النهار

مهرجان القاهرة التجريبي يحتفي بالمرأة... مسرحياً!
وائل سعيد
المصدر: القاهرة- النهار العربي
لم يكن غريباً أن يحتفي مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بالتجربة النسوية، وذلك خلال فعاليات دورته الأخيرة (31) التي عقدت على مدار عشرة أيام منذ بداية الشهر الجاري، بتمثلات متعددة للحضور النسائي،
مهرجان القاهرة التجريبي يحتفي بالمرأة... مسرحياً!
من مسرحية بوتوكس
A+   A-
 
إذا كان المسرح "حياة" كما يوصف، فما هو الحال مع الظاهرة المسرحية في إطار نسوي، النصف الآخر للوجود البشري والذي يمثل كافة مظاهر حياة الكائن الحي، بدايةً من الطبيعة وغلبة مفرداتها النسائية وصولاً إلي الإنسان نفسه. 
من هنا لم يكن غريباً أن يحتفي مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بالتجربة النسوية، وذلك خلال فعاليات دورته الأخيرة (31) التي عقدت على مدار عشرة أيام منذ بداية الشهر الجاري، بتمثلات متعددة للحضور النسائي، سواء على مستوى التكريمات والمشاركات في المحور الفكري، أو من خلال برنامج العروض.  
اللافت أنّ معظم العروض انحازت إلى لغة الجسد وتجلّياتها المتعددة، كونها اللغة العالمية التي يمكن فهمها بسهولة، من دون أن تعتمد على حروف أو كلمات تختلف باختلاف الأماكن. 
وإذا كان الجسد هو المعادل الوجودي للفرد، فإن المحاربة المستمرة في سبيل تواجده الطبيعي بعيدًا من الانتهاكات، تشكّل العبء الأكبر، لا سيما حين يكون جسدًا أنثويًا، وربما كانت جائزة أفضل إخراج خير دليل على ذلك، حيث ذهبت إلى المخرجة ماديلين لوايزا عن العرض الأكوادوري المميز "بورتريه شخصي"، ويتناول العلاقة المعقّدة بين الرجل والمرأة في تجلّياتها المتعددة بين القسوة والرهافة على حدّ سواء. 
أما جائزة أفضل ممثلة فحصلت عليها الفنانة السورية حلا عمران عن دورها في المسرحية الكويتية "صمت" تأليف وإخراج سليمان البسام، وحصد جائزة "أفضل نص مسرحي".
تتناول المسرحية الفكرة الفلسفية للصمت إزاء كل هذا الضجيج الصادر عن العالم، لذلك يقوم المخرج في البداية بشرح فكرته، وكيف استعانوا في المسرحية بعدد من المقاعد الشاغرة ارتصت على جانبي خشبة المسرح، على أنه يمكن لمن يريد من الجمهور استخدام هذه المقاعد، وهي دعوة لكسر الصمت المفروض على عدد كبير من القضايا والأزمات العالمية، أصابت الجميع في ما يشبه حالة انكسار جمعي باستطاعته تخطّي الحدود والمتغيّرات الثقافية والمجتمعية، وهو ما يتمثل في مشهد البداية في المسرحية، حيث تنفرط مجموعة كبيرة من الميكروفونات المتقابلة، والتي كانت تحول بين البطلة والجمهور، لتفسح الطريق لمونولوغ طويل من الراوية يخبرنا عن معاناتها، ومعاناتنا.   
 
 
 
صوت الفرد والجماعة
"تاء التأنيث"، وهي حرف ساكن كما تقول المراجع اللغوية، يدل إلى المؤنث ولا محل لها من الإعراب. في العام الماضي أقيمت ورشة في مسرح الجسد في مهرجان بغداد الدولي في دورته الرابعة، وقد ظهرت مجموعة منتقاة من المشاركين رأيها يختلف في ما يخص سكون المؤنث، تمثل ذلك في مسرحية "تاء التأنيث ليست ثابتة" فكرة وإخراج الفنانة السورية مروة الأطرش، ومن بطولة الفرقة الوطنية للتمثيل. لذلك لم يكن غريباً أن تصف المخرجة عملها بـ "احتجاج نسوي"، كما ورد في بطاقة التعريف، وقد شارك العرض ضمن برنامج التجريبي ممثلاً دولة العراق. 
 
ينتمي العرض لنوعية الدراما الراقصة "كوريوغراف" ومن خلاله، وظّفت المخرجة سينوغرافيا ضوئية درامية موازية أخذت في التصاعد مع الإعداد الموسيقي المتباين؛ تارة في صورة تعديد وأخرى على هيئة مناجاة روحية، فيما تسرد كل فتاة أزمتها الوجودية التي تحاصرها، بمجرد أن ينبت لها رومانتين أسفل الإبط، وهنا تُجبر المرأة على التعامل والتأقلم مع سلسلة من القيود المتشابكة، بداية من الختان ثم زواج القاصرات، والذي غالباً ما يؤدي إلى نسب عالية من الانفصال المبكر، وحينئذ يُفرض على المطلقة مواجهة القيد المجتمعي حيث العادات والتقاليد والعرف، بديلاً للأب والأخ والزوج. 
 
