النهار

ألف حلقة ومليارا مشاهدة... "الدحيح" يحتفل بعقده الأول
شريف صالح
المصدر: القاهرة- النهار العربي
احتفل أحمد الغندور الشهير بـ "الدحيح" قبل أيام بعيد ميلاده الـ30، ونشر أحد الأصدقاء على "فيسبوك" خبراً أنه قدّم عرضاً في الولايات المتحدة أخيراً، للجالية العربية هناك.
ألف حلقة ومليارا مشاهدة... "الدحيح" يحتفل بعقده الأول
الدحيح
A+   A-
 
احتفل أحمد الغندور الشهير بـ "الدحيح" قبل أيام بعيد ميلاده الـ30، ونشر أحد الأصدقاء على "فيسبوك" خبراً أنه قدّم عرضاً في الولايات المتحدة أخيراً، للجالية العربية هناك.
 
يُعتبر الدحيح مع باسم يوسف أبرز شخصيتين مصريتين ظهرتا بعد ثورة (يناير) كصانعي محتوى. وبرغم فارق جيل بين الاثنين لكنهما يشتركان في الانتشار مصريًا وعربيًا، وعالميًا بدرجة ما، حيث رُشح الدحيح لجائزة IBC العالمية كأكثر الشباب المؤثرين في مجال الإعلام. كما يشترك باسم والغندور في الانتماء للطبقة الوسطى المصرية، واتقان اللغة الإنكليزية، والدراسة العلمية، فباسم طبيب، والغندور خريج كلية العلوم في الجامعة الأميركية. وفوق ذلك كلاهما يمتلك خفّة الظل والحس الساخر، ما انعكس على طبيعة المحتوى وضَمَن لهما نجاحًا لافتًا.
 
 
روح المغامرة
لعلّ تلك السمات تصلح مدخلًا لفهم شخصية وتجربة الدحيح، تُضاف إليها روح المغامرة، فالصبي الذي كان قارئًا بارعًا وعاش طفولته في السعودية مع أسرته، تخلّى عن فرصة دراسة الطب، وقرّر أن يغامر على "يوتيوب" وهو في سن العشرين.
 
كان التصور الكلاسيكي العتيق لمن يريد أن يعمل في مجال الإعلام هو الالتحاق بكلية الإعلام، ثم البحث عن وظيفة مستقرة في الصحافة المكتوبة أو المرئية، والحصول على عضوية نقابة الصحافيين. برغم تراجع عدد من يقرأ الصحف اليوم بينما صناعة "الترند" كلها الآن مرتبطة بالمرئي.
 
لذلك، أهم ما يميز "الدحيح" روح المغامرة وخوض التجربة من دون النظر إلى التكلفة ولا العائد منها. حدث ذلك بعدما تعرّض لتجربة بسيطة حين اشترك في مسابقة نظّمتها القنصلية البريطانية كانت تتطلّب منه أن يبسط فكرة علمية في ثلاث دقائق فقط. فكانت الشرارة التي ولدت منها فكرة "الدحيح" باستعمال مفردة مصرية دارجة تعني الشخص المجتهد أو الذي لا يتوقف عن المذاكرة، وهي صيغة مبالغة تُقال أيضًا "الدحّاح". وفي الغالب أصل الكلمة يعود إلى الفعل "دح" بمعنى ملأ بطنه حتى اتسعت. لكن الاستعمال الحديث يشير إلى ملء العقل بالمعرفة.
 
 
 
 
ألف حلقة
قصة  نجاح "الدحيح" نشرها طاهر المعتز بالله في كتاب بالعنوان نفسه، مضافًا إليه "ما وراء الكواليس" وصدر عن "دار الشروق". يشير الكتاب ـ وقت نشره ـ أنه قدّم في 7 سنوات حوالى 300 حلقة وأخذ في الاعتبار أنّه أحيانًا يقدّم حلقتين أسبوعيًا، فربما يناهز ما قدّمه في 10 سنوات 1000 حلقة، وما لا يقلّ عن ملياري مشاهدة.
لأنه ببساطة عدد متابعي قناته على "يوتيوب" يقترب من 5 ملايين شخص، ومتوسط مشاهدات الحلقة الواحدة لا يقلّ عن مليون، وبعض الحلقات مثل "هتلر" تجاوزت 10 ملايين مشاهدة. فنحن نتحدث عن تجربة هائلة جدًا لشاب بدأ حرفيًا من الصفر، وبمساعدة بعض أصدقائه المقرّبين.
 
 
بداية متواضعة
قبل أن يبدأ مشروعه قضى الغندور صيف 2014 يشاهد العديد من "اليوتيوبرز"، وكانت رغبته "تبسيط العلوم" للناس. وفكّر في كذا اسم للقناة منها "الموس"، أيضًا تدرّب على التصوير والمونتاج. 
وبدأ الفيديو الأول بكاميرا شقيقه و"مايك" اشتراه له والده، وكانت بعنوان "ابن مجدي عبد الغني"، ثم بدأ لفت بعض الأنظار إليه مع الحلقة الثالثة عن "تحدّي بيبسي" ووصل إلى ملايين المشاهدات مع حلقات مثل "الثقب الأسود" والحلقة الخاصة بتعويم الجنيه.
 
