النهار

المسرح الليبي يعاني... لا أمكنة كافية لتقديم العروض!
القاهرة- أحمد مصطفى
المصدر: النهار العربي
كان أول ظهور للمرأة على خشبة المسرح في ليبيا لفنانتين مصريتين هما فتحية مصطفى وفتحية محمد، في نهاية العام 1960، ليأتي دور الممثلة الليبية لتصعد أيضا عن طريق الممثلة فائزة محمود والمعروفة عند الليبيين بــ"حميدة الخوجة"، ليُغلق الباب أمام الرجال في تمثيل دور النساء في الأعمال المسرحية.
المسرح الليبي يعاني... لا أمكنة كافية لتقديم العروض!
مشهد من عرض مسرحي ليبي
A+   A-
لا يستطيع الممثل المسرحي محمد فخري التفرغ للعروض المسرحية التي لا يُلبي دخلها احتياجاته المعيشية، معتبراً أن ضعف الإمكانات المادية يقوّض استعادة زخم المسرح الليبي الذي يعود تاريخه إلى أكثر من قرن.
 
وللمسرح الليبي إرث تاريخي طويل، ويقول مؤرخون إن نشأته تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، مدللين على ذلك بانتشار المسارح الرومانية في مدن لبدة ودرنة وصبراتة وقورينا، لكن اللبنة الأولى لانطلاق المسرح في صورته المعاصرة وضعت في عام 1908، عندما قدمت فرقة محمد قدري مسرحيتها "الحرية" في العاصمة طرابلس، قبل أن يحصل الفنان محمد عبد الهادي على أول ترخيص بإنشاء فرقة مسرحية في مدينة طبرق (شرق ليبيا) عام 1936، لتنتعش بعدها الحركة المسرحية ويتبعها إنشاء أول فرقة مسرحية في بنغازي. 
 
وقد لفت كتاب "المسرح الليبي في نصف قرن: 1928 ـ 1978" لكاتبه عبد الحميد المجراب، والذي يمثل المرجع الوحيد الذي تضمن بالتفصيل والوثائق والإحصائيات مسيرة المسرح الليبي المعاصر، الانتباه إلى المسرح الأمازيغي، مشيراً إلى أنه "قد يتبادر للوهلة الأولى أن المسرح الأمازيغي جاء متأخراً بعد أحداث شباط 2011، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى حقبة زمنية ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ القديم". واستند إلى مصادر تاريخية أشارت إلى أن النص لأول مسرحية هو "الحمار الذهبي" للكاتب الأمازيغي لوكيوس أبوليوس. 
 
وكان أول ظهور للمرأة على خشبة المسرح في ليبيا لفنانتين مصريتين هما فتحية مصطفى وفتحية محمد، في نهاية عام 1960، ليأتي دور الممثلة الليبية لتصعد أيضاً عن طريق الممثلة فائزة محمود والمعروفة عند الليبيين بـ"حميدة الخوجة"، ليُغلق الباب أمام الرجال في تمثيل دور النساء في الأعمال المسرحية.
 
حميدة الخوجة أول ممثلة ليبية تصعد إلى خشبة المسرح 
 
وواكب المسرحُ الليبي أحداثاً تاريخية مر خلالها بفترات ذهبية كمنتصف سبعينات القرن الماضي، ثم انحدر حاله إلى مستوى متدنٍ في مراحل أخرى، لكن انعكاسات الصراعات المتتالية التي ضربت ليبيا في أعقاب أحداث شباط (فبراير) عام 2011، كانت أكثر قسوة فأدت إلى توقف المهرجانات الفنية في ليبيا بصفة عامة لمدة زادت عن العقد.
 
أما الآن فتسعى الحركة المسرحية إلى استعادة زخمها والتغلب على تداعيات الانقسام السياسي والتدهور الاقتصادي. وكانت البداية نهاية العام الماضي عندما عادت فعاليات المهرجان الوطني للفنون المسرحية بعد توقفه منذ عام 2008. وقد نظمت الدورة الثانية عشرة للمهرجان على مدى عشرة أيام، على خشبة ثلاثة مسارح في مدينتي طرابلس ومصراتة (غرب ليبيا)، وجمعت رواد المسرح وممثلين من 11 مدينة ليبية.
 
