في غاليري "فن" في الجميرا، يتوزّع الجمال في كل مكان لتحتضن تلك المساحة الصغيرة كلّ ما يرتبط بالفن والتشكيل.
المهندسة الأردنية غادة كنش استثمرت في الثقافة ونجحت، فجعلت من حيز صغير يجمع معرضين فنيين للفنانين أحمد معلا، بعد احتجاب طويل، ومجد كردية قادماً من بيروت.
الغاليري جزء من حكاية طويلة تعود الى عام 2008، عندما أتت غادة إلى الإمارات وتنقلت كمهندسة تصميم داخلي بين دبي وأبوظبي. حينها قرّرت أن تفتح مكانها الخاص برؤيتها الفنية الخاصة.
وعن هذا الأمر تقول: "لأني أحب الفن والتحف، فتحت غاليري "فينداميا" في منطقة GBR، وكنا رقم واحد في المكان، وبما أنّ جزءاً من العرض للتحف الخشبية الغامقة، ومن أجل التباين، وضعت على الجدران لوحات فن معاصر، فحققت نجاحاً كبيراً، ثم أخذت غاليري آخر لأضع فيه اللوحات، ثم أخذت غاليري آخر في مكان آخر وسمّيته "فن أبورتيه"، ثم تعاونا لعرض تحف وفن في فندق كامبينسكي في مول الإمارات، وفي كل مكان في اللوبي حتى في مقهى أسبن، وهكذا انتهى بنا الأمر أننا بتنا هناك بشكل رسمي. وكل شهر كنا نقيم معرضاً للفنانين المقيمين في الإمارات والعرب والعالميين، وكانت الرعاية من إدارة الفندق للغاليري. كنا نُصدر حوالى 5000 كتيب ونجهّز برنامجاً للعام بأكمله".
لاحقاً، أُغلق المكان للتجديد وأخذت غادة مكاناً صغيراً بقيت فيه لفترة ثم انطلقت لتبحث عن مكانها الخاص، ومن هنا انطلق غاليري فن.
وفي هذا السياق تقول للنهار العربي: "في كانون الاول/ ديسمبر 2016 وضعت كل الأشياء التي أحب أن أعملها تحت مظلة شيء دعيناه: ورشة العمل، قمنا بخمسة نشاطات مختلفة: فن ابورتيه والآرت غاليري بقي كما هو، ومكتب التصميم الداخلي بقي، وأضفت اليه المقهى كنشاط، وأيضاً متجر الحرف اليدوية المستدامة، وقاعة تتسع لـ20 شخصاً لورش عمل مختلفة بالفن والحرف واليدوية، وتُعقد فيها اجتماعات وتُحجز لمحاضرات وللتدريب وللتنمية البشرية وغيرها".
دبي تعشق الفن
"دبي تعشق الفن التشكيلي وتستهلكه بسرعة، ربما أكثر من اللازم لأنّهم يريدون الجديد دوما"، تضحك غادة وتضيف: "دبي حاضنة للفن والفنانين، وهي مكان يعطي تحدّياً صعباً للفنان كي يثبت وجوده، وفيها يتمّ إطلاق الفنان جيدًا، لذا نحتاج دوما الى جهات ترعى الفن والفنان، سواءً غاليري أو مؤسسات غير ربحية أو حكومية".
أوجدت غادة أكثر من نشاط ثقافي في المكان نفسه، فالمقهى مصدر دخل يومي ومستمر وهو للجميع، تقول: "هنا مكان مريح تأتي الناس إليه وتجلس حتى لو لم يكن هدفهم أن يشاهدوا الفن، أي تماماً كما ينتشر الفن في شوارع أوروبا ومتاحف وفنانون يرسمون بالطريق، جعلنا الفن متاحاً أكثر وعاماً".
