النهار

معرض الرباط للكتاب يتحوّل إلى جامعة مفتوحة... والسعودي أسامة المسلم أحدث "الترند"!
أحمد المديني
المصدر: الرباط- النهار العربي
حصل المعرض الدولي للنشر والكتاب المغربي، بعد انتقاله من الدار البيضاء إلى العاصمة السياسية الرباط، على شرعية كاملة، نقلته من موقع الموقت واحتمال النجاح، إلى مرتبة الرّسوخ
معرض الرباط للكتاب يتحوّل إلى جامعة مفتوحة... والسعودي أسامة المسلم أحدث "الترند"!
من المعرض
A+   A-
 
لم يتوقع أحدٌ، بدءاً من وزارة الثقافة المغربية، واتصالاً باتحاد الناشرين العرب، ثم بالكتّاب المغاربة، ولا أقول انتهاءً بالجمهور المعنيِّ بالدرجة الأولى، أن يحصل المعرض الدولي للنشر والكتاب المغربي، بعد انتقاله من الدار البيضاء إلى العاصمة السياسية الرباط، على شرعية كاملة، نقلته من موقع الموقت واحتمال النجاح، إلى مرتبة الرّسوخ، وذلك في فترة ثلاث سنوات الوجيزة، الأولى تجريبيةٌ صرف، والثانية تطبيقية، والحالية بعنوان التّجّذر والنجاح. 
 
وما لم يتوقعه أحدٌ أكثر من هذا، هو أن يصبح قبلةً للناشرين من كل البلدان، ويضطر القائمون عليه للفرز الإيجابي، بما يسمح لمشاركة حاملة للجديد لا لعرض كتب بائرة ومستعادة.
 
بهذا يكون معرض الكتاب الدولي المغرب، في دورته الـ29 في الرباط (من 9 إلى 19 أيار/ مايو الجاري) واجهةً لمعرفة وقياس جديد الثقافة العربية ووفرة نتاجها الإبداعي.
 
 
هو في الآن عينه، وكما يقدّم العرض الحالي الأخير، يرسم صورة بانورامية لأوضاع الثقافة في المغرب بجميع تكويناتها تقريباً، يسمح للزائر أن يتعرّف مباشرة على كمّ ونوع الإنتاج في الميدان الثقافي في اختصاصاته المختلفة، ويلاحظ النمو والتطور الذي يعرف وتجلّيه في كثرة وتنوّع المنشورات وزيادة عدد دور النشر الوطنية، وتبلور سوق نشر محلّية لا يُستهان بها، بعد أن كان الكتاب العربيُّ يصل جلُّه من المشرق العربي، وكيف أنّ الكتاب المغربي أضحى حاضرًا بتمثيلية متزايدة ومشرّفة في جل تقدّمه المعارض المغربية والعربية عامة بتميز بيِّن.
 
لا بدّ أن يتنبّه الملاحظ للدورة الـ29 للمعرض الحالي للكتاب في الرباط، إلى درجة الإقبال، على مستويَي الزيارة والاقتناء. 
 
 
 
 
أعداد متزايدة
سمعنا في السنوات الأخيرة وما زلنا نسمع، المناحات تلوها ونسبح في أنهار التباكي عن تراجع نسبة القراءة وشبه انعدام القارئ العربي، وبصفة عامة إلى بوار سلعة الكتاب العربي.
 
يردّد هذه المعزوفة البائسة الناشرون العرب أولًا لعديد حسابات لا يعنيني تفصيلها هنا، بقدر ما يثيرني تعارض الشكوى واليأس بالأحرى التيئيس، مع تزايد عددهم، وهو النقيض الأقصى لكل تجارة، والكتاب بعدَ المعرفة عندهم تجارةٌ للكسب! لكن واقع الحال يُكذَّب، ما أمكنني مشاهدته قبل وقت قريب في معرض الكتاب في مسقط، واليوم في دورة معرض الرباط، بصفة خاصة. في مدينة متوسطة عدد السكان يبلغ عدد الزوار يومَي السبت قرابة 100 ألف. 
 
 
ما يعنيني أكثر من العدد هم المقبلون على الاقتناء المتوزعون بين جميع دور النشر بلا استثناء، كلٌّ يبحث عن ضالّته من أدب وفكر وعلوم وفنون، والعارضون أغلبهم مبتهجون بضاعتُهم رائجةٌ، ويلتقون بجمهور بادي الحب للقراءة، شغوف بالمعرفة، روح الفضول للاكتشاف متحفّزة عنده لا يشكّك فيها إلّا خائب أو راغب في التيئيس، فيما سوق الكتاب كما هو في هذا المعرض المغربي العربي والفرنكوفوني المتعدد، أيضاً، رائجة.
 