وبعد فترة من التوقف، شاركت فركة "الركح" للمسرح والفنون، نهاية الشهر الماضي، بالعمل المسرحي "خرف"، في مهرجان "24 ساعة مسرح" في تونس، في دورته الـ22 وبمشاركة أكثر من 40 عملاً مسرحياً من دول العالم. وقال رئيس الفرقة المخرج الليبي وسيم بوريص إن المسرحية "تأتي في إطار تجريبي، وتحاكي عالم الفنان المسرحي الليبي ومعاناته الفنية والاجتماعية، وأيضاً تسرد الصعوبات التي تواجه الفنان الليبي خاصة والعربي عامة".
 
وأعلن "مهرجان درنة الزاهرة المسرحي" انطلاق دورته السادسة، دورة الفنان الراحل أنور الطرابلسي، في النصف الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، كما أعلنت اللجنة المنظمة للمهرجان أسماء لجنة التحكيم التي تضم مجموعة من الكتاب المسرحين والفنانين.
 
ويعول فنانو ليبيا على حالة الهدوء الذي تُسيطر على البلاد، في توسع الحركة المسرحية وتنوعها، لكنهم يواجهون تحديات تتنوع بين ضعف التمويل والرواتب التي تؤثر في معنويات العاملين، بالإضافة إلى انحسار عدد قاعات العرض المسرحي. 
 
ويقول فخري: "العمل المسرحي ميأكلش عيش ولا يمكن التعويل عليه لتشكيل مستقبل شاب ... لذلك أعمل في المسرح لمدة ساعتين يومياً، سواء أكان لدراسة الأعمال أو البروفات والعروض المسرحية، وذلك لانشغالي بأعمال خاصة". ويشير أيضاً إلى محدودية المسارح في المدن الليبية المتاح تقديم عروض عليها. فمدينة بنغازي (ثاني أكبر المدن الليبية والتي يُنظر لها كعاصمة الشرق)، تملك مسرحاً واحداً فقط فيما معظم المسارح وعلى رأسها مسرح السلماني مغلقة وبعضها يخضع للصيانة. وأضاف: "يتحدثون عن ندرة النصوص المسرحية، لكن في واقع الأمر فإن الأزمة تكمن في عدم توافر الأماكن المتاحة للعرض المسرحي، ناهيك بعدم توفير المناخ المشجع لتقديم الإبداع الذي تأثر أيضاً بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي".
 
ويتفق المخرج المسرحي علاء الأوجلي مع ما سرده فخري من تحديدات، مشيراً لـ"النهار العربي" إلى أن الاعتمادات المالية لوزارة الثقافة لا تُترجم إلى دعم للفنان والفرق المسرحية والاهتمام بالمسرح الشعبي. ورأى أن المسرح في ليبيا يواجه حرباً غير معلنة، فمن ناحية نلحظ رغبة محمومة في تحويل المسارح القديمة إلى محال وأسواق فيما يجد الفنان نفسه أمام ضغوط وسائل التواصل الاجتماعي وغياب دعم الدولة، ما يضطره إلى هجرة الفن عموماً والمسرح خصوصاً.
 
وأضاف: "للأسف الدولة لا تهتم بالفن رغم أهميته في تغير ثقافة الشعوب ومعالجة تحديات المجتمع".
 
وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة قد تعهد نهاية العام الماضي دعم الفنون المسرحية، معلنا إنشاء أول مسرحين خاصين بالهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون في بنغازي وطرابلس.
 
واعتبر رئيس الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون عبد الباسط بوقندة أن الهدف هو إعادة إطلاق الحركة المسرحية من دون توقف وتجاوز الصراعات، وقال إن عجلة المسرح لن تتوقف، وسيواصل الفنانون من مختلف مناطق البلاد تقديم عروضهم.
 

اقرأ في النهار Premium