في السنوات الأخيرة أصبحت شركة "المتحدة" المحسوبة على الحكومة هي قاطرة الدراما المصرية ومسلسلات رمضان وهي التي تحدد مساراتها، إضافة إلى وجود منصات ومجموعات أخرى عربية ومصرية لها حضورها القوي في مصر مثل منصة "شاهد" ومجموعة mbc.
وربما لعبت المنصات تحديداً دوراً أساسياً في تغيير شكل المسلسل العربي ومفهومه، فانتهت تقريباً موضة الأجزاء باستثناء أعمال قليلة جداً مثل "باب الحارة"، كما شهد الموسم الحالي تراجع موضة الثلاثين حلقة، لأن معظم الأعمال انتهت مع نهاية النصف الأول من شهر رمضان. والمسألة لا تعني تقليل عدد الحلقات بل تغيير الرؤية الجمالية والميل إلى الإيقاع السريع والاستفادة من جماليات السينما.
وبطبيعة الحال تقليل الحلقات إلى النصف يعني تلقائياً مضاعفة عدد المسلسلات، فبدلاً من مسلسل واحد يحجز موعده على مدار الشهر أصبح هناك اثنان، وهذا أيضاً وسّع فرص البطولة المطلقة لأسماء لا تتصدر بالضرورة شباك النجومية، مثل مي عمر وروجينا، وبعدما كنا نشاهد ـ مثلاً ـ نيللي كريم وآسر ياسين في مسلسل واحد، بدأ كلاهما النصف الثاني من رمضان بمسلسل خاص به هما "فراولة" و"بدون سابق إنذار".
نظرة سريعة على ردود الفعل في السوشيل ميديا، حققت مسلسلات نصف الشهر: أشغال شقة، أعلى نسبة مشاهدة، صلة رحم، لحظة غضب، بابا جه، كامل العدد +1، ومسار إجباري، نجاحاً لافتاً، مقارنة مع أعمال مستمرة طول الشهر مثل: حق عرب، المعلم، صدفة، لانش بوكس، المداح، إمبراطورية ميم، بيت الرفاعي، ومحارب.
فيما واصل المخرج محمد سامي الرهان على زوجته مي عمر في "نعمة الأفوكاتو" وعلق عليه البعض بتهكم أنه "النسخة النسائية" من "جعفر العمدة"، والطريف أن حلقته الأخيرة تجاوزت ثمانين دقيقة!
هذا لا يمنع وجود استثناء، فعمل "عتبات البهجة" انتهى في النصف الأول لكنه جاء مخيباً لتوقعات الجمهور استناداً إلى مكانة بطله يحيى الفخراني، بينما هناك أعمال ما زالت مستمرة بنجاح مثل "الحشاشين" استناداً للدعاية والتسويق والجدل حول قصته التاريخية وشعبية بطله كريم عبد العزيز، كذلك "العتاولة" للثلاثي طارق لطفي وأحمد السقا وباسم سمرة، وهو دراما شعبية مألوفة كل عام.
وبعيداً من نخبوية "السوشيل ميديا" يحظى المسلسل باهتمام شعبي واسع، وهناك مقاطع منه تحولت إلى ترند مثل "المال الحلال أهو"!
أنواع وقوالب
حافظت شركات الإنتاج على تنويع قوالب المسلسلات وأشكالها، فهناك الأعمال التاريخية ذات الصبغة الدينية، لكن بدلاً من عرض شخصيات تحظى بالإجماع وما يشبه القداسة مثل "الإمام الشافعي" العام الماضي، كنا إزاء شخصية إشكالية ممثلة في "حسن الصباح" وجماعته "الحشاشين".
أيضاً كانت الغلبة للدراما العائلية التي يشارك فيها كبار وأطفال مثل "كامل العدد" و"بابا جه" و"إمبراطورية ميم"، مقابل الدراما الشعبية.
ولا يخفى أن بعض الأعمال مستلهمة من مسلسلات وأفلام وقوالب عالمية يتم تمصيرها، بينما بعضها الآخر مقتبس من نصوص لكتاب مثل إحسان عبد القدوس وإبراهيم عبد المجيد.
وإن كنا لا نملك إحصاءات دقيقة من جهات محايدة، لكن في فئة الكوميديا تفوق "أشغال شقة" بطولة هشام ماجد وأسماء جلال، على كوميديا "الكبير أوي" لأحمد مكي التي استنفدت طاقتها وأغراضها بعد ثمانية مواسم وتعثرت في الإضحاك.
كما اتسم هذا الموسم بعودة دراما "ألف ليلة وليلة" وأجواء السحر والخيال والعجائبية التي تقودنا إليها حكايات شهرزاد، من خلال مسلسل "جودر" للمخرج إسلام خيري، والذي انطلق في النصف الثاني. ومن بين كل هذه الأعمال، انفرد مسلسل "مليحة" لميرفت أمين بالاشتباك المباشر مع الواقع السياسي والقضية الفلسطينية.
