النهار

العربية بين الفصحى والعاميّة... هل اللهجات المحلية تخدم لغتنا أم تضرّ بها؟
سارة ضاهر
المصدر: بيروت- النهار العربي
تعتبر اللّغة العربيّة من أقدم اللّغات في العالم، وتتميّز بجمالها وغناها بالمفردات والتّعابير، كما أنّها قادرة على الانفتاج والتّطوّر والاستيعاب والتّأقلم في شقّيها: الفصحى التي توحّد وتجمع وتسهّل الفهم، والعامّيّة المتنوّعة والمتباينة والأكثر تداولًا في المجتمع الواحد، أو البيئة الواحدة. فما الذي يميّز الواحدة عن الأخرى؟ وكيف السّبيل إلى حلّ إشكاليّة العامّيّة والفصحى في حياتنا اليوميّة من أجل فهم أبسط وأوسع للّغة العربيّة؟
العربية بين الفصحى والعاميّة... هل اللهجات المحلية تخدم لغتنا أم تضرّ بها؟
لوحة تعبيرية
A+   A-
تعتبر اللّغة العربيّة من أقدم اللّغات في العالم، وتتميّز بجمالها وغناها بالمفردات والتّعابير، كما أنّها قادرة على الانفتاج والتّطوّر والاستيعاب والتّأقلم في شقّيها: الفصحى التي توحّد وتجمع وتسهّل الفهم، والعامّيّة المتنوّعة والمتباينة والأكثر تداولاً في المجتمع الواحد، أو البيئة الواحدة.
فما الذي يميّز الواحدة عن الأخرى؟ وكيف السّبيل إلى حلّ إشكاليّة العامّيّة والفصحى في حياتنا اليوميّة من أجل فهم أبسط وأوسع للّغة العربيّة؟
إنّ اللّغة العامّيّة أو المحكيّة، لغة التّداول اليوميّ، تقوم على اللّهجات. وهي متعدّدة ومختلفة بين بلد وآخر، وحتّى بين منطقة وأخرى في البلد الواحد، إذ لكلّ مجموعة أو بلد طريقة في إخراج الحروف ونطقها تختلف عن غيرها، كما أنّ لها الكثير من المفردات الخاصّة التي لا يفهمها إلّا مَن يستعملها، أو قد تحمل المفردة الواحدة دلالات مختلفة تبعاً للبلد الذي يستعملها، فتُوظَّف بحسب مفهومها السّائد في منطقة انتشارها.
تُعتبر اللّهجات جزءاً أساسياً من تراث الشّعوب وثقافتها، حيث تعكس العديد من الجوانب الاجتماعيّة والثّقافيّة والتّاريخيّة لكلّ منطقة وبلد؛ فتاريخ وعادات وتقاليد مجتمع ما ينتج منه هذا التّفاوت في اللّهجات الذي نلمسه بوضوح في اللّغة المحكيّة. كما أنّ البيئة التي ينمو فيها المرء أو يعيش تؤثّر في لهجته، لا سيّما أنّها وسيلة التّواصل المستعملة في الحياة اليوميّة، التي تربط بين الأفراد، أبناء المجتمع الواحد، ربطاً واضحاً ومفهوماً.
تتأثر اللّغة العربيّة باللّغات الأخرى الموجودة في البيئة نفسها أو البيئات المجاورة، أو البلدان المسيطرة التي حكمت بلد ما لفترة معيّنة فتركت أثرها اللّغويّ في حياة النّاس وأدخلت كلماتها في أحاديثهم. على سبيل المثل، نجد تأثّر اللّهجات العربيّة بالتّركيّة في الدّول التي خضعت للحكم العثمانيّ، حتّى إنّ الكثير من المفردات التّركيّة قد دخلت لغتنا الفصحى والمحكيّة. 
ولكن، رغم تنوّع اللّهجات العربيّة، إلّا أنّ اللّغة العربيّة تصبح واحدة تحت لواء الفصحى، المتميّزة بقواعدها وقوانينها ومفرداتها المتّفق عليها، والتي تجمع كلّ النّاطقين بلغة الضّاد من مختلف أنحاء العالم، فتوحّدهم في التّعبير والفهم. 