 
لا بدّ من الانتباه إلى تغيّر الأجيال وعلاقتها بالكتاب، وربما المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، يسمح بإلقاء نظرة على هذا التغيّر ومحاولة فهمه. هذا بُعدٌ مهمٌّ آخر لمعارض الكتاب في العالم يجب التوقف عنده، كي نعرف تطور حاجات سوق القراءة وثقافة وأذواق وأعمار المتلقّين وكيفية الاستجابة لها. 
 
في هذا العبور لا أستطيع الإشارة إلى أكثر وأهم من إقبال الشباب والفتيان على الكتاب، عكس كلّ التقديرات المتشائمة والمثبّطات الكثيرة، وكذلك اكتساح تقنيات وفضاءات التواصل الاجتماعي التي نعلم أنّها قضمت حصّةً كبيرةً من نصيب الكتاب.
 
 
 
 
المعرض والشباب 
وأنت تمشي تحت السرادقات العالية لمعرض الرباط الدولي ستجدك محاطًا من كل جانب بالشباب، وأخصّ بالذكر الإناث بالمئات، يقبلن بشكل ملفت بل مدهش على تخيّر الكتاب الملائم لفضولهن لا يعيَين من التنقل بين الأجنحة، ينفقن ميزانية أحضرنها ويقلن إنهنّ وفّرنها لهذه المناسبة، وحرمن أنفسهن من حاجات مباشرة كي يلبين زاد العقل والروح. أضيف أنّ الأغلبية الساحقة من الزوار والمقبلين على التبضُّع من الطبقة الوسطى أصحاب الدخل المحدود عامة، وهم من المتعلمين بين المنتمين لهيئة التدريس والباحثين المتعطشين لمزيد معرفة، ومن اللافت للنظر أن يجدوا للأسف أحيانًا باعةَ كتب شبه أميين وأنصاف متعلمين. هل أقول إنّ المرأة هي القارئ الأول في المغرب، ومنه باقي العالم العربي؟ أكاد أقول نعم، ويسعدني هذا.
 
 
ما يسترعي الانتباه بقوة في معرض الكتاب الدولي الرباطي، هو الأنشطة الثقافية الكثيرة والكثيفة التي يُفترض أنّها موازيةٌ لموضوعه، أي عروض دور النشر من الكتب، وتمثيلية مؤسسات معنية به مغربية وعربية وأجنبية، تعرِّف فيها هذه الأخيرة بهياكلها ومنتوجها، وبدأنا نألفه في السنوات الأخيرة، كذلك نرى مثله في عديد معارض عربية تختار تيمةً ما أو ضيفًا رفيع القيمة، تجعله محور نشاطها الموازي (آخر مثال الاختيار الموفّق في معرض أبو ظبي حول شخصية وروائية نجيب محفوظ). لقد تعدّى معرض الكتاب في العاصمة الثقافية الجديدة للمملكة المغربية الحدّ الأدنى من الطلب في هذا، وتحوّل إلى ما أسمّيه (جامعة مفتوحة) بالمعنى الشامل والتام للاسم. 
 
 
فعلى مدار أيام المعرض برمجت وزارة الاتصال والثقافة والشباب، المنظمة بتأطير كامل من قطاع الثقافة وتسيير وإشراف مباشرين من مديرية الكتاب، أهم مصلحة فيها تديرها السيدة لطيفة مفتقر، هي نفسها تشغل الآن مديرة المكتبة الوطنية في الرباط بالنيابة، مع طاقم إداري مهني محترف ومتمرّس على مدى سنوات طوال على معارض النشر وخدمة الكتاب، مما برز جليًّا في التنظيم المحكم والتنسيق الدقيق والتجهيز العصري للحدث.
 
