أطلّ المستشار والمؤرّخ والأديب جمال بن حويرب طيلة شهر رمضان المبارك من شاشة تلفزيون دبي، لينقلنا، كعادته، عبر برنامج "الرّاوي" في موسمه الرّابع عشر، إلى ِزمان قد مضى، فيعرّفنا بشخصيّات ومراحل ومحطّات وأماكن مهمّة من تاريخ الإمارات العربيّة المتّحدة ومنطقة الخليج العربيّ وبقيّة الدّول العربيّة. فإذا به يستحضر الماضي، ليشعل الحاضر بمآثر كبار تركوا بصماتهم واضحة في الحياة الثّقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والقضائيّة وغيرها. كما ألقى الضّوء على معالم ومدن ومراكز لها تاريخها ودورها وأهميّتها...
"مَن ليس له ماضٍ ليس له حاضر"، عبارة أشبه بشعار تعبّر عن الغاية المرجوّة من البرنامج. فالماضي أساس يرتكز عليه الحاضر ويبني للمستقبل. وما تاريخ بلادنا العربيّة وحضاراتنا إلّا خير شاهد على عراقتنا وماضينا وعمق تجذّرنا في أرضنا.
الرّاوي ينبش الماضي، ويكشف النّقاب عن رجال وَسَموا، بجهدهم ونشاطهم ومناقبهم، مسيرة تطوّر الإمارات والمنطقة، وكان لهم الأثر الواضح في تاريخ الأمّة العربيّة، في مجالات مختلفة.
يسلّط جمال بن حويرب الضّوء، في كلّ حلقة، على شخصيّة كان لها دور أساسيّ وبارز في إثراء الحياة الأدبيّة أو الفكريّة أو الاقتصاديّة أو الاجتماعيّة أو القضائيّة أو السّياسيّة... فينطلق من موضوعه ليتطرّق إلى مواضيع أخرى تمتّ بصلة وثيقة إلى العَلَم الذي يتناوله. فهو بارع ماهر في سرد الوقائع، ونقل الماضي بأنقى صوره، وأسْر انتباه المشاهد ونقله معه إلى المرحلة التي يتناولها بمرونة وفطنة وبراعة. وهو يوثّق معلوماته وأخباره بمقابلات أشبه بشهادة من أحياء كانوا شهود عيان على المرحلة التي يتناولها، أو عرفوا الشّخصيّة التي يلقي الضّوء عليها، أو غير ذلك من الوثائق والمصادر التي لا يمكن أن ننكر مصداقيّتها وشفافيّتها.
وتلفتنا الأسماء التي شكّلت موضوع حلقاته في هذا الموسم وفي المواسم السّابقة، فسلّط الضّوء على سِيَر الكثيرين، نذكر منهم:
الفريق ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشّرطة والأمن العام في دبي، وجمعة الماجد رئيس مركز جمعة الماجد للثّقافة والتّراث في دبي، والرّاحل الشّيخ بطي بن سهيل آل مكتوم، والرّاحل الشّيخ سالم بن حم العامريّ، رفيق درب المغفور له الشّيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشّيخ حمدان بن محمّد آل نهيان، ومبارك بن محمّد آل نهيان، وإمام وخطيب الحرم المكّيّ الرّاحل الشّيخ محمّد بن سبيل، وأمير الجوف وعسير وجازان الرّاحل تركي بن أحمد السّديريّ، والشّيخ محمّد بن حشر آل مكتوم الذي مارس صلاحيّات القضاء، والملك الحسين بن طلال عاهل المملكة الأردنيّة الهاشميّة، والشّاعر والأديب الكويتيّ الرّاحل عبد العزيز البابطين، وغيرهم الكثير من الأعلام الذين لا يتّسع المجال لذكرهم... فالمواسم أربعة عشر، والحصاد كثير...
وليست السّير الشّخصيّة هي التي استحوذت اهتمام جمال بن حويرب فحسب، بل نراه يأخذنا معه في جولات متنوّعة، من مركز دبي التّجاريّ العالميّ، إلى مدينة العين التّاريخيّة، فمنطقة كاظمة في الكويت، وكلّيّة فيكتوريا (مدرسة الملوك)، وغيرها...
سعى "الرّاوي"، على امتداد السّنوات، إلى أن يتناول مختلف المسائل المتعلّقة خاصّة بتاريخ الإمارات، فلم يتوانَ عن ذكر كلّ تطوّر جديد، كالحلقة التي خصّصها مثلاً لتاريخ السّيّارات في دولة الإمارات.
تجدر الإشارة إلى أنّ تصوير الحلقات تطلّب جهداً يُشكر عليه كلّ فريق البرنامج، إذ لم تصوّر الحلقات في استديو خاصّ دائم مجهّز لهذه الغاية، بل كان يتمّ وفق متطلّبات كلّ حلقة، إذ شمل التّصوير، لهذا الموسم، الإمارات والسّعوديّة والكويت ومصر.
برنامج "الرّاوي" موسوعة تاريخيّة يسجّلها ابن حويرب صوتاً وصورة، تربط الماضي بالحاضر، وتعرّف أبناء الجيل الجديد بمن سبقهم ممّن لهم الفضل في ما آلت إليه بلادهم اليوم، وتثير فيهم الحماسة الوطنيّة والتّمسّك بالأرض والعمل على التّطوّر مع الحفاظ على التّقاليد والقيم، وتحفظ للمستقبل أسماء وأخباراً لا بدّ أن تبقى في ذاكرة الزّمان إرثاً لن ينال منه النّسيان.