 
في إطار مشابه، نتابع العرض الأردني "بوتكس" دراماتورج وإخراج وتمثيل الفنانة أسماء مصطفى ويشاركها البطولة هشام سويدان، تتبع المسرحية قالب المسرح الثنائي الذي يعتمد على فعلي المواجهة أو التصادم بين طرفين، وهو ما يتناسب كلياً مع شكل التقابل الأبدي بين الاثنين "الذكر والأنثى"، "آدم وحواء"، "الأنا والآخر". قصة معتادة عن تغيّر شكل الحياة لزوجين بتقدّم العمر، بمرور الوقت ينشغل الزوج عن زوجته بالانغماس في رسم لوحات لا "تُغني من جوع" كما تصفها في ثورتها عليه، حين تفاجأت بسلسلة طويلة من السنوات أصبحت تشكّل لها عائقاً في التواصل والاستمرار؛ خصوصاً حين تخبره أنها لم تترك فنها طواعية إلاّ لكي يشق هو طريقه الفني، طريقهما معاً. 
 
من خلال ديكور بسيط ومجرد تشكّل أسماء عالمها السينوغرافي للعرض، الذي يدور داخل حجرة مرسم الزوج، ومن خلال عدد من الجولات الثنائية المتوالية، نتابع مراحل العلاقة بينهما منذ بدايتها الوردية، في صورة "فلاش باك" سردي وصولاً إلى وضعهما الحالي والذي يشبه نزال لاعبين داخل حلقة ملاكمة. 
استعانت المخرجة بعدد من المقاطع الغنائية في خلفية الحدث الدرامي، شكّلت حالة الـتأرجح النفسي للشخصية، تأتي أغنية "أنت عمري" لأم كلثوم في المقدمة لتلخيص الحالة بتكرارها في أكثر من مناسبة؛ حيث يخبرنا لسان حال البطلة بتشبثها بالعمرين معاً؛ المنقضى/الضائع والمستقبلي الذي لن تتخلّى عنه. 
 
 
 
قضايا الأنا الجمعي
تعتبر مسرحية "معتقلة" الفلسطينية من أقصر العروض المقدمة هذا العام، بحيث لم تتجاوز مدة العرض (37) دقيقة، وقد حصل فريق العمل على شهادة تقدير عن مشاركتهم في برنامج العروض. التمثيل والإخراج لـمعتصم أبو الحسن، وتشاركه البطولة شذى ياسين. 
تدور فكرة المسرحية في إطار المسرح الثنائي، حيث نتابع مراحل الاستقبال لإحدى المعتقلات الفلسطينيات، والتي لا تجد في انتظارها سوى فرد أمن من العدو الصهيوني، يقوم باستجوابها وتعذيبها بوحشية وحيوانية مفرطة، علاوة على اغتصابها في بعض الأحيان من خلال أداء حركي تعبيري غلبت عليه القسوة والشراسة، في مقابل الضعف المادي والمعنوي للفتاة الفلسطينية، بداية من المعاملة والعزل بحبس انفرادي يتجاوز 18 يوماً متتالية، وحتى الحيز الضيق للسجن الذي استعان المخرج في رسمه بمجموعة مواسير بلاستيكية عادية وضعت في مقدمة خشبة المسرح أفقياً فوق الأرض.  
 
أخيراً مع العرض الألماني "جرح" للكاتبة والفنانة المصرية نورا أمين، والتي تشترك فيه بالكتابة والأداء والإخراج، بجانب المشاركة في الإنتاج. 
تبحث نورا أمين في مسرحيتها الجديدة عن المداواة التي تبحث عنها بدورها كل أنثى تحمّلت عبء تمثلات الحياة وصناعتها، لذلك نجدها تستعين بالعناصر الأولية للخلق أو الحياة، في صورة الماء الذي بعد أن تقوم بخلطه بالدقيق يتحول لجنين تدبّ فيه الحياة. 
 
 
 
 
ولا شك في أن العرض يقدّم حالة تجريبية مجرّدة تُعدّ من أكثر المسرحيات تجريباً في برنامج العروض، حيث اعتمدت الدراما الجسدية متخلية عن الكلمات والحروف، فيما عدا مساحة من البوح والاتهام، تظهر في سطور مكتوبة في خلفية المسرح، كأنها الكتاب الجمعي الذي يدوّن على أجساد النساء. 
في النهاية تقوم نورا أمين بتوريط جمهورها وإشراكه في التجربة، وذلك عن طريق المرور عليهم بطبق زجاجي ممتلئ بالماء، على كل واحد من الحضور لغمس يده وتمني أمنية، فيما تردّد نورا "لو كنت أنا الماء... لرويتكم.."، فيما يشبه ترانيم تحقيق الأمنيات في أعياد الميلاد، وبعد أن يمتلئ الوعاء بلمسات الأيادي تخبرنا بذلك وترحل، بعدما حصلت على إقرار من الجميع أو شهادتهم الموثقة على الواقعة المروية، ممهورة ببصمات أصابعنا. 
 

اقرأ في النهار Premium