أقول إنّ الوزارة الوصية على القطاع أعدّت برنامجًا ثقافيًّا من المحاضرات والندوات وجلسات الحوار ومنصّاتٍ لتقديم الإصدارات الجديدة للكتاب. 
تضمّن البرنامج أنشطة من الكثرة تصعب على الحصر، بين تكريم الكتّاب والباحثين المغاربة الراسخين، والمتوّجين بجوائز هذا العام، والشباب الصاعدين. 
أضف الأنشطة المنظّمة من قِبل دور نشر مغربية لتوقيع الكتاب، ومؤسسات وطنية كبرى ومنظمات عربية مثل الألكسو، ودولية (اليونيسكو، ضيف شرف هذه الدورة) وحضور تمثيلي بارز لدول أفريقية مع كاتباتها وأدبائها، خُصّصت لهم جلسات لائقة، تنضمّ إلى القسم المعنيِّ بالإنتاج الأدبي الفرنكوفوني، وهو يبدو محدودًا وهامشيًّا تقريبًا، قياسًا بالعربي، سواء من حيث دور النشر أو الملتقيات، أو إقبال القراء واهتمامهم. لقد سجّل التقرير السنوي عن(النشر والكتاب في المغرب ـ في مجالات الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعّية) الذي تعدّه مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود في الدار البيضاء، بإشراف هيئة أكاديميين محكّمين ومهنيّين في الميدان، وهي مكرّسة منذ سنوات وأرقامها معتمدة، يقول تقريرها الأخير إنّ نسبة استعمال اللغة العربية في مجالات الإنتاج الأدبي والفكري المغربي قد ناهزت 79،1%، ولا تمثل الفرنسية سوى 16% ومبيعها 7% فقط، والباقي موزعٌ بين الإسبانية والإنكليزية، بينما الأمازيغية التي تمّ ترسيمها لغة وطنية أخرى دستوريًّا لا تزال" لغة هامشية جدًا". 
 
 
هي جامعة مفتوحة أتاحها معرض الكتاب الدولي في الرباط، لغتها العربية بالدرجة الأولى، كانت أبوابها وقاعاتها مشرّعةً لعموم الزوار، من الساعة الحادية عشرة صباحًا إلى السابعة والنصف مساءً دون انقطاع، وعرفت حضورًا منتظمًا وقاعات غاصّة، ومثلت ظاهرةً مميزةً لمعرض هذا العام، كادت تغطي في جوانب منها على أجنحة الناشرين، وأقول إنّها تتكامل معها وثبتت الحاجة إليها حسب طلب الجمهور والمنتجين الثقافيين الذين أضحوا من الكثرة أنّه يتعذر استيعابهم، وهذا دليل حيوية ثقافية وطنية ومتفاعلة مع العطاءات العربية (شخصيات أدبية مدعوة في فروع مختلفة) والأجنبية (شخصيات من العالم أجمع) مع دور نشر في جميع الاختصاصات، بما يعطي لهذا المعرض شرعيةَ حملِ صفةِ الدولي، بلا جدال.
 
لا بدّ من إضافة صفة أخرى، للمعرض الدولي للنشر والكتاب في المغرب، الذي تكرّس الآن في مدينة الرباط للمرّة الثالثة؛ هي صفة ثانية تليق به، وهي أنّه معرض الشباب والأمل في مستقبل زاهر للكتاب والقراءة، في المغرب والعالم العربي جميعه.
هذه حقيقة أكّدتها أرقام مستقاةٌ من المرصد الرسمي لعدد الزوار ونوعيتهم ومشاربهم، ومن الناشرين مباشرة، وقبل هذا، من المعاينة الشخصية اليومية لكاتب هذه السطور الذي حضر فيه بانتظام فاعلاً وملاحظًا، يفرح القلب وهو يرى آلاف الأطفال في فضاء كبير خاص بهم، والآباء حريصون على مصاحبة الأبناء ليروا ويشمّوا الكتاب مباشرة، وما قولكم في ما شهده من تدافع بالمئات لفتيات وفتيان جاؤوا للحصول على توقيع لكاتب قصة سعودي، أسامة المسلم، يروَّج لمادته عن الرعب والخيال شبه العلمي والسّحر والخوارق، وله "شعبه" في التكتوك، وكان ظاهرة عابرة أقلقت الناشرين وحدهم، تعبّر عن "ترند" وتعطش جيل إلى عوالم مختلفة تلبّي حاجاته الملتبسة وتحرّره من قيود، كما صنعت قصة ومسلسل "هاري بوتر" ذات وقت، وهذا متاح في معرض الرباط، أحب أن أغنم منه الشغف بالقراءة والتعطش للخيال، بواسطة وعبْر الكتاب، وباللغة العربية الفصحى التي يشكّك مغرضون في حداثتها واستمرارها لسان الأجيال الصاعدة.
 
 
 
 

الأكثر قراءة

سياسة 11/23/2024 7:37:00 AM
أعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار أميركي مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني
سياسة 11/23/2024 9:48:00 AM
إسرائيل هاجمت فجر اليوم في بيروت مبنى كان يتواجد فيه رئيس قسم العمليات في "حزب الله"، محمد حيدر

اقرأ في النهار Premium