النهار

​ عمر أفندي.. دراما تتراقص على أوتار "الزّمكان"
عمرو فاروق
المصدر: النهار العربي
استحوذ مسلسل "عمر أفندي" الذي قام ببطولته الفنانان أحمد حاتم وآية سماحة على اهتمام الشارع المصري والعربي. ودارت أحداثه تنقلاً بالسفر عبر الزمن من خلال سرداب سري، ما بين مرحلة الأربعينات من القرن الماضي، والمرحلة الراهنة، في إطار تجسيدي لنظرية "الزمكان".
​ 
عمر أفندي.. دراما تتراقص على أوتار "الزّمكان"
أبطال مسلسل عمر أفندي
A+   A-
استحوذ مسلسل "عمر أفندي" الذي قام ببطولته الفنانان أحمد حاتم وآية سماحة على اهتمام الشارع المصري والعربي. ودارت أحداثه تنقلاً بالسفر عبر الزمن من خلال سرداب سري، ما بين مرحلة الأربعينات من القرن الماضي، والمرحلة الراهنة، في إطار تجسيدي لنظرية "الزمكان".

غالباً ما يقع الإنسان أسيراً لفكرة التعايش مع "نوستالجيا" الماضي، أو الهروب من "الواقع"، والتعرف إلى معالم الحياة في العصور والأزمنة السابقة والمتعددة، التي ربما سمع عن رموزها من معاصريها، أو قرأ عن تفاصيلها ممن وثق تاريخها ومؤرخيها، بخاصة التي فرضت مقدماتها واقعه المعيش اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وتاريخياً، أو التطلع لمعرفة المستقبل وقراءة أبعاده وخطوطه الزمنية.

مرجعية معظم الأعمال الدرامية والأدبية، المتناولة في حبكة من الخيال العلمي لخواص السفر عبر الأزمنة المختلفة مستقبلاً أو ماضياً، تستند إلى أن العالم يعيش في أحضان عصور متزامنة أو متوازية وليست متعاقبة في مضامينها، في حالة تتلاشى في إطارها الخطوط الزمنية، وفقاً لفرضيات علمية وفيزيقية.

من أشهر الأعمال الفنية التي قدمت نظرية "الزمكان"، فيلم "العودة إلى المستقبل" Back to the future (1985)، وفيلم "كوكب القرود" Plant of the apes (1968)، وفيلم "دكتور سترينغ"  Doctor Strange (2016)، وفيلم "بين النجوم"  Interstellar (2014)، وفيلم "الوصول"  Arrival (2016)، وفيلم Midnight in Paris (2011)، وفيلم Mr nobody (2013)، والفيلم الألماني Run Lola Run (1998) ، وفيلم Donnie Dark" (2001)، والفيلم الفرنسي La Jeté" (1962)، وفيلم Loope (2012)، وفيلم Source Code (2011)، فضلاً عن الأفلام العربية مثل فيلم "الغسالة" (2020)، وفيلم "سمير وشهير وبهير" (2010)، انتهاءً بمسلسل "عمر أفندي" (2024).

عدد من الروايات الأدبية دوّنت رحلة السفر عبر الزمن، مثل رواية (11/22/63) للكاتب الأميركي ستيفن كينغ، ورواية "آلة الزمن" ورواية "النائم يستيقظ"، للكاتب البريطاني هربرت جورج ويلز، ورواية "المسلخ الخامس"، للكاتب كورت فونيغوت، التي صدرت عام 1969 وتعد من أوسع الروايات رواجاً وشعبية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ورواية "قبل أن تبرد القهوة"، للكاتب الياباني توشيكازو كواغوشي.

أضفى بعضهم على التنقل بين العصور والأزمنة غطاءً صوفياً في إسقاط فلسفي متمثل في كرامات الأولياء كأطروحاتهم بتجاوز حدود الزمان والمكان، أو "طي الأكوان" جملة وتفصيلاً، أي طي المكان والزمان، للتنقل بين مكانين في زمن قصير، المعنونة بـ"الخطوة الروحية"، فضلاً عن فلسفة الرؤى المنامية، وقراءات الغيب بماضيه ومستقبله وكشف حُجُبِه.

يشغل "الزمكان" حيزاً في المخيال الصوفي لا كبقعة جغرافية، محدودة بالأبعاد الفيزيقية الضيقة، بل أصبح يشكل برمزيته فضاءً للاتساع والانطلاق والكمال،

فقدم المحامي والمفكر الإسلامي ثروت الخرباوي، في رائعته "زمكان"، عملاً روحياً مازجاً بين التاريخ والخيال والواقع المعيش، في خلط بين الروح والأبعاد المادية، لتفنيد ضلالات المنهجية الفكرية للجماعات الأصولية، عبر سفر الإمام أحمد بن حنبل، متنقلاً بين أزمنة الدولة العباسية، وعهد الملك فاروق، انتهاءً بالجمهورية الحديثة، في رحلة تعيدنا إلى أزمة خلق القرآن، وتقف أمام فتنة التكفير والعنف المسلح في واقعنا المعاصر، متماهياً بين الأزمنة الماضية والراهنة، ومعلقاً على المتغيرات التي أعطبت الوسطية الدينية، وغلفتها برداء التشدد والتنطع في التعامل مع القضايا الحياتية.

