النهار

كيف وصلت المدن العربيّة إلى صدارة المشهد الثّقافي؟
هناء عليان
المصدر: النهار العربي
من يتابع النشاطات والإنجازات الثقافية في بعض المدن العربية عن كثب، يلاحظ تقدّماً لافتاً يجعل من هذه العواصم العربية في صدارة المشهد الثقافي العالمي.
كيف وصلت المدن العربيّة إلى صدارة المشهد الثّقافي؟
.
A+   A-

من يتابع النشاطات والإنجازات الثقافية في بعض المدن العربية عن كثب، يلاحظ تقدّماً لافتاً يجعل من هذه العواصم العربية في صدارة المشهد الثقافي العالمي.

 

معارض، متاحف، لقاءات مع شخصيات أدبية وفنية بارزة، بالإضافة إلى  تخصيص ميزانيات ضخمة لتعزيز الوعي الثقافي والأثري في المجتمعات... كلّ هذا ساهم في تسارع وتيرة الحركة الثقافية في هذه البلدان، وباتت تنافس دولاً كبيرة في عدد المتاحف والمعارض ودور الأوبرا والمسارح الجديدة.

 

فمع طموحاتها الواسعة ومواردها الكبيرة، تعد أبو ظبي والشارقة وجدّة والدوحة مثلاً في مقدمة المدن التي تقوم ببناء مراكز ثقافية متنوعة لمنافسة مراكز العالم الثقافية في نيويورك ولندن وباريس، والتي يعاني العديد منها انتكاسات ماديّة.

 

يبدو أن الاستثمارات الثقافية تؤتي ثمارها، إذ تتمتع هذه المدن العربية بنهضة ثقافية ملحوظة، مدفوعة برعاية الدولة والقطاع الخاص معاً.

 

يأتي هذا في وقت تقوم فيه الحكومات في أماكن أخرى من العالم بتخفيض ميزانياتها المخصصة للثقافة والفنون.

ففي بريطانيا، على سبيل المثل، شهدت المعارض والمتاحف الرائدة تخفيضات جذرية في تمويل مجلس الفنون لها في الآونة الأخيرة، بعد قرار الحكومة بتخفيض التمويل دراماتيكياً لقطاعات الفنون والثقافة والتعليم الجامعي المرتبط به للسنوات الثلاث المقبلة.

 

كذلك الحال في فرنسا، إذ تواجه أوبرا باريس تخفيضات في التمويل قدرها 6 ملايين يورو، والكوميديا الفرنسية بنسبة 5 ملايين يورو، ومتحف اللوفر بنسبة 3 ملايين يورو.

 

وإضافة إلى هذه الأسماء الكبرى، أدى خفض الميزانية الثقافية إلى قطع الأموال عن كل المسارح والمعارض تقريباً.

ولا يبدو الحال أفضل أميركياً، مع قطع تمويل مجلس الفنون في كاليفورنيا بنسبة 38 في المئة، فضلاً عن خفض ميزانية إدارة الشؤون الثقافية قي نيويورك بأكثر من 25 مليون دولار، ما أدى إلى سحب التمويل من مؤسسات ثقافية وفنية عدة كفرقة برونكس للفنون التي تأسست في عام 1972.

 

 

تطور ثقافي عربي

في المقابل، تستقطب المعارض والقمم الثقافية مثقفين وفنانين وأكاديمين وأدباء من حول العالم لا يخفون إعجابهم بهذا التطور الحاصل.

ففي مداخلة له حول تبدّل العواصم الثقافية المتعارف عليها عالمياً، لاحظ وولي سوينكا، الكاتب النيجيري الحائز جائزة نوبل للآداب، "أن الثقافة أعادت تمركزها بعيداً عن العواصم التقليدية"، موضحاً "أن ذلك يعني أن باريس هي مجرد أحد هذه المراكز (الثقافية)، بينما الشارقة يمكن أن تكون مركزاً، وكذلك الحال مع أبو ظبي".

