقالت إنّ مفهوم العلاج بالفن أوسع من مجرّد رسم صورة، وهو من أهم طرق الشفاء من بعض الأمراض التي قد لا يستطيع الطب تداركها.
وفي حديث لـ"النهار العربي"، أوضحت الهاشمي أنّ العلاج بالفن هو وسيلة للتعبير بطريقه غير لفظية، ونعني الفن بمختلف أنواعه من الرقص والغناء والأداء وغيرها.
والعلاج الفني يخفف من التوتر ويحسّن من الصحة العقلية من خلال عدة طرق من بينها التعبير الإبداعي، بحيث يوفّر العلاج الفني وسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار بحرية، في حين قد يصعب التعبير عنها بالكلام.
واستخدام الفن يبعّد الشخص عن الأفكار التي تؤرقه، لذا يساعده الفن على تحقيق الاسترخاء وتخفيف التوتر ويعزز ثقته بنفسه ويحسّن شعوره بالقيمة الشخصية بسبب شعور الإنجاز الذي قام به.
كذلك، الفن يحسّن من مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي ويمكّن الأفراد من مشاركة الآخرين، ويساعدهم في تحقيق الوعي الذاتي وفي فهم أنفسهم بشكل أفضل.
وفيما هناك طرقاً تقليدية لاستخدام الفن كالرسم والتلوين والتصوير وغيرها، تتحدث الهاشمي عن تقنيات رقمية تساعد في هذا المجال، إذ يمكن استخدام الألواح الرقمية للقيام بهذه الفنون نفسها. ومثلاً يمكن استخدام برامج التصميم الجرافيكي، بالإضافة إلى منصات الواقع الافتراضي، إضافة إلى التصوير الرقمي والفيديو، والتطبيقات الفنية التفاعلية التي تتضمن بعض تمارين الاسترخاء.
وحول أهمية هذا النوع من العلاج، أكدت الهاشمي أنه في ظل الحياة المعاصرة وما تحمله من ضغوط يبرز العلاج بالفن كملاذ للكبار والصغار على حد سواء، مانحاً إياهم الفرصة للتعبير عن ذواتهم بإبداع وحرية. وأشارت إلى أن كل إنسان يحمل بداخله رغبة في الإبداع والتعبير عن الذات، وهذه الرغبة يمكن أن تتجسد في الرسم، الكتابة، الغناء، والفنون عامةً.
وأضافت أنّ الأطفال يمتلكون مخيّلة واسعة وموهبة إبداعية فطرية تتيح لهم رسم العالم كما يرونه. من هنا يأتي دورنا في تشجيعهم واستثمار هذه المواهب ليس فقط في الرسم، بل في كل أشكال التعبير الفني. لذلك، خلال عملها مع طلابها في الجامعة على مشروع في هذا الإطار، يجلس الطلاب مع الأطفال لمناقشة محتوى الكتب وتحويلها إلى رسومات تعبيرية، بحيث يستلهم المؤلفون رسومات كتبهم من خيال الأطفال، ما يجعل الطفل يشعر بالفخر والسعادة عندما يرى أنه أسهم في صناعة كتاب.
في هذا السياق، روت الهاشمي قصة واقعية حول أهمية الفن في الكشف عن المشكلات التي يتعرض لها الأطفال. ففي أحد لقاءات طالب جامعي مع أحد الأطفال، بدأ الطفل يسرد قصة طفل يتعرض للتنمر في إحدى المدارس، لكن المفاجأة كانت أنّ القصة كانت عن الطفل نفسه، ولم تكن أسرته على دراية بما يحدث له، و"هذا الموقف جعلنا ندرك تماماً أهمية الفن في مشاركة الطفل بحل مشكلاته والتعبير عن مشاعره".
من جهتها، أكدت الكاتبة الأميركية جين ماونت في حديثها لـ"النهار العربي"، أنّ بعد انتشار كورونا، أصبحت الحياة تضع توتراً أكبر على الأشخاص لا سيما الأطفال، كذلك تفعل منصات التواصل الاجتماعي. لذلك، جميع أنواع الفنون هي طرق ممتازة للتخلّص من التوتر والعودة إلى أنفسهم وداخلهم وإيجاد السعادة الداخلية.
واعتبرت ماونت أنّ قراءة الكتب هي طريقة أخرى للتخلص من التوتر، "انسَ نفسك في كتاب وكن قابلاً لأن تسافر في مكان آخر من هذا العالم داخل الكتاب وأن تهرب من نفسك قليلاً".
وبالنسبة إليها، الرسم والتلوين هما أيضاً من أكثر الأدوات فعالية، وعلى الأشخاص الذين لا يجيدون مهارات الرسم ألّا يقلقوا، إذ يمكن لأي شخص أن يرسم وهو الطريق الأسهل لكي يجد هدوءه.
وتنصح ماونت جميع الأفراد بجميع أعمارهم، أن يعدّوا لائحة بأهمّ 10 كتب بالنسبة إليهم وقد تكون غيرت حياتهم، وهذه طريقة سهلة تجعلك تكتشف شيئاً مخفياً في ذاتك وتعطيك صورة جميلة عن نفسك من الداخل.
وأظهرت إيمانها العميق بقدرة الفن على إحداث التغيير، فـ"الفن ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو قوة دافعة للتطور والنمو. والأطفال، حتى في أصغر مراحلهم العمرية، يجدون في الفن لغة مفضلة للتعبير عن أنفسهم".
وأضافت أنّه "ينبغي أن ننظر إلى الرقص والغناء ليس كأنشطة ترفيهية فحسب، بل كمرآة تعكس الروح الداخلية للطفل، وعلينا أن نشجع كل حركة، كل لوحة، كل نغمة يؤديها الطفل، لأنه في كل منها قد تكمن دلالات عميقة عن تجاربهم وما يمرون به من مواقف".
ورأت أنّه داخل كل منّا يكمن طفل يتوق للتعبير والإبداع، وأعمال الأطفال، مهما بدت بسيطة، تحمل في طياتها عوالم من المعاني والأفكار التي تساهم في تنشئتهم تنشئة صحيحة. لذلك فإن الكتب المصورة تلعب دوراً حيوياً، تخاطب حاسة البصر، وتثري خيال الطفل، ما يمكّنه من استخلاص معانٍ ودروس قد تختلف عن تلك التي يستخلصها طفل آخر.