خلال جلسة في "الملتقى الثقافي" ضمن فعاليات مهرجان الشارقة القرائي للطفل 2024، عُقدت جلسة ناقشت تأثير التكنولوجيا في القلق الذي يعانيه الأطفال والشباب اليوم.
واستهلت الدكتورة وفاء الشامسي حديثها بتعريف القلق، مشيرة إلى أنّه يعدّ حالة انفعاليّة معقّدة ومزمنة، مصحوبة بالخوف والفزع. وقالت: "من طبيعتنا البشريّة أن يكون القلق موجوداً في حياتنا، لكن بصورته الإيجابيّة التي تحفّزنا على التعامل مع المشكلات والتحدّيات ومواجهتها وإيجاد الحلول المناسبة لها، إنّما من غير الطبيعي أن يتحوّل هذا القلق إلى حالة مرضيّة تؤثر على حياتنا الشخصيّة وعلاقاتنا مع الآخرين".
وفي حديث لها مع "النهار العربي"، قالت الشامسي إنّه "كلّما تركنا الطفل في هذه الفقاعة المغلقة، أي الألعاب الإلكترونية ومنصات التواصل حيث يشعر أنه يعيش عالمه الخاص ولا يريد أي أحد أن يدخل إليه، سيشعر بالانعزالية وبفقدان الكثير من المهارات التي يفترض أن يتعلمها في كل مرحلة من مراحل عمره. ونتيجة هذا الواقع، نحصل على إنسان مريض، عنيف، قد يصل حد الإجرام، لكن أيضاً يمكن أن نعمل على أن يكون لدينا إنسان مبدع، مخترع ومبتكر".
وأضافت الشامسي أنّها تصادف حالات مختلفة من الطلبة الذين يعانون قلة التركيز بسبب الإفراط الكبير في التعامل مع التكنولوجيا، وتحديداً الهاتف، ويميلون إلى العزلة وعدم التفاعل مع أقرانهم، وبعضهم قد تصيبه أعراض التشنّج في حال حرمانه الجهاز اللوحي. والسبب الرئيسي في كلّ ذلك يكمن منذ البداية في عدم وجود الرقابة والتوجيه من العائلة.
ولا شك في أنّ استخدام ألعاب الفيديو والسوشيل ميديا دائماً يؤثر على صحة الأطفال الذهنية والنفسية وعلى رفاهيتهم، لا سيما أنّهم يمرون بمراحل تتنوع فيها سلوكياتهم ومزاجهم. وبحسب الشامسي "يجد الطفل نفسه مقدَّراً ومحبوباً بالدرجة الأولى على منصات التواصل الاجتماعي، بينما واقع الأمر عكس ذلك، لذا، صحته النفسية تكون مهزوزة، فهو في الوقت نفسه يحاول أن يوصل للناس شخصية مثالية عبر حساباته، لكن تكون مخالفة للواقع. وهنا يرتدي قناعاً مختلفاً عن شخصيته الحقيقية. ومن الناحية الذهنية، فهو يكون غير مستعد للتعامل مع الواقع أو مع الآخرين، إذ يكتفي بدردشة بسيطة أو تعليق أو لايك، دون الاندماج بحياة الواقع اجتماعياً".
وتوضح الشامسي أنّ الرسائل لدى البشر، تتكوّن من مرسِل، مرسَل إليه ورسالة، وأي خلل في عملية الاتصال هذه ستؤدي إلى نقص طبيعي على المستوى الذهني والنفسي، ولاحقاً يتأثر الطفل على المستوى السلوكي في تعامله مع الآخرين.
وعن الحلول لتفادي هذه المشكلات لدى الأطفال، تقول الشامسي إنها كثيرة، "لكن الأمر يتوقف على وقت التدخل في حل هذه المشكلة، وأوّل الحلول إيجاد البدائل التي تجذب الولد لدى حرمانه من هذه الألعاب التكنولوجية ومشاركته هذه البدائل. إضافة إلى تعزيز تقدير الذات لديه وإنماء الحوار معه في وقت مبكر، كذلك التفكير الناقد والتحليلي".
بدورها أشارت الكاتبة والرسّامة كاثرين ديلوسا خلال الجلسة، إلى "أنّ التكنولوجيا، وتحديداً ألعاب وأفلام الفيديو، لا تُعتبر مشكلة بحدّ ذاتها، لكن طبيعة التعامل وآليتها معها هي التي تُحدّد هل تصبح التكنولوجيا مصدراً للقلق السلبي أم على العكس من ذلك من خلال الحدّ من مستويات القلق وتحقيق الفائدة الإيجابيّة، وبالتأكيد يبرز هنا دور العائلة باعتبارها الموجّه الأول لذلك".
وأضافت ديلوسا في حديث لـ"النهار العربي" أنّ "مصطلح التكنولوجيا هو مصطلح واسع ويمكن أن تؤثر على الأطفال والمراهقين سلباً أو إيجاباً. في الجانب الأول، يمكن أن يكون لها آثار سلبية على الصحة الذهنية لدى الأطفال، فهم يجدون أنفسهم في مقارنة بينهم وبين أقرانهم على منصات التواصل، وشعور عدم المساواة في امتلاك الأشياء التكنولوجية، سواء كانت ألعاب أو غيرها، يولد أثراً سلبياً كبيراً لديهم، إضافة إلى تعرّضهم إلى التنمّر الإلكتروني بسبب التكنولوجيا".
لكن برأي ديلوسا، التكنولوجيا أصبحت أمراً واقعاً ولا يمكن تجنّبه، لكن يمكن التأقلم معه من خلال الاعتدال باستخدامها. فمن المهم أن يبني الوالدان جسور النقاش مع أطفالهما ليعود هؤلاء إليهما إذا جرى معهم أي أمر سيئ، فيكونون مطمئنين إلى أن بإمكانهم أن يخبروهما بما حصل.