يحتفي المقهى بحرف يدوية وحقائب وحكايات كان يا ما كان بطباعة صديقة للبيئة وسابقة لعصرها، وهي مشاريع نفّذتها غادة مع الفنانين، توضح: "كانت الفكرة أن يعمل الفنان لوحة ونطبعها على الجلد، نفّذناه في إيطاليا وطبعناه على جلد طبيعي، هذا المشروع سبق لوي فيتون بطباعة الفن على الحقائب فعلياً في 2009 نفّذناه، ولم لا؟ يمكن أن نحمل اللوحة التي نحب على حقيبتنا مثلاً؟، هذا دعم للفنان".
أما عن صندوق الحكايا الذي يحتل مكانه على رفوف الغاليري، تقول غادة: "من المشاريع المقرّبة لقلبي: مشغل صندوق الحكايا وصاحبة المشروع الرائع هي الفنانة يمن أبو الحسن؛ قمنا بورشة عمل متخصصة بالطباعة التقليدية القديمة لإحياء الصناعات التقليدية والتراثية، وتمّت الطباعة بالبلوك والخشب المحفور، والطباعة الحريرية تنفّذ على ورق أنيق كما في الطبعات الموجودة في المحل وتُنفّذ على القماش، في ورشة العمل كانت الفكرة أن يعملوا كتاب قصص شعبية، والتي أخذت وقتًا جيدًا للتحضير وجمعوا قصصًا من مختلف مناطق سوريا و اختاروا منها 12 قصة، ووضعوها بالكتاب باللهجة العامية وبالفصحى". تضيف: "جميل الحفاظ على الثقافة واللهجات من حلب ومن حماة واللاذقية وريف دمشق، هي فكرة عظيمة ومرفق معها بما أنّهم يقومون بالطباعة الحريرية: 12 لوحة، كل لوحة الغرافيك الخاص بها مرتبط بالحكاية نفسها".
..وزيت زيتون متوسطي عضوي
أثناء وجودك في المكان تظلّلك أشجار الجكارندا والجهنمية، وتخلق شغفاً متوسطياً ساحراً، يكتمل بتقديم زيت الزيتون العضوي المعصور على البارد مع الخبز الأسمر الصحي، وهي تجربة تدعم فن الحياة المستدام الذي يكتنزه المكان، وهو ابن حكاية طويلة حدثت عندما زارت إيطاليا لتتعاون مع مصممين هناك في الديكور في ورشة دُعيت باسم "ميد امانو والتي تعني بالعربية: صنع اليد".
وهي زارت جزيرة صقلية وبركانها اتنا الذي يمدّ المدينة بالحياة وبالرخام والغرانيت البركاني الصقلي الشهير، وعنه تقول: "يرسمون عليه أنماطاً مختلفة ويدخل الى الأفران كي يخرج كما السيراميك المرسوم، ويستمر تقريباً مدى الحياة لأنّه مصنوع على درجات حرارة عالية جدًا، والمشغل موجود في مدينة اسمها كالتا جيروني في وسط الجزيرة، وهي مدينة السيراميك الذي يعود عمره إلى أكتر من 4000 آلاف عام"!
تضيف: "أغرمت بالمكان لأنّه غير عادي، وبعد بحث لسنوات أشتريت أرضاً هناك، وهو حلم وتحقق ويشبه الأفلام الرومانسية، والأرض فيها 3000 شجرة زيتون بعمر 30 سنة، وهو منتج سلفًا وفيها فيلا قديمة من عام 1730، وسمّيت الفيلا: "فيلا ثريا" على اسم ابنتي، لأنّه أصبح الآن تاريخاً جديداً للمكان ونعمل على بعض التحسينات والترميم، بخاصة أنّه في سقف الفيلا رسومات وفريسكو، أريد أن أرى كيف يمكن أن أضيف قليلاً من ثقافتنا للمكان، وأيضًا له رؤية أخرى غير زيت الزيتون، وهو انتاجنا الذي يراعي الشروط الصحية في تحضير زيت زيتون عضوي ممتاز". وتختم: "لديّ مشروع آخر هناك خاص بالفن وإقامة الفنانين".