 

مشاريع مهمة

في إطار سعيها نحو تعزيز مكانتها على خريطة الثقافة العالمية، أنجزت الإمارات مشاريع ثقافية ناجحة مثل إقامة الدورة السادسة للقمة الثقافية في أبو ظبي لعام 2024، والتي استضافت شخصيات ثقافية بارزة كان من بينها سوينكا وأدونيس ودانييل بويد وغيرهم الكثير ممّن أثنوا على التطورات الثقافية الحاصلة في المنطقة.

 
 

تلى ذلك النجاح الكبير الذي حققه معرض أبو ظبي للكتاب في دورته الثالثة والثلاثين في مركز أبو ظبي الوطني للمعارض "إدنيك" تحت شعار: "هنا تُسرد قصص العالم"، ليكون واحداً من أهم معارض الكتب العالمية مع استضافته لما يزيد على 1350 عارضاً من 90 دولة.

وغني عن القول إن العاصمة الإماراتية خصصت ميزانيات عملاقة لجذب صالات العرض العالمية ذات الأسماء الكبيرة إلى أرضها. وتعد منطقة السعديات الثقافية موطناً لمتحف اللوفر أبو ظبي، الذي افتُتح في عام 2017 كجزء من مشروع تطوير سياحي وثقافي. وهي موطن لمتحف غوغنهايم، المقرر الانتهاء منه في عام 2025، ومتحف زايد الوطني، المقرر الانتهاء منه في عام 2025، متحف العين الوطني ومتحف دلما  ودار المسارح والفنون والمتحف البحري. هذا ويستضيف المجمع الثقافي، في قلب وسط مدينة أبو ظبي، معارض للمواهب الإماراتية والمقيمة.

على صعيد موازٍ، تبرز مدينة الشارقة على خريطة العواصم الثقافية العالمية. وتعد مؤسسة الشارقة للفنون، التي أنشئت عام 2009، مثالاً جيداً لرعاية منصة ديناميكية تربط بين العالمي والمحلي.

من جهتها، قدمت هيئة الشارقة للمتاحف هذا العام مجموعة واسعة من الفعاليات والمبادرات التي شملت جولات وورش عمل ومعارض متخصصة وحسية، لتأكيد أهمية المتاحف كمساحات ثقافية وتعليمية. فقدم حصن الشارقة وبيت النابودة لزواره رحلات تتجاوز تجارب التعلم التقليدية من خلال دمج التكنولوجيا مع الواقع المعزز لإحياء قصص تاريخية من الشارقة.

وهي تقنية تستخدم راهناً في بعض المعارض العالمية فقط لاستقطاب الجمهور، لا سيما من فئة الشباب عبر التحدث بلغته.

 
 

في المملكة العربية السعودية، ثمة حراك ثقافي شامل ومتنوع وتطوير مستمرّ في المجالات الفنية والثقافية. وحين نتحدث عن مثل هذه الإنجازات، فلا بدّ أن نتوقف عند افتتاح أول بينالي للفنون الإسلامية في جدة عام 2023، وهو حدث فني مهم يتكرّر كل سنتين.

هذا وأُعلن عن خطط شراكة بين متحف بومبيدو في باريس ومتحف العلا للفن المعاصر. هذا يأتي مع الاهتمام طبعاً بمعارض الكتب التي تستضيف أهم الكتّاب ودور النشر، بالإضافة إلى المهرجانات السينمائية والثقافية وغيرها.

أما في قطر فيبدو المشهد مماثلاً مع بروز العديد من المتاحف مثل المتحف العربي للفن الحديث، ومتحف قطر الوطني، ومتحف الفن الإسلامي على الواجهة البحرية للدوحة، ومتاحف عديدة قيد الإنشاء. ناهيك أيضاً عن معارض وندوات ومشاريع تهتم بالثقافة بغية تعزيز الوعي المعرفي في المجتمع.

هذه مجرد أمثلة قليلة عن المشهد الثقافي المتنامي في المنطقة، ولا شكّ بأنّ هذه الإنجازات والمبادرات من شأنها النهوض بمجتمعاتنا العربية وتحويلها إلى مراكز ثقافية حاضنة للإبداع والمبدعين.

 

اقرأ في النهار Premium