النهار

في تونس... الذكاء الاصطناعي يساعد في حفظ تراث المذهب ‏الاباضي ‏
المصدر: أ ف ب
تضم المكتبة اليوم أكثر من 1600 قطعة، ما بين نصوص ‏وكتب إباضية قديمة تتطرق إلى مواضيع مختلفة.
في تونس... الذكاء الاصطناعي يساعد في حفظ تراث المذهب ‏الاباضي ‏
التونسي سعيد الباروني (أ ف ب)‏
A+   A-
 
في منزله المتواضع بجزيرة جربة في جنوب شرق تونس، ‏يوظف سعيد الباروني التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لترميم ‏وحفظ مخطوطات تشكل تراث طائفته الإباضية المسلمة ‏المعتدلة.‏

يتولى الرجل البالغ 74 عاماً، والمنتمي للطائفة الإسلامية ‏الإباضية، الإشراف على مكتبة عائلته التي توارثتها ستة ‏أجيال، ويخوض سباقا مع الزمن لترميم وحفظ كلّ مخطوط ‏إباضي يمكن أن تقع عليها يداه.‏
 
 
يقول الباروني لوكالة "فرانس برس" ملتقطاً بعناية قطعة من ‏الورق داخل غرفة يتم التحكم في تكييفها بدقة كبيرة كي لا ‏تتلف المخطوطات "أنظروا إلى ما فعلته رطوبة جربة بهذا ‏‏(المخطوط)".‏

تضم المكتبة اليوم أكثر من 1600 قطعة، ما بين نصوص ‏وكتب إباضية قديمة تتطرق إلى مواضيع مختلفة، بما في ذلك ‏علم التنجيم والطب. وبعض المخطوطات يعود إلى العام ‏‏1357.‏

يسعى الباروني لجمع أكثر ما يمكن من المؤلفات التي ظلت ‏متناثرة لقرون بين أجيال الإباضيين الذين مارسوت عقيدتهم ‏بعيداً عن الانظار.‏

وبحسب الروايات التاريخية المتداولة عبر الأجيال، هرب ‏الإباضيون من شبه الجزيرة العربية بعد الخلاف حول خلافة ‏الحكم إثر وفاة النبي محمد عام 632 ميلادي.‏

واستقر الإباضيون في أجزاء من ليبيا وتونس والجزائر ‏وأسسوا عاصمتهم في تيهرت، وهي حاليا مدينة تيارت ‏الجزائرية.‏

لكن الاستقرار في مواطنهم الجديدة لم يدم طويلاً بعد اعتلاء ‏الفاطميين الحكم والسيطرة على المنطقة وطردهم من مراكز ‏وجودهم الرئيسية.‏
 
 
أكوام من الكتب والمخطوطات ‏
يوضح أستاذ اللغة والآداب والحضارة العربيّة زهير تغلات، ‏المختص في تاريخ الاباضية، "للحفاظ على وجودهم وحمايته، ‏لجؤوا (الاباضيين) لجزيرة جربة ولجبال نفوسة الوعرة في ‏ليبيا ولغرداية في جنوب الجزائر، وحوّلوا هذه المناطق ‏الوعرة إلى مناطق يحلو فيها العيش".‏

ويضيف "وجدوا أنفسهم أمام خيارين، اما مواصلة الحرب إلى ‏ما لا نهاية والزوال على غرار سائر الأقليات (الدينية) أو ‏قبول العيش بكتمان وبناء حضارة".‏

ويؤكد الباروني أن غالبية مخطوطات الإباضيين موجودة في ‏مكتبات عائلية في جربة خشية الاندثار، قائلاً "تملك كل ‏العائلات في جربة مكتبات، لكن الكثير من المخطوطات تم ‏بيعها أو تبادلها بين أشخاص مختلفين".‏

تنتشر في الغرفة الصغيرة المخصصة لعمليات حفظ ‏المخطوطات أكوام من الكتب، فيما صوت آلة شفط ‏الأوكسجين لا يتوقف من أجل القضاء على كل الكائنات ‏المجهرية المتواجدة في الهواء والتي تتسبب في تلف ورق ‏المخطوطات.‏

يتم تنظيف المخطوطات ومسحها ضوئياً للحصول على نسخ ‏رقمية، وهو ما يعتقد الباروني أنه "الحلّ الوحيد اليوم" للحفاظ ‏على النصوص القديمة.‏

ونظراً لأن أنماط الخطوط العربية القديمة معقدة بعض الشيء ‏وليست سهلة القراءة والفهم، بدأ الباروني في استخدام تطبيق ‏‏"زنكي"، وهو برنامج ذكاء اصطناعي قادر على تحويل ‏المخطوطات إلى نصوص رقمية قابلة للتعديل.‏

يتيح التطبيق الوصول إلى عدد لا يحصى من المخطوطات ‏التي لا يستطيع القارئ العادي فك شفرتها، بحسب فراس بن ‏عبيد، مهندس البرمجيات التونسي المقيم في لندن والذي ابتكر ‏‏"زنكي".‏

وهي فضلا عن ذلك وسيلة "لتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى ‏البعض حول موضوعات معينة" على غرار التراث الإباضي.‏

واعتُبرت الاباضية لمدة طويلة مذهبا منبوذا من أهل السنة ‏والشيعة لأنها ترى أن كل شخص بامكانه خلافة الرسول محمد ‏شرط أن تُجمع عليه طائفته وان يكون ملّما بالدين.‏

ويُبين الباروني في هذا السياق "قالوا عنا خوارج، في الواقع ‏ننفي كلمة الخوارج عن الدين والملة، نحن خرجنا عن ‏الطغاة".‏
 
 
‏"تصور خاص للمعمار" ‏
ويشير تغلات إلى أن أولئك الذين يقدمون أنفسهم على أنهم ‏‏"ديموقراطيو الإسلام" لديهم تقليد في تكليف مجلس من ‏الحكماء يدعى "العزّابة" يكلف بالنظر في الخلافات ‏الاجتماعية والسياسية "بهدف الحفاظ على المجتمع الإباضي".‏

وفي تونس، يتركز ورثة الإباضية، وهم طائفة تعتمد مبادئ ‏إسلامية تُصنف بأنها معتدلة، في جربة، وهي ملجأ للأقليات ‏الأخرى مثل الكاثوليك وتضم أكبر طائفة يهودية في البلاد مع ‏أكثر من 1500 يهودي.‏

وبفضل هذا التجانس والتنوع الديني الذي لا تزال اثاره ‏متواجدة في عشرات المعالم الرمزية، تم إدراج الجزيرة في ‏العام الفائت على قائمة التراث المحمي من قبل اليونسكو.‏

للاباضيين "تصوّر خاص للمعمار والتوزع المجالي السكني ‏في المدينة، ما عزز ضمّها لتراث اليونسكو"، بحسب الخبير.‏

وينعكس أسلوب حياتهم البسيط على الهندسة المعمارية ‏لمساجدهم، ذات الخطوط البيضاء من دون زخارف، والمآذن ‏الصغيرة، إذ إنّ "المساجد يجب أن تكون راكعة لربها لا ‏تطول كثيرا في السماء"، وفقا لتغلات.‏

حتى أن بعض المساجد موجودة تحت الأرض "لأسباب رمزية ‏وأمنية"، بينما أُنشئت تاريخياً مساجد أخرى على شاطئ البحر ‏لمراقبة وصول سفن العدو.‏
 

اقرأ في النهار Premium