لذلك، إنّها اللّغة التي يتمّ تعليمها في المدارس والجامعات، وتستعمل في البرامج الإذاعيّة المرئيّة والمسموعة التي تبثّ على مساحة العالم. وهي كذلك اللّغة المستعملة في المعاملات الرّسميّة وفي معظم المؤلّفات العربيّة، وفي الخطابات الرّسميّة والمؤتمرات على صعيد الدّول العربيّة، وغير ذلك من الأمور التي تحتاج فهماً جماعياً لا يشوبه لبسٌ. 
إجادة التّكلّم بالفصحى ضرورة ملحّة كونها الرّابط الجامع بين العرب، تسهّل التّفاهم في ما بينهم، لأنّ اللّهجات، كما أشرنا، تمتاز بالتّنوّع، ويبقى فهمها محصوراً ضمن إطار مجموعة معيّنة. ومشكلة اللّغة العربيّة الفصحى واللّهجات قضيّة تثير اهتمام الكثيرين في العالم العربيّ، حيث يعاني الكثير من الأفراد عدم القدرة على التّواصل بفعاليّة مع غيرهم من النّاطقين بالعربيّة بسبب اللّهجات المحلّيّة، كما أنّ هذه المشكلة تؤثّر في التّفاهم والاندماج. كذلك، الاسترسال في استعمال اللّهجات، وهذا طبيعيّ، يعيق انتشار الفصحى باعتبارها وسيلة تواصل مشتركة.
صحيح أنّ اللّغة الفصحى تخضع لقوانين صارمة، لكن يمكن نوعاً ما، حلّ هذه المشكلة باتّباع الخطوات الآتية:
1- تعزيز التّعليم اللّغويّ: يجب العمل على تحسين جودة التّعليم في المدارس والجامعات لتعزيز استخدام اللّغة العربيّة الفصحى كلغة رسميّة، وتعزيز روح الانتماء إليها.
2- تشجيع الاستخدام اليوميّ للّغة العربيّة الفصحى: يمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع الأفراد على استخدام اللّغة العربيّة الفصحى في حياتهم اليوميّة، والتّواصل بها مع الآخرين بدلاً من اللّهجات المحلّيّة. 
3- تشجيع الثّقافة العربيّة الواحدة: يفترض تعزيز الثّقافة العربيّة المشتركة، وتشجيع الاندماج الثّقافيّ بين الدّول العربيّة لتعزيز الوعي اللّغويّ والثّقافيّ بين النّاس.
4- تطوير التّكنولوجيا: يمكن استخدام التّكنولوجيا لتعزيز استخدام اللّغة العربيّة الفصحى من خلال تطوير تطبيقات ومنصّات لتعلّم اللّغة العربيّة وتبسيطها للأفراد.
5- التّواصل والحوار: يجب تشجيع الحوار بين النّاس من مختلف الدّول العربية لتبادل الخبرات والمعرفة وتعزيز فهم بعضهم البعض.
6- لغتنا جميلة وغنيّة بمفرداتها ودلالاتها، ومن واجبنا الحفاظ عليها وتعلّمها لنقل تراثنا الثّقافيّ والأدبيّ إلى الأجيال القادمة. إنّها وسيلة التّواصل الأولى التي توحّد العرب، وهي جسر يجمع بين الشّعوب والحضارات. واللّهجات العربيّة المتعدّدة تعتبر موروثاً ثقافياً غنياً على الجميع الاهتمام به والحفاظ عليه. غير أنّ هذا التّنوّع في اللّهجات قد يعيق الفهم بين العرب بسبب اختلاف المحكيّة بين بلد وآخر ومنطقة وأخرى، وغنى قاموسها اللّغويّ، الأمر الذي يستدعي تضافر الجهود لتعزيز استخدام اللّغة العربيّة الفصحى، ما يعزّز التّفاهم والتّواصل بين الأفراد، لا سيّما في المجتمع العربيّ. فاللّغة العربيّة هويّة مشتركة، وبهذه الهويّة نفتخر ونعتزّ.   
 

اقرأ في النهار Premium