أجيال تتبادل المقاعد
من اللافت للنظر أن النجوم الكبار الذين قادوا دراما الثمانينيات والتسعينيات اختفوا تقريباً، لأسباب مختلفة، غاب عادل وإمام وصلاح السعدني لظروف صحية، وغابت يسرا وإلهام شاهين وليلى علوي، حتى من يعافر للبقاء مثل يحيى الفخراني جاء حضوره أقرب إلى الغياب. وهناك نجوم من أجيال تالية اختفوا أيضاً، ومن شارك قدم أعمالاً لم تلفت النظر، مثل روجينا في "سر إلهي" وسمية الخشاب في "ب 100 راجل".
في المقابل، هناك نجوم شباب نالوا إشادات وتعليقات إيجابية مثل سلمى أبو ضيف "أعلى نسبة مشاهدة"، والطاقة الكوميدية مصطفى غريب في "أشغال شقة"، وأسماء أبو اليزيد في "صلة رحم"، وأحمد داش وعصام عمر في "مسار إجباري"، ومحمد شاهين في "لحظة غضب".
كما كان هناك إعادة اكتشاف لممثلين مخضرمين مثل أحمد عيد في "الحشاشين" وانتصار في أكثر من عمل، والقديرة إنعام سالوسة التي تقترب من التسعين في "أشغال شقة" ومعها في المسلسل نفسه شيرين، ومن النجوم الذين حافظوا على حضور مميز طارق لطفي في "العتاولة" وفتحي عبد الوهاب في "الحشاشين".
لكن الظاهرة التي تلفت النظر أكثر تمثلت في زيادة عدد أبناء العاملين في المجال الفني والإبداعي، بكل ما لهذه الظاهرة من سلبيات وإيجابيات، فلدينا المخرجة نادين خان ابنة المخرج الكبير محمد خان في "مسار إجباري"، وأحمد كمال ابن كمال أبو رية وماجدة زكي في "المداح" و"عتبات البهجة"، وابنة خاله مريم زكي في "سر إلهي" وهي ابنة روجينا وأشرف زكي وعمتها ماجدة زكي، والكاتبة يسر طاهر في "كامل العدد" ابنة الروائي بهاء طاهر، والمخرج خالد الحلفاوي ابن الفنان نبيل الحلفاوي في المسلسل نفسه.
تدوير أفكار
من المفارقات الغريبة أن زيادة عدد المسلسلات وأنواعها لم يؤد بالضرورة إلى تنوع الأفكار والرؤى، بالعكس معظم المسلسلات هي إعادة اجترار لأفكار مستهلكة وتدوير لها، فما زالت رواية "الكونت دي مونت كريستو" وقصة الانتقام من رفاق الأمس حاضرة بشدة، و"كامل العدد" مأخوذ عن فيلم أميركي وسبق تمصيره في فيلم من بطولة رشدي أباظة، والأمر نفسه بالنسبة إلى "إمبراطورية ميم"، وحتى "الحشاشين" سبق تقديمه في "سمرقند"، و"أشغال شقة" من حبكة فيلم "صباح الخير يا زوجتي" لنيللي.
ومعظم الأعمال مررت خطاً أساسياً يتعلق بمشكلات "السوشيال ميديا" و"التيك توك" وظاهرة "الأنفلونسر" وإعادة تدوير "ترندات" و"أفيهات" معروفة مثل "الشارع اللي وراه"، هذا الخط تصدر مسلسل "عتبات البهجة" و"أعلى نسبة مشاهدة" وحتى في أعمال النصف الثاني مثل "فراولة". وللأسف كلها تنطوي على نظرة أبوية أخلاقية وتحذيرية، تلقي باللوم على الشباب والبنات، وتتعامل مع التكنولوجيا بريبة بوصفها شراً وإفساداً للقيم والأخلاق المتعارف عليها. بدلاً من النظر إليها باعتبارها وسعت شروط النجومية وأتاحت تكافؤ الفرص، والتواصل المباشر بين النجم وجمهوره، ووسعت مساحة حرية التعبير، وسهولة تبادل المعلومات والانفتاح على العالم والتحرر من القيود الدينية والاجتماعية والسياسية.
للأسف معظم النهايات انطوت على إدانة للشباب باللوم أو السجن أو توجيه تهم من عينة "الإتجار بالبشر"، و"انتهاك الآداب العامة". فالمعالجات تجنح إلى المنطق الذكوري الذي يلقي باللوم أكثر على البنات، حتى لو كن هن الضحايا، وأيضاً ليس هناك تعميق جدي ونقاش بشأن الأطر القانونية وصعوبة إثبات هذه الجرائم أحياناً، وتعقيدات الإجراءات المتعلقة بها.