قدّم النحّات السوري ربيع قرعوني (40 عاماً)، معرضاً هو الأول له في الإمارات العربية المتحدة بعنوان "بصمات واقعية". احتوى المعرض 28 عملاً فنياً نحتياً من خامات متنوعة كـ"الغرانيت، الرخام، والخشب"، إضافة إلى بعض المواد الصناعية كالزجاج والستانلستيل.
عكست هذه الأعمال رؤية قرعوني للحياة والوجود الإنساني من خلال ما تبرزه من "تهويمات راقصة"، عبر منحوتات تحاول استكشاف البنية الأساسية لجوهر الأشكال التي يتناولها. وهو استفاد في ذلك من إرثه البصري الذي تزخر به بيئته الأولى التي ترعرع فيها، ومن رؤاه وانشغالاته الجمالية المعاصرة.
ربيع قرعوني هو ابن مدينة السويداء جنوبي سوريا، حاصل على درجة الامتياز من المعهد المتوسط للفنون التطبيقية بدمشق عام 2006، له مشاركات عديدة في معارض وملتقيات نحتية عديدة داخل سوريا وخارجها (لبنان، إسبانيا، الإمارات)، وحصل في عام 2016 على "جائزة النحت" في مهرجان الربيع بدمشق عام 2016.
قدّم الفنان في هذا المعرض "بصمته الخاصة"، وعن دلالة تسمية المعرض بـ"بصمات واقعية قال الفنان لـ"النهار العربي": "هو بمثابة مفتاح لقراءة وفهم مضامين أي عمل ومنهجية اتبعها في أعمالي والتعبير عن تجربتي الشخصية، وإيصال الفكرة مباشرة للمشاهد وبوابة للدخول في صلب الموضوع".
تُحيلنا الأعمال المعروضة إلى موضوعات وجودية مشتركة، كالخلق والنمو والتحول والاضمحلال، نتجت منه وجوه بشرية وحيوانية وأشكال نباتية مقولبة بطرق جديدة كلياً تجمع بين المرونة والثبات، تُقارب العلاقة بين الإنسان والطبيعة على مستوى السيرورة والاختبار، لكنها أيضاً تحمل روح قرعوني الذي يستوحي في العديد من الأعمال بيئته الأصلية ورموزها كالصقر والحصان، التي شكلت بنات أفكاره الفنية الأولى التي لا يزال مخلصاً لصورتها وإن كانت في قالب حداثي متجدد.
"بين التعبير والتجريد"
يمزج قرعوني أيضاً بين الوجوه الآدمية أو الطيور التي نُحِتت بأسلوب تعبيريّ، صغيرة الحجم، وأخرى، نُحِتت بشيء من التجريد في الأسلوب، وبالإضافة إنتاج بعض التركيبات النحتية، أو منحوتات من التجريد البحت كمنحوتات (الصقر، سنبلة العطاء، وتناغم الوجوه)، مستخدماً فيها تقنيات التقابل حيناً، والتنافر أحياناً. ثم يظهر ذلك بصورة تجريدية في بعضها، ووجوديةً في بعضها الآخر. يتحد فيها الفراغ بالشكل، والروح بالجسد، وعن هذا يقول: "استخدمت الإيحاءات والرموز والخطوط المنحنية وكذلك الخامات المستخدمة ضمن عمل واحد لإثارة المشاعر والتأملات والأفكار لدى المشاهد حول طبيعة الوجود الإنساني في هذا الكون والعلاقة بين الفرد والمجتمع".
لكنّ قرعوني يركز بالغالب على استحضار روح التعبير والتجريد معاً، أو المُراوَحة بينهما. وهذا من خلال التنويع في خامات الأعمال وأساليب التكوين، ما يعكس سعة مخيلته، نزعته التجريبية المميزة، واستثمار مختلف الخامات، واختبار نسيج العمل وروحه، والاشتغال على مستويي النحت كليهما؛ ذي الأبعاد الثلاثة، وذي البعدين الذي يُسمّى النحت البارز أو النافر. وهو رغم اشتغاله على معظم المدارس الفنية، كان أكثر تأثراً بالتعبيرية والرمزية والتجريدية.
وحول ذلك يقول قرعوني: "من خلال الدمج بين الحجر والخشب أحببت أن أجمع بين الصلابة والمرونة، وبين القوة والحياة، وتحقيق توازن بينها".
هذا الدمج الفني يمنحه حرية أكبر "بالتعبير عن الفكرة لأن كل خامة ولها خصوصيتها وطبيعتها"، كما يمنحه "متعةً في التجربة، ويقدم للعمل غنىً وجماليةً أكثر". وعن أجمل الخامات التي يحب الاشتغال عليها قال إنه الخشب كونه يشعر "بمرونتها وحيويتها".
"جسرٌ بين الفنون"
معظم العناوين التي اختارها قرعوني لمنحوتاته ذات توجه فلسفي كوني على شاكلة "التشابه والاختلاف، الانسجام والتكوين، الحركة والثبات، وسواها"، تمزج بين الحيوية دعنا نسميها "راقصة" كانت بعض الخطوط القلِقة تحيط بتلك الشخوص والعناصر، جاءت إما لتحديد الأشكال في التكوين، وإما لخلق تعبيرات متجددة، غامضة، لكنها تتمتع بميزة الإيحاء الصارخ بروح مبدعه، حولَ عناصر التكوين لتُضفي عليها شيئاً من الحركية المُلهمة التي تتصل عميقاً بفكرته حول الوجود. يعبر قرعوني عن ذلك بالقول: "أريد أن أقول أن نعيش الحياة على طبيعتها في ديناميكيتها وحيويتها، فهناك الوحدة والتنوع في الوقت نفسه، وهناك التشكيل والتناغم، وهناك التغير المستمر وسط الثبات الظاهر. بالتالي، كل عنصر صغير يلعب دوراً مهماً في الحياة بكل تناقضاتها وتكاملها".
نرى الوضوحَ والغموضَ يتجاوران من خلال الجمع بين التعبير والتجريد في الشخوص وغيرها، وعموماً تميّزت هذه الأعمال الصغيرة باللطافةِ والأناقة الساحرة.
يرتبط النحت لدى قرعوني مع فنون أخرى كالموسيقى، أو التشكيل، وحتى الأدب، وهو الذي يعتبر أنّ "تداخل الفنون بعضها مع بعض يخلق آفاقاً إبداعية جديدة، وباعتبار النحت فناً ثلاثيَّ الأبعاد يمكن أن يكون جسراً بين العوالم المختلفة للفنون، ويشكل علاقة تكاملية وتفاعلية تساهم في خلق تجارب فنية متعددة تجمع بين السمع والبصر، لإيصال فكرة أو عاطفة معينة".