الربط بين جدلية السفر عبر الزمن، والأطر الشرعية، دفع دار الإفتاء المصرية إلى تأكيد عدم استحالة القضية في إطار المعجزات النبوية، وسريانها على كرامة الأولياء والصالحين، وقصرها روحياً وفقاً للضوابط الفقهية المنصوصة في أصول أهل السنّة والجماعة، من أن كل ما جاز معجزة لنبيٍّ جاز كرامة لوليٍّ، فلا يكون ذلك ممنوعاً في العقل، ولا دليل إلى منعه في الشريعة، ويتصور الانتقال عبر الزمن أيضاً في ما يُسَمّى بـ"طي المكان وبسط الزمان"، وهو حاصل في معجزات الأنبياء عليهم السلام، وكشف الله تعالى المغيَّبات لهم بحيث يرونها رأي العين.

وبينت في بيان لها حول مفهوم "الزمكان" أن لعلماء المسلمين أبحاثاً علمية حول الإعجاز العلمي المتعلق بالانتقال عبر الزمن في الكتاب والسنّة، قارنوا فيها بين النظريات الحديثة في هذا المجال وما ورد في الكتاب والسنّة من أحداث تدل إليه وتُفَسَّر به تفسيراً علمياً مقبولاً، وأن الانتقال عبر الزمن متصوَّر باختلاف العوالم الذي يجعل هناك تفاوتاً في معايير الزمان بالنسبة إلى كل عالم، وأن هذا الانتقال له صور، فقد يكون الانتقال إلى المستقبل، وقد يكون إلى الماضي، ويكون ذلك أيضاً برؤية أيٍّ من الماضي أو المستقبل أو شيء منه بينما الرائي لا يزال في لحظته، وكلها أمور جائزة عقلاً، وليست من المحال العقلي.

ويعتبر "الزمكان" دمجاً لمفهومي الزمان والمكان، وهو الفضاء بأبعاده المكانية الثلاثة التي نعرفها بالطول والعرض والارتفاع، مضافاً إليها الزمان كبعد رابع، وقد صاغ هذا المفهوم هيرمان مينكوفسكي عام 1908 خلال تعقيبه على نظرية آينشتاين "النسبية الخاصة"، التي ظهرت عام 1905.

وقد طرح مجموعة من علماء الفيزياء، نظرية مدعومة بنظرية "النسبية" لأينشتاين، تعتبر أن الوقت "ليس حقيقياً"، بل نتاج بناء بشري للمساعدة على التفريق بين إدراكنا للماضي والزمن الحاضر، وأن المكان والزمان جزء من هيكل رباعي الأبعاد، وأن لكل حدث إحداثياته الخاصة، بمعنى أن الماضي، وحتى المستقبل، لا يزالان موجودين في التوقيت نفسه.

واعتبر عالم الفيزياء البريطاني جوليان بربور الذي ألّف العديد من الكتب حول إشكالية الزمن، أنه سلسلة من "الأحداث الحالية"، وأنه بينما يبدو أننا نتحرك ونعيش عبر سلسلة زمنية متتالية، فإن الحقيقة تخالف في مجملها ذلك، معقباً أن لكل شيء مكانه الخاص، فيمكنك أن تفكر في الأمر كمناظر طبيعية أو بلد، كل نقطة في هذا البلد هي "الآن"، أي أنها صالحة لكل زمان ويتم إنشاؤها بواسطة قواعد رياضية مثالية.

وبعيداً عن الجدل الدائر حول تعقيدات معادلات آينشتاين، ومينكوفسكي، وماكس بلانك، وأنتون لورنتس، ونيوتن، وستيفن هوكينغ، وغيرهم ممّن ساهموا في تشكيل نظريات الفيزياء النسبية والكمية، المعنية بالترابط الفهمي لخاصية "الزمكان"، فإن الانتقال اللحظي بين الجسيمات ظاهرياً ممكن؛ بسبب طبيعة قوانين فيزياء الكم، إلا أن الإجابة عن إمكانية حدوث الانتقال الآني على مستويات أكبر من الجسيمات الذرية، كمستوى الإنسان البشري، يعد أمراً مستحيلاً، ما يقف حائلاً أمام تصورات السفر بين الأزمنة ماضياً ومستقبلاً، لا سيما أن الفيزياء ليست رياضيات، والمعادلات الرقمية لا معنى لها إذا لم تتوافق مع أي شيء في الواقع.
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium