بعد أسابيع على رحيل الكاتب الأميركي الكبير بول أوستر، يودّع عالم الأدب اليوم واحدةً من أهمّ رموزه ايضا، الكاتبة الكندية أليس مونرو.
ظلّ اسم بول أوستر يتردد كمرشح دائم لجائزة نوبل غير أنه رحل ولم ينلها.
أمّا أليس مونرو فاستطاعت الفوز بنوبل وهي في الثالثة والثمانين (عام 2013)، لتصبح بذلك هي الكندية الأولى- والوحيدة- التي تفوز بالجائزة الأشهر، والمرأة رقم 13 في سجل نوبل للآداب.
عاشت مونرو حياتها بأسلوبٍ خافت، آثرت فيه الصمت على الصخب، واختارت الكتابة وسيلةً لتجاوز الشقاء الذي عرفته صغيرةً.
فهي ولدت في ريفٍ كنديّ لأبٍ وُصف بالعنيف، يعمل مربي دواجن، وأمّ مدرّسة ماتت وهي في سنّ صغيرة جرّاء اصابتها بمرض البارنكسون.
لم تكن هذه الظروف لتصنع من أليس كاتبةً بهذا الحجم لولا موهبتها الفذّة واجتهادها الكبير وإصرارها على النجاح. هذا تماماً ما أكدته مواطنتها الشهيرة مارغريت أتوود يوم كتبت إنّ "طريق مونرو الى نوبل لم يكن سهلا لها وإنّ فرص ظهور نجمة أدبية في عصرها ومن ريف أونتاريو كانت شبه معدومة".
اختارت مونرو أن تكتب القصص لأنّ "الحياة لم تمنحها الوقت للرواية"، فسُميت ب"تشيخوف كندا"، واستطاعت فعلا أن ترتقي بالأقصوصة إلى أعلى المستويات الأدبية، بحيث تميزت كتاباتها بدقة الوصف وعمق التأمل.
هذا ما أشارت اليه أكاديمية نوبل السويدية حين منحتها الجائزة، فوصفت أليس مونرو بأنها "سيدة فن الأقصوصة الأدبي المعاصر"، وأنّ نصوصها القصصية تتضمن "وصفا متداخلا لأحداث يومية لكنها تُبرز القضايا الوجودية".
براعة مونرو تكمن في اختزال التعقيدات الملحمية للرواية في بضع صفحات قصيرة.
ولهذا قيل وُصفت بالماهرة في صياغة الاقصوصة التي تطّعمها بأسلوب واضح وواقعية نفسية".
ونظراً الى قدرتها العجيبة في صهر الحياة وتقديمها في نصٍّ أدبي محكم ومكثّف، اختارتها نوبل لتكون هي المرة الاولى، منذ 112 عاما، التي تمنح فيها الاكاديمة السويدية جائزتها المرموقة لكاتبٍ تقتصر أعماله على الأقصوصة.
ومع أنها بعيدة نوعا ما عن الأضواء، تردد اسمها خلال السنوات الاخيرة التي سبقت فوزها ضمن ترشيحات نوبل نظرا الى أناقة أسلوبها الذي لم يختلف عليه لا النقّاد ولا القرّاء.
ولدت الكاتبة الكندية أليس مونرو في العاشر من تموز/يوليو 1931 في وينغهام في غرب مقاطعة انتاريو وقد عرفت عن قرب المجتمع الريفي.
ما إن بلغت سن الحادية عشرة حتى قررت أن تصبح كاتبة ولن تحيد عن هذا المسار بتاتاً. وقد بررت هذا الاختيار بقولها إنها لا تعرف أن تفعل أيّ شيء آخر ولا حتى أن تتدبر أمورها في ما يخص شؤون المنزل وغيره.
أصدرت مونرو قصتها الأولى "أبعاد الظل" عام 1950 عندما كانت بعدُ طالبة في جامعة ويسترن أونتاريو. وبين عامي 1968 و2012 كتبت الأديبة مجموعات قصصية كثيرة تناولت فيها مواضيع الحياة عامة من الحب والزواج والطلاق الى الوطن والموت والعودة.
خلال دراستها الجامعية التقت جيمس مونرو وتزوجته العام 1951 وانتقلت معه الى فانكوفر (غرب كندا) وانجبت منه اربع بنات. في العام 1963 انتقلا الى فيكتوريا القريبة وفتحا مكتبة حملت اسم "مونروز بوك" وقد اصبحت متجرا شهيرا في كندا والولايات المتحدة. بعد طلاقها العام 1972 انتقلت الى جامعة ويسترن اونتاريو بصفة "كاتبة-مقيمة". تزوجت مجددا العام 1976 من جيرالد فريملين وهو عالم جغرافيا توفي في 2012.
اقتُبسَت قصتها "الدب يعبر الجبل" فيلما سينمائيا بعنوان "بعيدا عنها" عام 2007، من إخراج سارة بولي وبطولة جولي كريستي في دور مريضة مصابة بألزهايمر.
عقب خبر رحيلها، نشر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو عبر منصة "إكس" صورة له مع الراحلة، واعتبر في تعليقه أن "العالم فقد إحدى أعظم كاتباته. سنفتقدها بشدة".
أما وزيرة الثقافة باسكال سانت أونج، فرأت أنها كانت مبدعة كتابة، وقالت إنّ "قصصها أسرت القراء في كندا وفي كل أنحاء العالم طوال 6 عقود"، مذكرةً بأنها "الكندية الوحيدة التي فازت بجائزة نوبل للآداب".