لم تعد منصة "شاهد" الذراع الضاربة في العالم الافتراضي الدرامي عربياً، بل ثمة منافسون جدد دخلوا الحلبة. الكعكة ضخمة والأرقام واعدة. سوق صناعة الدراما أرباحه منتظرة وسوقه واسع في العالم العربي.
فضائية "الأم بي سي" حاضرة منذ زمن، وتحتل جزءاً مهماً من الساحة الإعلامية في البث البرامجي وفي الإنتاج المتلفز عربياً، والآن تحولت مع "شاهد" إلى منصة لها شريحة واسعة من المشتركين وتدعم الإنتاج السينمائي.
في المقابل، اختارت منصة "نتفليكس" الأميركية، التي تعاقدت مع أهم المخرجين السينمائيين وتدفع ببذخ على الـ "SHOW" السينمائي، وتقف خلف إنتاجات عملاقة عالمياً، أن تدخل العالم العربي وأن تبدأ بإنتاجات ناجحة مثل مسلسل "جن" عام 2019، وهو من إخراج اللبناني ميرجان بوشعيا، ويليه مسلسل "مدرسة الروابي" في العام 2022 بالتعاون مع "إيمج نيشن" أبوظبي ومن إخراج الأردنية تيما الشوملي.
صار هذا المسلسل بمثابة دمغة درامية في عالم مسلسلات الناشئة، وتمّ بيعه عالمياً بعدما بات له سوقه المؤلف من شريحة واسعة ومضمونة عالمياً. جمهوره هم من المراهقين الذين تضعهم المنصة في بؤرة العدسة. نقول هذا عن العمل بمعزل عن عمق النص أو سطحيته أو استنساخه...
وفي المجمل، خيارات "نتفليكس" تنحو نحو الضجة الإعلامية بطرح قضايا إشكالية تسوّق للعمل سلفاً، ونقصد خيارات "الإكستريم" التي تطبعها بنكهة خاصة!
فالمنصة اتجهت نحو استنساخ عربي لفيلم "أصحاب ولا أحلى" بكل إشكاليته حيال قضايا الجندر والهوية الجنسية، فيما سارت "أمازون برايم" باتجاه إنتاجات عربية من قلب الإمارات، مثل عشارية "ترانزيت" الحافلة بدراما "بان أراب"، بعمل مختلف درامياً، وهو أقرب إلى المسلسلات الأميركية في السيناريو والإخراج، عن عالم المال والأعمال. ونقصد هنا "The Board" الذي يتناول تحكّم أقليات المال بسواد الأكثرية، العمل بسوية درامية معمّدة بالمؤثرات السينمائية ورمزيتها، في حكاية صعود من هم على الهامش إلى النور، وهو من إخراج الكاتب السوري هوزان عكو.
بدورها منصة "يانغو بلاي" الآتية نحو السوق العربي بانطلاقة عالمية كمحتوى يجمع الموسيقى والدراما معاً، بدأت بداية تقليدية في سوق الدراما الرمضانية، وتفاوت مستوى الأعمال المنتجة من المنصة، فقدّمت للسوق الخليجي مسلسل "سقف الوالد"، وهو أول إنتاج سعودي درامي من أعمال "يانغو" الأصلية، وعُرض من مصر المسلسل المثير للجدل "الحشاشين" بطولة كريم عبد العزيز، وفي خيار سوري- لبناني قدّم مسلسل "نظرة حب" بطولة باسل خياط وكارمن بصيبص، إضافة إلى المسلسل المصري "بيت الرفاعي" بطولة أمير كرارة وسيد رجب.
إذاً، قبل هذه المنافسات، كانت منصّة "شاهد" تتحرّك بحرّية في سوق تتفرّد به وتستحوذ فيه على حصة الأسد، متكئة على تاريخ "أم بي سي" الكبير، لكنّ الوضع بدأ بالتغيّر مع دخول جهات عالمية منافسة بقوة.
ومن المنصات التي تدخل في السوق الدرامي حالياً، غير المذكورة أعلاه، هناك منصة "أبل وأتش بي" أو وغيرها.
في هذا السياق، يقول رومان شيمانسكي لـ"النهار العربي"، وهو مدير اعمال الشرق الاوسط وشمال افريقيا في منصة "يانغو بلاي"، إنّ "مسار سوق الإعلام والترفيه في المشرق ينمو بشكل كبير، ويقدّر حجمه بـ 42.72 مليار دولار أميركي في عام 2024، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 66.99 مليار دولار أميركي بحلول 2029، بمعدل نمو سنوي مركّب قدره 9.41 خلال الفترة المتوقعة ما بين 2024-2029- وفقاً لتقرير صادر عن شركة "مودرو" للاتصالات والأبحاث". وبعين مركّزة على السوق الخليجي الواعد، يلفت إلى أنّ "في السعودية والإمارات أصبحت التنسيقات الرقمية جزءاً لا يتجزأ من استهلاك الوسائط".
ويوضح شيمانسكي لـ"النهار العربي"، أنّ المنصة تعوّل على "وجود عدد كبير من الشباب البارعين في التكنولوجيا وزيادة انتشار الانترنت والهواتف المحمولة، وتزايد الطلب على الوسائط الرقمية والألعاب والترفيه على الانترنت، ما يبشر بعصر جديد من سهولة الوصول للجمهور".
لكنّ التطبيق سار بخيارات تقليدية واختار اللعب في منطقة آمنة "أقله" - رمضانياً- بالتركيز على السوقين المصري والخليجي، فيما كانت منصة "شاهد" أكثر جرأة مع عرضها مسلسلات سورية لاقت انتشاراً قوياً مفاجئاً لدى الجمهور العربي مثل "ولاد بديعة" وغيره من باقة ضخمة من المسلسلات العربية، نذكر منها المسلسل المصري "أعلى نسبة مشاهدة" والمأخوذ عن حكاية واقعية معاصرة، إخراج ياسمين كامل.
أما المخرج والمنتج هوزان عكو - "ديونيزيا للإنتاج الفني"- فتعمّق أكثر في واقع دراما المنصات حالياً، وقال لـ"النهار العربي": "توقعات صنّاع الدراما كانت تتجاوز حيازة المنصات على حصة من كعكة الدراما، وكان التوقع أن يعيد صناعة الدراما ويفتح المجال نحو ازدهار الصناعة من الناحية الفنية والاقتصادية، إلّا أنّ العملية شابها الكثير من التباطؤ والتردّد وعودة الكثير من المنصات إلى العرض الرمضاني، فضلاً عن الأعمال الطويلة التي تراهن على كسب الجمهور أكبر فترة ممكنة، وهو أساس العجلة الاقتصادية للمنصات التي لا تعتمد على الإعلانات".
وأضاف: "السبب أنّ الجمهور لا يزال يتابع محطاته المفضّلة أو يلجأ الى مشاهدة أعمال المنصات في غير المنصة التي اشترت حقوق العمل، وهذا يقلّل من حماسة المنصات على الخوض بقوة في إنتاج الأعمال القصيرة المركزة، فيما كان المتوقع أن يُنتج عدد كبير من الأعمال بات الإنتاج يقتصر على عدد محدود، فضلاً عن أزمة أكبر يعاني منها القطاع هذا، وهو توفر المادة الدرامية الصالحة للأعمال".
وختم حديثه قائلاً: "أعتقد أنّ الأمر يحتاج إلى بعض الوقت. وحين تتحقق الجدوى الاقتصادية لكلا الطرفين سنرى المزيد من الأعمال... أنا متفائل".