اللافت في المحتوى الذي يقدّمه الغندور أنه منذ البداية لم يكن عن تبسيط العلوم ـ كما أحب ـ بل قدّم الثقافة العامة بأسلوب شعبي مرح ومبسط، أي أنه تناول الحروب والتاريخ والمعتقدات وكرة القدم والاقتصاد، وإن ظل للعلوم حصتها الأكبر. وبسبب طريقته العقلانية في الطرح والبعيدة من الهالة الإيمانية التي ميّزت أشهر تجربة تبسيط للعلوم قدّمها الراحل مصطفى محمود في "العلم والإيمان".. كان من الطبيعي أن يتهم البعض الغندور بترويج الإلحاد!
 
 
 
 
أسلوب السهل الممتنع
هذا الاختيار الجاد للمحتوى كان ضدّ النغمة السائدة التي تربط الشهرة والنجاح بالترفيه أو "التفاهة"، بينما "الدحيح" يناقش قضايا بالغة التعقيد ونخبوية جدًا. ما يعني أن الجمهور يقبل عرض الأفكار الجادة إذا كان ذلك بأسلوب السهل الممتنع الذي لا يخلو من مرح. 
لذلك من السهل أن يعلّق على حلقاته متخصص في التاريخ أو الفضاء أو الاقتصاد، ليؤكّد أن الحلقة التي تتأرجح ما بين 10 إلى 30 دقيقة، قد عالجت الموضوع كله بشكل جيد ودقيق.
أي أن الميزة الكبرى ليست فقط في جدّية الطرح، وخفّة العرض، وإنما في براعة التلخيص ومناقشة كل الآراء في القضية المطروحة. من ثم تقدّم الحلقة غذاء معرفيًا يعادل قراءة كتاب على الأقل.
 
أصدقاء الجامعة الأميركية
لا شك أن دراسة الغندور في الجامعة الأميركية لم توفّر له مستوى علمياً رفيعاً فقط، بما في ذلك اتقان الإنكليزية، وإنما أتاحت له مناخ الحرّية الكافي كي ينطلق مبكرًا وهو ما زال طالبًا، ولا ينبغي أن يُستهان بجمهوره الأول من أصدقائه وزملائه في الجامعة، ودورهم في تشجيعه وتقييم الحلقات الأولى.
 
فمجتمع الجامعة الأميركية لعب دورًا مؤثرًا في ولادة المشروع، خصوصًا أن الدحيح كان عضوًا في نادي المساعدة، وفي اتحاد الطلبة، ووسط هذا المجتمع ظهرت خفة ظله وموهبته في التمثيل، والتي استثمرها في تطوير برنامجه من خلال عرض اسكتش فكاهي في مقدّمة كل حلقة.
 
أي أن العناصر الأولى التي نجح فيها البرنامج، شيئًا فشيئًا، استمرت طوال 10 سنوات مع الانتقال من حس الهواة إلى الاحتراف، خصوصًا أن التجربة وجدت لها أكثر من منتج، وتبنّتها أكثر من منصة منها AJ+ و "شاهد نت"، وأخيرًا أكاديمية الإعلام الجديد.
 
وجود منتجين ورعاة ساهم في مزيد من الاحترافية وتوسيع فريق العمل ليشمل من يكتب له الحلقات ورئيس تحرير ومخرج. أي أصبح يُدار بعقلية البرامج الاحترافية لا أسلوب الهواة في "التيك توك".
 
 
 
وما كان للدحيح أن يحقق كل هذا النجاح لولا تواضعه وحرصه على التعلّم واكتساب الخبرات والمهارات، لذلك، إلى جانب التقديم يشارك في كتابة الحلقات، ويقدّم مقطعًا تمثيليًا يتقمّص فيه أكثر من شخصية.
وشيئًا فشيئًا أصبح للبرنامج أسلوب وبنية شبه ثابتة، تبدأ بالمقطع التمثيلي الفكاهي، ثم المقدمة التي تتكرّر فيها لزمات معينة، ووقوف الدحيح في غرفة ذات أثاث قديم وبسيط، وأكل خيارة أحيانًا، وربط الفكرة العلمية أو الفلسفية التي يرغب في طرحها مع أحداث راهنة تُشغل بال الناس، والخروج عن النص ببث بعض الأفيهات اللفظية أو الجسدية.
 
وباستعارة عنوان أحد فصول كتاب المعتز بالله وهو "طريقة عمل الدحيح في البيت"، فثمة مقومات كثيرة كانت سرّ النجاح وتحقيق أرقام قياسية، أهمها: موهبة الغندور وما يتميز به من خفّة ظل وتمثيل وإلقاء، ثقافته الواسعة خصوصًا في مجال العلوم، تشجيع الأهل والأصدقاء، تحمس المنتجين لتبنّي البرنامج في مراحل مختلفة، اختيار أفكار تشغل بال الناس وصياغتها من زاوية مختلفة وفكاهية، توفير مجموعة كبيرة من المصادر المحترمة والإشارة إليها ضمن الحلقة نفسها، الجهد الكبير في الإعداد، والاستعانة بشباب مبدع من أبناء جيله في الكتابة والإخراج وبقية النواحي التقنية، فكل من تعاون معه كان قيمة مضافة للتجربة.
 
وإذا كان معظم صنّاع المحتوى لا يصمدون أو يخسرون الأضواء سريعًا، فإن الدحيح ـ بما امتلك من مقومات ـ ما زال على القمة، وهو يحتفل هذا العام بمرور 10 سنوات على ظهوره الأول في دنيا الـ"يوتيوب".
 

اقرأ في النهار Premium